صور العرب في الإعلام تبرز تحالفاً موضوعياً مع اسرائيل
بسّام الطيارة – خاص
لنتحدث عن صور العالم العربي التي تنشرها الوكالات.
تلجأ وسائل الإعلام العربية في أي مسألة تخص العالم العربي إلى صور وكالات الثلاث*، وتبرز أكثر الصور تشويقاً إعلامياً دون أي قراءة لما تحمله هذه الصور من «رسائل تخاطب اللاوعي الغربي». فلا مجال لأي افتراض بأن هذا المصور يبحث عن مخاطبة اللاوعي العربي، فهذه الوكالات تتوجه بشكل أساسي إلى السوق الكبرى أي السوق الإعلامية الغربية، وبالتالي فإن «زوايا» إبراز المواضيع تخاطب بشكل أساسي المتلقي الغربي…
عندما تختار وسيلة إعلامية صورةً لإبراز حدث عربي (في فلسطين مثلاً ) توجد قراءتان لكل صورة من صور معاناة الفلسطينيين تحت نير الاحتلال الاسرائيلي: قراءة غربية لما تحمله الصورة من «معاناة إنسانية خارج أي إطار سياسي» وقراءة عربية لما تحمله نفس الصورة من «ظلم وتنكيل بالفلسطينين في الإطار السياسي للاحتلال ونتائجه». وهذا التفاوت طبيعي في سياق تباين بين «أفق التلقي الغربي وأفق التلقي الشرقي»… ولكن مع تصاعد الهجمات الإرهابية وربطها في اللاوعي الغربي، وللأسف، بالمواطنين العرب والإسلام، فقد تغيرت نظرة المتلقي الغربي لهذه الصور وللمعاناة الإنسانية التي تحملها.
لنأخذ«نمط بعض صور» التي تنقل ما يعانيه الفلسطينيون:
١) صورة تبرز الفقر وتردي الأوضاع: يظهر المصور المواطنين الفلسطينيين إلى جانب قسم من حيواناتهم الداجنة في أوضاع تحاكي أوضاع متخلفة جداً تذكر الغرب بالقرن التاسع عشر إن لم نقل الثامن عشر.
في بعض الأحيان يبرز صور استعمال البعير للتنقل والانتقال إلى جانب سيارات الجيش الاسرائلي الحديثة.
عندما تهدم سلطات الاحتلال بيت الفلسطينيين يركز المصورون عدساتهم على أغراض المنكوبين العتيقة والمبعثرة على الأرض، وعلى ركاكة البناء وهشاشة العفش ونوعيته التي يدوسها الجنود بأحذيتهم الثقيلة.
هذه الصور تبرز للمتلقي الغربي واقع حياة الانسان الفلسطيني وقد تستدر الشفقة ولكنها في تفس الوقت تزيد من نسبة «التباعد الحضاري» التي يتحسسها المتلقي الغربي وتؤجج الشعور الاستشراقي البغيض وتبرز الاختلاف مع هذا «الآخر» هذا الشرقي الفلسطيني أو العربي.
٢) لا يختلف اثنان بأن النساء يلعبن دوراً كبيراً في النضال لتحرير فلسطين. الصور التي تبرز نضالهن عديدة ولكن، يختار المصورون من بينها الصور التي تبرز صورة «نساء محجبات». صحيح أن عدد النساء اللواتي يتحجبن في العالم العربي بتزايد وكذلك الأمر في فلسطين، إلا أنه توجد العديد من نساء «المودرن» على مئات الحواجز التي تقطع أوصال فلسطين. إن تشديد المصور أو الوكالة التي توزع الصور (عن قصد؟ أو عن غير قصد؟) فقط على النساء المحجبات، يبدو وكأنه يدخل في لعبة «التحالف موضوعي» مع خطط إسرائيل التي تريد أن تؤجج صراع الحضارات بين الغرب وبين العرب والمسلمين لتدل على أنها سد منيع في وجه «الآخر» هذا الفسطيني هذا العربي هذا المسلم الذي يهدد الحضارة الغربية.
اليوم تزداد خطورة هذه الانتقائية في إبراز «الفوارق الحضارية» بين الغرب والشرق (العربي والمسلم) خصوصا في سياق الهجمة الإرهابية التي ينفذها إرهابيون في الغرب باسم إسلام هو بعيدون جد البعد عنه. وتبدو هذه الانتقائية عامل في تبرير التسامح الذي تستفيد منه اسرائيل في كل ما تقوم به يومياً وبشكل ومنهجي من حرائم ضد الإنسانية.
٣) أما في ما يتعلق بالوسائل الإعلامية العربية فهي تقع في «فخ» وكالات الأنباء وتحاول استدرار تضامن عربي إسلامي مع ما يحدث في فلسطين فتبرز تلك صور تلك النساء المحجبات وهن ينضالن ويتصدين للمحتل الاسرائيلي (عن قصد؟ أو عن غير قصد؟) . «قراءة» هذه الصور لدى الفتيات والنساء غير المحجبات اللواتي يتحسسن آلام الفلسطينيين تأخذ منحى يقودهن نحو ربط «النضال بالحجاب» وهنا يبدو وجود «تحالف موضوعي» بين وسائل الإعلام هذه وبين التطرف الإسلامي الذي تتوسع رقعته في أرض العرب والمسلمين.
*الوكالات الثلاث: في خضم مرحلة التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية أي في عهد الجنرال ديغول الذي كان يرفض «كل أنواع الهيمنة الأميركية» ويحارب «التبعية العمياء للعم سام» وكان هذا أحد أسباب خروج فرنسا من الحلف الأطلسي، تمسك الجنرال العنيد بوكالة الأنباء الفرنسية المعروفة بـ «أ.ف.ب»، وأسس لدعم مالي لها بغض النظر عن مربحيتها التجارية، وبرر ذلك بالحرف الواحد «هل نترك سلاح الإعلام للعم سام؟». دلّ ويدل ذلك على حصافة تفكير واستشفاف بمستقبل الحرب الإعلامية. عاشت أ ف ب (Agence France-Presse ) وهي اليوم من أكبر وكالات الإعلام إلى جانب وكالتي إعلام الأميركيتين ( Associated Press, Reuters). وهذه الوكالات الثلاث هي الوحيدة التي توصف بالـ «شاملة» أي شريط أنباء وصور وفيديو.