مشهدية عناقيد الضياء
لم يكن يعرف فليب سكاف كيف سيحضر عمله المسرحي الجديد ، المطلوب من أمير الشارقة الشيخ د.قاسم الصالحي المحب للعلم والثقافة والذي يحاول أن يرد على التطرف من خلال هذه المشهدية الجديدة.
عناقيد الضياء مسرحية ضخمة عرضت السنة الماضية في الشارقة وسط تصفيق الحضور بالرغم من الموضوع المتداول لا يسمح بالتصفيق لم يتوقف أمامه المجتهدون من تفسيرات مختلفة .
لكن ضخامة العمل المسرحي ،الإخراجي، الفني،والموسيقي كان أقوى من كل شيء ،استطاع التأثير على قلوب المشاهدين وعقولهم، في رسالة فنية ضخمة .
لقد استفاد المخرج من تجربة الرحابنة في مسرحياتهم التي كانت ترسل من خلالها الرسائل السياسية ، ولكنه أضاف إليها التقنية والقدرات التي صورها في مشهد تاريخي فاخر للبشرية ارتقى أن يكون في مقدمة الأعمال الفنية العالمية التي تبتدعها عقول البشر.
الرسالة التي قدمها فليب سكاف في عمله المسرحي الجديد كانت رسالة حقيقية وضعته في مقدمة المحاربين والمقاومين بوجه العنف والتطرف وتوضيح رسالة سماوية اتسم بها الإسلام أثناء نشره لهذه المهمة على يد النبي “صلعم” لتكون الرد الحقيقي على ما يحصل اليوم من عنف وقتل وذبح وسبي وتهديم للحضارة العربية على يد جماعة “داعش” التي تحاول ان تنتمي بتعليمها للإسلام .
الإسلام الحقيقي هو ما أراده النبي إن يرسل إلى العالم ،والذي بدء به رسالته بالرغم من التنكيل الذي تعرض له هو وأصحابه أثناء الدعوة التي كانت تنشر وفقا لأهداف إنسانية عقلانية بعيدة عن العنف .
ولعل عمل فليب سكاف الإخراجي الضخم الذي تجسد في “مشهدية” عناقيد الضياء هو الرد الحقيقي على الإرهاب الذي يلبس الثوب الإسلامي لأعماله وأفكاره.
هذا العمل الضخم الذي جسده فنان لبناني مبدع ،بطلب من أمير عربي إسلامي سيكون له الصدى الايجابي في عقول الثقافات الأخرى التي أصبحت تنظر إلى الإسلام والدعوة كأنها قوة إرهابية وليس رسالة اعتدال ووسطية .
ومن المؤكد بان الفنان اللبناني “المسيحي الديانة” انتج هذا العمل ليس من باب الإبداع والهواية فقط وليس طمعا بالمال والشهرة ،وإنما دفاعا عن الإسلام الحقيقي الذي يشوه من خلال أناس يعلمون ما يفعلون بطريقة سيئة لهذا الدين.فالعمل الفني بحد ذاته رسالة قوية ورد فعل ثقافي هادف من اجل إيضاح الصورة الحقيقية والطبيعية للرسالة الإسلامية ،وقد يكون هذا العمل هو الثاني من حيث نوعيته وضخامته بعد فيلم الرسالة الشهير للمحرج الكبير مصطفى العقاد،ولكن الظروف والإمكانيات والزمان يختلفون فيما بينهم .إي بين الماضي وتكنولوجيا الحاضر ،المخرج يعلم جيدا بان أقوى الأسلحة الحالية هي سلاح الدعاية وخاصة من خلال إرسالها عن طريق الفن. المشهدية التي تم تقديمها كانت رسالة فنية موسيقية لوحة كاملة بحد ذاتها. هي متناسقة في عرضها على مسرح مفتوح في إمارة الشارقة أمام أعين عالم إسلامي مهتم بإيضاح صورته أمام الآخرين، بظل الهجمة القوية على الإسلام، والعبث بأفكار الرسالة.
قد المخرج الفن بواسطة الفنانين من خلال الغناء الصوفي في لوحة غنائية حاول تمثيلها بكافة الدول العربية من خلال اختياره لاربع شخصيات مغنية للقيام بأداء الغناء والطرب العربي من المشرق والمغرب. حسين الجسمي الفنان الإماراتي الكبير الذي جسد الخليج العربي في المشهدية ، محمد عساف من فلسطين وقد جسد بلاد الشام، علي الحجار مثل مصر ،أما لطفي بوشناق التونسي مثل المغرب العربي.
التلحين كان للأستاذ القدير خالد الشيخ الذي وضع كل الموسيقى على كل الحروف والمخارج في العمل.لقد ربط بين كل كلمة في النص وبين الموسيقى والصورة والحركة والتي كانت لها التأثير الكبير على إبراز قوة اللوحة .
أما كلمات المشهدية فهي للشاعر والكاتب السعودي د.عبد الرحمن العشماوي ،بالإضافة إلى اشتراك ممثلين عرب من الكويت والإمارات والفرقة الاسترالية- اللبنانية التي قدمت اللوحات المسجلة الاستعراضية (المقاتلة).أما الموسيقى كانت من انتاج عربي وألماني ،بمساعدة مخرجين سبعة من أمريكا وأوروبة، مرورا بواضعي الديكور والإضاءة والديكور واللباس .
وبحسب فليب سكاف الذي يقول بأننا لم نباشر بالعمل قبل هذه أسابيع من تلقي محاضرات بالتاريخ الإسلامي الذي ساعد في بلورة أفكار المجموعة ومساعدتها على الأداء وتجسيد اللوحة الفنية . فالفكرة بالأساس هي فكرة هادفة تقوم على إرسال رسالة اعتراضية للذين يقرأون التاريخ بطريقتهم ويمارسون عقائد مقولبة ليس لها علاقة لا بالنص ولا بالقرآن ،وإنما يراد إسنادها إلى السلف الصالح.
“المشهدية” التي تبدأ من خلال ظهور تاريخ ما قبل الإسلام ودور أهل الجزيرة العربية وثقافتهم في التعامل مع الغير إلى فترة ولادة نبي العرب ونشأته في الجزيرة العربية ،والتنكيل بالمسلمين وصولا للهجرة من مكة إلى المدينة .والى عودة الرسول فاتحا مكة وتعامله مع المشركين وإدخالهم في دين الله دون انتقام، وردة فعل ،وتهديمه للأصنام التي كانت تعبد فقط في مكة لان الأصنام الأخرى لم تعبد.
المشهدية تظهر دور النبي محمد في إحدى المعارك وقد أوصى المسلمين بوصايا عديدة يمكن أن تكون الوصايا العشرة التي تحدد التعامل مع الآخرين:” عدم السماح بالقتل والخطف والسبي والتعامل مع الأسرة والجرحى والشيوخ والنساء وحتى الزرع والحجر”، وفقا لتعليم الديني الاسلامي الحنيف الذي لم نشهده في مواقف هذه الحركات المتطرفة والتي تبتعد عن تنفيذ هذه الوصايا.
فالقصة تنتهي مع موت النبي الذي يبكي الممثلين والحاضرين من خلال إعلان بلال الحبشي هذا الخبر المفجع .
هذه “المشهدية” التي تسنى لي حضورها والإعجاب بها فنيا وعملا مميزا عربيا،لكن الأهم بأنها تحمل رسالة ثقافية من خلال مخرجها وحاجزها أمير الشارقة، لكونها تبقى الرد الفعلي لكل الذين لا يعرقون من هو الإسلام المعتدل.
براي يجب أن ينشر هذا العمل ويترجم إلى كافة اللغات لكي يستطيع الإنسان العادي أن يفهم ما معنى الرسالة الإسلامية ،فأهمية المشهدية أن تجوب العالم ،وخاصة بظل الأوضاع المتأزمة ،التي يصور المسلمون والديانة وحش.
بعد الشارقة يتم التفاوض على عرضها في تركيا وفرنسا ،ولكني أقول بدوري يجب عرضها في كل من”مصر ونيجيريا والسودان والغرب وباكستان وأفغانستان والمناطق الحامية المشبعة بتوجهات دينية متطرفة بعيدة كل البعد عن الإسلام الحقيقي.