خاص- «أخبار بووم»
لماذا يوصد النظام السوري الأبواب أمام الصحافة العربية والعالمية؟ سؤال بديهي لأنه لا يمنع خروج التحقيقات الصحافية من سوريا بشكل يومي. لسان حال السلطات الرسمية في دمشق يشير إلى «مؤامرة»، إلا أن إقفال الباب أمام الصحافة لن يمنع المؤامرة «إن وجدت» لا بل سوف يغذيها «إن وجدت» وكأن النظام يعطي أسواطاً لضاربيه.
وبالعكس في حال فتحت الحكومة السورية أبواب «أرض المعركة» للصحافة العربية والعالمية، أيا كانت مواقفها من النظام القائم و«كرهها له» فإن الكم الإعلامي الكثيف الذي سوف يخرج سوف يحمل بعضاً من الحقيقة على الأرض. حصل هذا في السابق: في فيتنام سبب الإعلام وخصوصاً الأميركي تعجيل اندحار الجيش الأميركي. وفي العراق بعد فترة تردد (بسبب ديكتاتورية النظام الصدامي) تسبب الإعلام بكشف أكبر أكذوبة في العصر الحديث بنيت على سلاح الدمار الشامل.
عندما تقوم إسرائيل بعملياتها الحربية الوحشية فهي تستوعب ردات الفعل الإعلامية عبر السماح للإعلام العالمي بالوصول إلى أرض المعركة وإن هي تدفع بفرق كاملة من الملحقين الإعلاميين لتلتصق بالصحافيين تحاول «تصحيح صورة ما يرون»، رغم هذا تخرج معلومات عن فظاعة القمع الإسرائيلي. إلا أن ما يخفف من «وطأتها على الرأي العام العالمي» هو وجود «حرية وصول إلى الخبر»، ورغم وجود نسبة كبيرة من مؤيدين لإسرائيل فإن «أخبار وحشية الجيش والمستوطنين» تصل إلى الخارج، ومع الوقت تفعل فعلتها وتؤثر في الرأي العام العالمي.
في سوريا على الصحافي إن كان عربياً أن يدخل متخلياً عن صفته المهنية، فيدخل كـ«مواطن عربي»، فتزول عنه كل ضمانات المهنة وسلامته الجسدية، فلا يستطيع ارتداء خوذة أو سترة تحميه من الرصاص تحمل الكلمة السحرية «Press». عليه أن يكتفي بما يسمعه من هنا أو هناك من الثوار في معاقل الثوار وعليه الغوص في مستنقع الكذب في حال قبض عليه، ويتعثر حظه في حال كان مشهوراً ومعروفاً. أما في حال وصوله إلى بلاد الشام بدعوة من وزارة الإعلام فإن هذا يعني أنه «لن يلتقي مع الثوار»، بل سوف يشاهدهم عن بعد أو يسمع عنهم وتكون «مهمته» نقل ما سمعه من وزارة الإعلام أو قرأه في الصحافة التابعة للنظام.
أما إذا كان أجنبياً فإن دخوله يأخذ شكل مغامرة جديرة بجيمس بوند، تجعل منه «جاسوساً غصباً عنه». فليس أمامه إلا التسلل عبر الحدود اللبنانية أو التركية (وبشكل أقل الحدود الأردنية) وأن يضع نفسه في البداية «في تصرف المهربين» وأن يدفع غالياً ثمن عملية التهريب حتى وإن كان برفقة «ثوار»، فالثوار يدفعون أيضاً، فهذا «بيزنيس» وليس عملاً نضالياً.
وصف بعض الصحافيين الخارجين من سوريا سبل الوصول إلى الداخل وكأنها فيلم هوليودي: سيارة حتى قبل كيلومترات من الحدود، ومن ثم تمضية ليل أو ليلتين (أو أكثر) بانتظار الـ«كونتاكت» أي العميل الآتي عبر الحدود. وعندما يحضر يتم دفع أول مبلغ وبعدها ينتقل الصحافيين مع القادمين عبر الحدود بواسطة دراجات نارية نحو نقاط أقرب إلى الحدود ويكون الانتقال بالليل طبعاً. وعندما يصلون تتم الدفعة الثانية لأصحاب الدراجات الذين نقلوا الصحافيين والـ«كونتاكت». تعود الدراجات إلى الأراضي (اللبنانية حسب الراوي) عندها يخرج من الظلام مجموعة يقدمهم المرافق على أنهم «ثوار»، لتبدأ مسيرة عبر طرق وعرة في الوحول والثلوج تأخذ ما بين الساعة والساعتين قبل أن يلتفت المرافق ليقول للصحافيين «إن مهمته تتنهي هنا». هنا تتم عملية دفع ثالثة يتقاسمها المرافق مع «أصحاب المسالك» كما يصفهم.
بعد فترة انتظار قد تطول أو تقصر حسب الظروف يظهر مسلحون، وفي أغلب الأحيان يكون بينهم شخص يعرف اسم أحد الصحافيين ويكون على موعد معه، فيبدأ بالاعتذار عن «المبالغ التي اضطروا لدفعها لمن أوصلهم إلى هذا المكان»، مبرراً ذلك بضرورات الوضع. عندها تنتهي مسألة الدفع (من حيث المبدأ).
بخلاف زملائهم العربـ فإن الصحافيين الأجانب يرتدون الخوذة والسترة الواقية ما أن يقطعوا الحدود وفي بعض الأحيان ما أن يترجلوا من السيارات قبل الحدود: السبب مهني أولاً، فجميع الصحافيين لديهم بوليصات تأمين من شروط دفعها في حال حصول أي مكروه «ارتداء الخوذة والسترة الواقية»، وفي حال تبين عدم تنفيذ هذا الشرط فإن الشركة تتملص من دفع بوليصة التأمين. أضف إلى ذلك أن الصحافي الأجنبي أياً كانت معرفته باللغة العربية فهو لن يستطيع التخفي في حال القبض عليه، لذا في حال وقوعه في قبضة قوات النظام فهو يعتبر أن «جنسيته الأجنبية تحميه».
الصحافي الأجنبي الذي يأتي بدعوة من النظام لا يرى إلا ما تريد السلطات منه أن يراه. وعندما يعود إلى وطنه يبدأ كل تحقيقاته بالاعتراف بأنه لم ير إلا ما أرد النظام أن يريه، وبالتالي ينزع كل مصداقية عما سوف يقوله، حتى ولو كان ذلك صحيحاً مئة في المئة.
وبالمقابل فإن الصحافي الذي يبدأ تحقيقات بعد عودته برواية المغامرات التي سبقت وصوله إلى الداخل يكتسب مصداقية قبل أن يبدأ بوصف ما رآه، وكل ما سوف يقوله «صحيحاً كان أو خيالياً» فإن المتلقي القارئ والمشاهد سوف يعتبره «أم الحقائق».