مجموعة من الفرق الموسيقية تعيد إحياء «تدمر»
قبل عام من اليوم وفي شهر مايو أيار من عام 2015 كان تاريخ تدمر مجلل بالسواد وكانت زنوبيا تعلن نهاية حقبة جديدة من عمر مملكتها الضاربة في القدم.
لم تتمكن أسوار التاريخ من صد غزو تنظيم الدولة الإسلامية عنها.. وتحولت المعابد الأثرية وقوس النصر وقصور الإغريق والمسرح الروماني إلى ساحات لتنفيذ عمليات الإعدام التي يقررها التنظيم.
لكن القوات الحكومية السورية تمكنت في مارس آذار الماضي من طرد مقاتلي التنظيم المتشدد من مدينة تدمر بدعم جوي روسي مكثف بعد عام على احتلال المدينة الأثرية ونسف بعض آثارها القديمة.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن عن قيام مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية بإعدام العشرات بإطلاق النار عليهم وسط المسرح الأثري في مدينة تدمر التي تصنفها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ضمن مواقع التراث العالمي. وقال المرصد إن أفراد التنظيم كانوا يجمعون سكان المدينة ويجبرونهم على مشاهدة عمليات الإعدام.
هذه المشاهد تبدلت اليوم لتحتل ساحات المدينة فرق سيمفونية وطنية وأخرى روسية لتعلن بدء حرب أخرى بسلاح الموسيقى لإزالة آثار عام من الدماء والدمار التي بدت واضحة بشوارع المدينة الأثرية.
وتجلت المفارقة في جمهور المشاهدين وبعضهم من أسر القتلى وضحايا عمليات الإعدام والذين صفقوا طويلا للألحان والأغاني بعد أن كان الجمهور يصفق مضطرا لعمليات الذبح والإعدام التي كانت تجري آنذاك في نفس المكان.
وتوالت المقطوعات الموسيقية في محاولة لمحو مشاهد قطع الرأس التي كانت تنفذ بحق السكان وحراس تدمر وبينهم المدير العام السابق للآثار خالد الأسعد الرجل ذو الثمانين عاما الذي رفض مغادرة أرضه ومفارقة متاحفها ومعابدها التي ظلت صامدة على مر الزمان.
وتحت عنوان “بوابة الشمس” أقيم مساء يوم الجمعة حفل موسيقي شاركت فيه الفرقة السيمفونية الوطنية السورية والفرقة الوطنية للموسيقى العربية وأوركسترا ماري وجوقة الفرح.
وعلى مدى أكثر من ساعتين قدمت الفرق المشاركة مقطوعات موسيقية وأغنيات ألهبت حماس الحضور. وبدأ الحفل بمقطوعات قدمتها فرقة مراسم الشرطة والجيش والقوات المسلحة تضمنت “تحية الشهيد” والنشيد السوري و “المارش الجنائزي” ثم قدمت أوركسترا ماري أربع مقطوعات موسيقية تحت عناوين “تدمر وفينيقيا وماري وأوغاريت”.
بعد ذلك قدمت جوقة الفرح أغنيات “راجع بأصوات البلابل” و”بكتب اسمك يا بلادي” و “عامر فرحكم” ومقطوعات “اعتز العز” و “سوريا” و”تنتصر تدمر”. أما الفرقة الوطنية للموسيقى العربية فقدمت مقطوعة بعنوان “تدمر بوابة الشمس” وأغنية “خبطة قدمكن” وأغنية “زفوا العسكر للمجد وراياتك بالعالي يا سوريا”.
وقال وزير الثقافة عصام خليل “ما نشهده اليوم من ظاهرة احتفالية ما هو إلا رسالة تقدير وتمجيد للشهداء الذين قدموا حياتهم لتبقى سوريا خالدة مستمرة”. وأشار خليل إلى أن الاحتفال يمثل رسالة إلى العالم تقول “إن السوريين هم أبناء الشمس وهم مستمرون في ألقهم ومجدهم”.
ووصف وزير السياحة بشر يازجي الأضرار التي أصابت الآثار والمعابد والمنشآت السياحية في تدمر بأنه كبير جدا. لكنه قال لرويترز “هذه الأضرار ليست لنا سوى زيادة بسمو مدينة تدمر لأنه مر عليها غزو جديد لكنها انتصرت وعادت الى أوجها. لذلك نحن اليوم نخطط من أجل إعادة تدمر كأيقونة للآثار والسياحة حول العالم.”
وأشار إلى أن وزارة السياحة بصدد إعداد خطة من أجل العودة التدريجية لمدينة تدمر تبدأ بزيارة اليوم الواحد ريثما يتم تأهيل المنشآت وعودتها إلى وضعها المقبول.
وأوضح أن زيارة اليوم الواحد لإظهار “كيف كانت تدمر بالتوثيق والصور والفيديو أيقونة في السياحة والآثار حول العالم وكيف كانت تستقطب السياح حول العالم وكيف مر عليها هؤلاء الإرهابيون.”
وقال إن الوزارة عملت على حصر الأضرار في الفنادق وبدأت بترميم مركز الزوار وبدأت أيضا بدراسة موضوع ترميم بعض المنشآت السياحية. مشيرا إلى أن “التكلفة التقريبية للمنشآت السياحية فقط تجاوزت حوالي 80 مليار ليرة سورية”.
وقالت أمل أبو سمرة من جوقة الفرح لرويترز “منذ أن دخلت تدمر …انتابني نفس الشعور الذي أحسسته في كل منطقة دخلها المسلحون وهدموها وكسروها …لدي شعور حزين جدا لكن عندنا أمل كبير أن تتحرر هذه البلد وتدمر وكل المناطق في سوريا.”
وقالت المواطنة آمال محاسن “أنا أقارن بين ما كنت أراه قبل خمس سنوات والآن مع الأسف هو كبير جدا والذين خربوا بالتأكيد ليسوا أناسا يفهمون بشيء اسمه حضارة وليسوا أناسا يفهمون بشيء اسمه تراث وتاريخ لأن الذي يريد أن ينشر حضارة لا يدمر الحضارات السابقة.”
وكانت أوركسترا مسرح مارينسكي الروسي نظمت يوم الخميس حفلا موسيقيا مفاجئا على المسرح الروماني في محاولة على ما يبدو من الكرملين لكسب القلوب والعقول وتذكير العالم بدور موسكو في استعادة المدينة.
وقاد المايسترو فاليري جيرجيف صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأوركسترا في الحفل الذي أقيم بعد شهر من مساهمة غارات جوية روسية في طرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من المدينة.
ووصف بوتين الذي خاطب الحضور عبر دائرة تلفزيونية من مقر إقامته في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود الإرهاب بأنه مرض معد يتعين على العالم القضاء عليه وقال إن إقامة الحفل كانت في حد ذاتها أمرا “مدهشا”.
وقال جيرجيف المؤيد لبوتين منذ فترة طويلة إن الحفل يمثل رسالة احتجاج على (السلوك) الوحشي والعنف الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية الذي دمر قطاعات من المدينة وأعدم سجناء داخل المسرح.
وأعلن عن الحفل قبل ساعات من بدايته وشوهد عسكريون سوريون وروس وسكان محليون بين الحضور.