سلطنة عمان وكتابات الرحالة والمستشرقين
احتضن مقر سفارة سلطنة عمان في باريس ندوة تحت عنوان «عُمان في المصادر الجغرافية وكتابات الرحالة والمستشرقين» التي نُظمت بالتعاون مع جامعة نزوى وبدعم من المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بمشاركة 4 باحثين.
رعى الندوة سعادة الشيخ حميد بن علي المعني سفير السلطنة لدى فرنسا الذي ألقى كلمة أوضح فيها عراقة العلاقات العمانية الفرنسية واهتمام الجغرافيين والرحالة والمستشرقين بعمان، وقال: «لقد اتفق العديد من المؤرخين على أن العلاقات الفرنسية العمانية تتمتع بتاريخ حافل وطويل وعريق».
وتابع «تكمن الدوافع لقيام الاتصالات الأولى بين البلدين في التبادل التجاري الذي جرى في القرن السابع عشر. وقد تطورت العلاقات على مدى القرون الأربعة الماضية بشكل سريع ساهم في تعزيز أواصر الصداقة بين شعبي البلدين. وتعد الثقافة العمانية جزءا من الثقافة العربية والإسلامية في المنطقة. وهي تتجدد بشكل مستمر لتفاعلها مع الثقافات المحلية والدولية الأخرى؛ لذا تمكنت عمان من تطوير ثرائها الثقافي في العديد من المجالات كالموسيقى والأدب والشعر والرسم».
وأشار سعادة السفير في كلمته إلى أن اهتمام الأوروبيين ببلدان الشرق بشكل عام وبعُمان بشكل خاص زاد ابتداء من أوائل القرن التاسع عشر إذ ظهر العديد من الكتابات عن عمان والصور واللوحات للحياة اليومية وتحولت عمان إلى المكان المفضل للكتاب والمسافرين والمستشرقين.
وبعد ذلك توالى تقديم البحوث وبدءها الدكتور معز الدريدي من معهد البحوث وتاريخ النصوص بباريس التابع للمركز الوطني للبحوث العلمية (CNRS) وجاءت ورقته بعنوان (إقليم عمان في المصادر العربية: نظرة الآخر بين الحقيقة والأفكار المسبقة)، وذكر فيها أن عمان (أو إقليم عمان كما يسميه الجغرافيون) تقع بين البحر والصحراء وهما المصدران الرئيسيان لتاريخها ومستقبلها. وقد اكتسبت بسبب ذلك الموقع خصوصية تميزها عن المناطق الأخرى في العالم الإسلامي.
وتلته بعد ذلك الدكتورة ستيرين لو ماغير وهي «عالمة آثار فرنسية متخصصة في الإسلام الوسيط والشبكات التجارية والحضارة المادية في منطقة المحيط الهندي والخليج العربي والبحر الأحمر، وهي باحثة مشاركة بالمركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية وبالمختبر «الإسلام الوسيط» وقدمت بحثاً بعنوان «عمان في روايات الرحالة في العصور الوسطى من القرن 7 – 15». ذكرت فيه أن أراضي عمان أدت دورا تجاريا مهما في العصور الوسطى من خلال العديد من الموانئ التي اشتهرت كمراكز تجارية كبرى في المحيط الهندي ؛ لذا جاء وصف هذه المدن الساحلية في روايات الرحلات والنقل البحري، ليس فقط العربية بل وحتى الغربية والصينية. وقد قامت الدكتورة سترين لو ماغوير بجمع وتحليل شهادات الأدباء العرب أمثال ابن حوقل، والمقدسي، والإصطخري وابن المجاور وابن بطوطة حول موانئ صحار وقلهات وظفار. وأجرت مقارنات بين الشروحات التي قدمها ابن بطوطة وماركو بولو باعتبارهما رحالتين عاشا في العصر نفسه (في نهاية القرن 13 وبداية القرن 14). واستعملت بعض المصادر الإدارية الصينية لتأكيد معلومات هذين الرحالتين، فيما يتعلق بالتجارة مع الشرق الأقصى.
أما الدكتورة ديجانيرا كوتو وهي باحثة فرنسية متخصصة في تاريخ العلاقات بين أوروبا وآسيا وأفريقيا وأستاذة مشاركة بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا بباريس- قدمت بحثا بعنوان («البرتغال في بحر عمان»: وثائق الأرشيف البرتغالي وروايات الرحالة الإيبيريين في بداية القرن 17) . وقامت الباحثة بالتعريف بمشروع دولي لنشر وثائق خاصة عن الوجود البرتغالي في عمان والعلاقات البرتغالية العمانية في المحيط الهندي. وقد ذكرت الباحثة أن المشروع يحتوي على سلسلتين مختلفتين: تضم الأولى نسخاً لصور أصلية لمحفوظات تم التعرف عليها، والثانية احتوت نسخاً حرفيا لوثائق أصلية باللغة البرتغالية مع ترجمتها إلى العربية والإنكليزية. كما أكدت الباحثة أنه مشروع مهم بدأ عام 2006 تحت رعاية السلطنة ممثلة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وجاء نتيجة شراكة بين مركز الدراسات التاريخية في جامعة لشبونة وبين مركز بحوث المحيط الهندي في مسقط . في الجزء الثاني من الورقة شرحت أهمية هذه المجموعة للمقارنة مع روايات الرحالة الإسبان والبرتغاليين .
ثم حاضرَ الدكتور سليمان الحسيني؛ من مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي بجامعة نزوى الذي قدم بحثا بعنوان (القيمة العلمية والتاريخية والثقافية لكتابات الرحالة والمستشرقين الغربيين عن عمان) . عني بالموروثين الثقافي والعلمي الذي تركه الرحالة والمستشرقون الغربيون عن عمان، وسبب اهتمامهم بالكتابة عن عمان والترحال والتجوال في ربوعها برا أو بحرا. وأوضح الباحث أن الدراسة تهدف إلى تحديد القيمة العلمية والتاريخية والثقافية لذلك الموروث، ومدى إسهامه في الأطروحات والكتابات البحثية والأكاديمية المعاصرة.
وأكد الباحث أن العوامل التي دفعت بالرحالة والمستشرقين الغربيين للاهتمام بعمان تجوالا وكتابة نابعة من موقعها المهم على طرق التجارة البحرية القديمة، والتبادل الحضاري البارز مع أمم وشعوب العالم، خاصة مع الدول المطلة على الجزء الغربي من المحيط الهندي وشرق إفريقيا والهند. كما أن هناك دوافع نابعة من توجهات المستشرقين أنفسهم ودولهم التي جاءت إلى المنطقة بروح الاستعمار والاستكشاف والاستثمار التجاري في آن واحد.
وأوصت الدراسة بضرورة الحفاظ على التراث الذي تركه الرحالة والمستشرقون عن عمان لأهميته العلمية والأكاديمية والتاريخية، كما دعا الباحث إلى إجراء المزيد من الدراسات والبحوث حوله، وجمعه في نسخ موسوعية، وترجمته إلى اللغة العربية لكي يتسنى تناوله من قبل الباحثين العمانيين والعرب.