«معهد العالم العربي» يناقش مأساة المهاجرين إلى أوروبا
باريس – «لويزا نادور»
في إطار نشاطات “خميس المعهد” الأسبوعي الثقافي والفكري، أقام معهد العالم العربي ندوةً تحت عنوان “مأساة المهاجرين: الرهانات والنتائج”، حيث انكب المشاركون على مناقشة مواضيع همَّت سياسات الهجرة في أوروبا، والرهانات والتحديات التي تطرحها، في مختلف جوانبها وأبعادها الإنسانية والاجتماعية.
وشارك في هذه الندوة التي أدارتها المؤرخة والباحثة نعيمة هوبير ياحي. كلُّ من الباحثة والخبيرة الحقوقية كلير رودير. والمفكر برتراند بادي، الخبير في العلاقات الدولية. وإسماعيل لعشر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ستراسبورغ. وكاثرين فيتول دو فيندن، الخبيرة في العلوم السياسية، وخبيرة حقوقية ومديرة أبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية.
واستُهلَّ النقاش بمداخلة من كاثرين فيتول الخبيرة في العلوم السياسية، التي ذكَّرت أن أوروبا تواجه أسوأ أزمة هجرة منذ الحرب العالمية الأولى. مشيرةً إلى أن البلدان الأوروبية لو تداركت ظاهرة الهجرة إليها في وقت مبكر، وعالجتها كجزء من مشروعها الأوسع نطاقاً، لما وصلت هذه الظاهرة إلى هذا الحال من التفاقم. وأوضحت فيتول أن إشكاليات الهجرة التي حاولت الدول الأوروبية حلها بإجراءات آنية لن تجد حلا جذريا بسياسة القبضة الحديدية وتسييج الحدود. وأن ما يسمى بأزمة الهجرة في أوروبا هي “أزمة استقبال” بالدرجة الأولى تغيب عنها سياسة انسانية تضامنية جديدة، للتعامل مع تدفق غير المسبوق للمهاجرين اللاجئين القادمين من مناطق الحروب والأزمات. ولفتت فيتول الانتباه إلى مصطلحي “لاجئ” و”مهاجر” مشيرة إلى إنه في الوقت الذي لم يعد المهاجرون أو اللاجئون موضع ترحيب في أوروبا أصبح الخط الفاصل بين هاذين المصطلحين ضبابياً، حيث باتت المصطلحات تحمل أبعاداً سياسية، لتعطي الذريعة لأولئك الذين يرغبون في وضع المزيد من القيود على حق اللجوء. حيث أن ومن أهم المبادئ المنصوص عليها في اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئ، هو وجوب عدم طرده أو إعادته إلى أوضاع تهدد حريته وحياته.
أما المهاجرون بحسب تعريف المفوضية الأوروبية فهم أشخاص يختارون الانتقال ليس بسبب تهديد مباشر بالاضطهاد أو الموت، بل لتحسين حياتهم بشكل أساسي. ويخلق ذلك انقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حول كيفية إدارة أسوأ أزمة إنسانية بالدجة الأولى. وأشارت فيتول إلى أن معظم القوارب التي تعبر البحر الأبيض المتوسط الآن تحتوي على المهاجرين واللاجئين على حد سواء.
وفي مداخلته أشار برتراند بادي، الخبير في العلاقات الدولية إلى أن أزمة الهجرة التي لم تجد أوروبا حلا جذريا لها بعد تعكس تخوف مجتمعاتها من تطورات العالم المعاصر التي أفرزتها العولمة. وأوضح أن التقارب غير المسبوق بين مختلف سكان العالم يعزز الإحساس بالهوة السحيقة التي تفصل الدول المتقدمة التي تنعم شعوبها بالرفاهية والدول المتخلفة التي تعاني سكانها من الفقر والبطالة. وأضاف أن أكثر الأمثلة وضوحا هنا، هو انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وطلبها بوضع آلية للتحكم في حركة المهاجرين الوافدين إلى المملكة المتحدة من بلدان أوروبا. كما لفت بادي إلى أن طلب السيطرة على الحدود البريطانية، يذكرنا بالرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي مضى معظم حملته الانتخابية وهو يحذر من المخاطر التي يمثلها المهاجرون من المكسيك واللاجئون من الشرق الأوسط حيث اقترح بناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. وهذا ما يظهر المشاعر القومية والحنين إلى الماضي المصحوب بالرومانسية التي تثير المخاوف ضد المهاجرين. وفي هذا السياق أشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن المخاوف هذه تستغلها قادة الأحزاب الشعبوية في أوروبا التي تستخدم التعصب وكراهية الأجانب لأغراض سياسية. وخاصة مع تفاقم أزمة اللاجئين والهجمات التي شنها متطرفون مسلحون في بلجيكا وفرنسا وألمانيا.
أما الباحثة والخبيرة الحقوقية كلير رودير فقد ذكرت أن دول الاتحاد الأوروبي سعت منذ عقود على وضع سياسة عامة تجاه المهاجرين إليها سواء من اللاجئين أو المهجرين القسريين، حيث استقرت هذه السياسات على تحديد قواعد واجراءات تضيق الخناق أمام المهاجرين إليها وفقًا لأطر قانونية ومؤسسية. كما صرف الاتحاد الأوروبي مبالغ هائلة على مبادرات الهجرة مثل مراكز الاستقبال والاحتجاز فى البلدان خارج الاتحاد الأوروبي كإجراء استباقي للتعامل مع حالات المهاجرين قبل توافدهم. وذلك من أجل الحفاظ على الدولة القومية، وردع احتمالات الإرهاب. غير أن هذه السياسات، أضافت الحقوقية كلير رودير، لم تفكر في التعامل الفعلى مع اللاجئين الذين يتمكنون من الوصول إلى الأراضي الأوروبية وسبل الإغاثة الطارئة لهم، في ظل تنامي الأزمة في سوريا، ومن قبلها العراق وأفغانستان واريتريا. مشيرة إلى أن توافد الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا هروبًا من الحرب والإعدامات في صيف 2015 وصورة الطفل الغريق آلان كردي جسدت محنة اللاجئين الهاربين في زوارق الموت باتجاه أوروبا. كما قدمت صورة محرجة للاتحاد الأوروبي وعرت سياساته التي ينتهجها في مجال الهجرة واللجوء. وتأسفت كلير رودير لفشل اتفاق “الحصص الإلزامية لتوزيع اللاجئين” الوافدين من المجر واليونان وإيطاليا، الموقعة في سبتمبر 2015 بين الدول المضيفة اذ كان من المفروض ان يوزع 160 ألف لاجئ في اوروبا، غير أنه لم يتم استيعاب سوى عشرة ألاف شخص فقط خلال عام ونصف من توقيع الاتفاق. ولفتت الخبيرة الحقوقية الانتباه إلى المفارقة بين تصرح المفوضية الأوروبية، ومفوضية اللاجئين مؤخرا حيث أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتفاق مع تركيا بخصوص اللاجئين حقق تقدماً جيداً، مؤكداً أن عدد المهاجرين الذين يتوجهون من تركيا إلى اليونان بطرق غير شرعية شهد انخفاضاً ملحوظاً. بالمقابل اعلنت مفوضية اللاجئين عن ارتفاع عدد الغرقى بالبحر المتوسط بين عامي 2015 و 2016 حيث أن إغلاق الحدود في منطقة البلقان لم يكن كاف لردع جميع المهاجرين. بل جعل شبكات المهربين تبحث عن طرق بديلة حيث تدفق عشرات الألاف من اللاجئين من سواحل ليبيا إلى لامبيدوسا الإيطالية على متن ما يسمى بـ”قوارب الموت”. وخلصت الخبيرة الحقوقية إلى القول أنه وفي الوقت الذي تشدد فيه إجراءات تحصين الحدود الأوروبية الخارجية، يزداد فيه عدد ضحايا اللجوء الغارقين ليصبح بحر الأبيض المتوسط مقبرة كبيرة لهم مفتوحة على السماء.
وأما إسماعيل لعشر، أستاذ علم الاجتماع في جامعةستراسبورغ فقد رفض في مداخلته إيصال صفة الأزمة على الهجرة .معتبرا أن الأزمة التي تعيشها أوروبا حاليا تكمن في الانقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول كيفية إدارة اشكاليات مأساة إنسانية، تشكل الأزمة السورية اكبر دوافع تدفق اللاجئين إليها. وأكد لعشر، أن أوروبا لم تقم بواجبها حيال أزمة اللاجئين مقارنة ببلدان اخرى مثل لبنان والأردن وتركيا. موضحا أن لبنان الذي لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة، يستضيف أكثر من مليون ومائتي ألف لاجئ سوري اي ما يقرب من نصف اللاجئين السوريين. كما أن تركيا تحملت الجزء الأكبر من التدفق الآخذ في الازدياد منذ عام 2015.
وقد اجمع المناقشون في الندوة ان لا سياسات أوروبا القاسية بخصوص الهجرة ولا إغلاق الحدود في وجه اللاجئين بشأنها ان تعالج أكبر أزمة إنسانية تواجهها في أوروبا منذ خمسين عاما. كما شددوا على أن الدول الأوربية يتعين عليها إيجاد حلول جذرية لظاهرة الهجرة غير الشرعية، ومعالجة الأسباب الجذرية لها، مع ووضع حد لما بات يعرف بقوارب الموت في مياه البحر الأبيض.