إيطاليا تستقبل جواً ٧٠٠ لاجئ سوري
قبل منتصف الليل وفي حي هادئ في بيروت، تجمع عشرات اللاجئين السوريين داخل باحة مدرسة وتحلقوا في مجموعات صغيرة حول حقائبهم، ممسكين بهواتفهم النقالة وتذاكر سفر الى ايطاليا، مرددين بفرح كلمات “تورينو، برونتو، كابوتشينو”.
بكثير من الحماسة، انتظر هؤلاء اللاجئون وصول حافلات ستقلهم من منطقة الجعيتاوي في الاشرفية (شرق بيروت) الى مطار العاصمة اللبنانية الدولي، لينطلقوا منه الى حياة جديدة في ايطاليا، في اطار مبادرة اعلنتها الحكومة الايطالية العام الماضي، وتنص على منح تاشيرات دخول انساني لمدة عام لنحو 700 سوري تمهيداً لبدء اجراءات طلب اللجوء.
ويقول محمد (24 عاماً) وهو لاجئ سوري كان يقيم في جنوب لبنان منذ خمس سنوات، لوكالة فرانس برس “تورينو هي المدينة التي كنت أحلم بها”.
ويوضح وهو يقف قرب زوجته الحامل “هذه الرحلة هي خطوة للمستقبل” مضيفاً وهو يتصفح صوراً على موقع غوغل للمدينة الواقعة جنوب ايطاليا ومصانعها الضخمة “الآن يمكنني أن أبني حياتي من جديد”.
ويتابع مع ابتسامة عريضة وهو يشير الى احدى الحقائب “ثياب الطفل الذي ننتظره هي الاهم”.
وتعد هذه المبادرة الايطالية الاول من نوعها في أوروبا وهي تشكل بديلاً سريعاً من الاجراءات المطولة للامم المتحدة من اجل اعادة التوطين، كما تجنّب اللاجئين مخاطر الدخول غير الشرعي او السفر في “عبارات الموت” عبر البحر المتوسط.
وبالمقارنة مع حظر السفر الذي اصدره الرئيس الاميركي دونالد ترامب، يرى اللاجئون هذا “الممر الانساني” بمثابة “هبة من الله”.
وتجد سهى (34 عاماً) التي تصطحب معها طفلها انجلو في هذه الرحلة طريق خلاص من الرعب الذي عاشته خلال سنوات النزاع الست في سوريا.
وتقول لفرانس برس “قبل أربع سنوات، سقط صاروخ في منزلنا وقتل ولداي انطوان ومايكل. ولاحقاً عندما عرفت بانني حامل، أحببت أخذ حرفين من اسم مايكل وانطوان وسميت طفلي أنجلو”.
وتضيف “نريد ان نبدأ حياتنا الجديدة. وكل ذلك من أجل هذا الصبي”.
يتطلع ميشال بدوره الى فتح صفحة جديدة في روما بعد اصابته برصاص في صدره وكتفه وهربه مذعورا الى لبنان الذي دخله بطريقة غير شرعية مطلع هذا العام.
ويقول “ذاهب الى روما وأتطلع الى بدء حياة جديدة هناك، بعيداً عن كل ما واجهته حتى الآن”.
وبعد صعوده بخطوات ثقيلة الى الحافلة التي ستقلهم الى المطار، يعرب ميشال عن ارتياحه لانه سيسافر مباشرة الى ايطاليا “لكي لا اضطر الى الذهاب عبر التهريب واتعرض للبهدلة”.
ووصل مئات الالاف من الاشخاص في ظروف مأسوية الى شواطئ اوروبا عبر البحر الابيض المتوسط الا ان نحو 4500 شخص غرقوا خلال محاولتهم.
ويستقبل لبنان الذي يبلغ تعداد سكانه 4.5 ملايين نسمة على أراضيه نحو مليون لاجئ سوري يعيشون في ظل ظروف انسانية صعبة.
وتعتبر جمعية “ميديترينيان هوب” أي أمل المتوسط بالعربية، المؤلفة من اربعة اشخاص والتي تعنى باجراءات اعادة التوطين في ايطاليا، ان “الممرات الانسانية” هي مستقبل اعادة التوطين.
وتولت هذه الجمعية اجراء المقابلات مع اللاجئين اكثر من مرة قبل رفع توصية بأسمائهم الى السفارة الايطالية التي تقوم بدورها بمنحهم تأشيرة دخول انساني لمدة عام، من اجل البدء باجراءات الحصول على حق اللجوء.
وتقول المسؤولة في الجمعية سارة مانيسيرا لفرانس برس “هذا الاجراء آمن لهم وقانوني بالنسبة لنا”.
وتوضح انه “بعد ان يعبر الناس البحر المتوسط في رحلة الموت، يوضعون في مراكز احتجاز لاشهر عدة ينتظرون خلالها. ولكن بفضل برنامجنا لم يعد هناك حاجة لمراكز مماثلة، وباتت الكلفة أقل ويحتفظ اللاجئون بكرامتهم”.
تنظم هذه المبادرة بشراكة بين منظمة سانت ايجيديو الكاثوليكية واتحاد الكنائس الانجيلية الايطالية.
وترغب الجمعية بان يكف الناس عن النظر الى اللاجئين من زاوية الامن ومكافحة الارهاب.
وتقول مانيسيرا “بالطبع بامكاننا الاستمرار في تشييد الجدران كما يفعلون في الولايات المتحدة وفي المجر لكن الثمن سيكون باهظاً جداً للجميع”، متسائلة “أي نوع من العالم نود أن نعيش فيه؟”.
وعلّق قاض فدرالي في هاواي الاربعاء تطبيق مرسوم جديد وقعه الرئيس الاميركي دونالد ترامب ويقضي بمنع اللاجئين من دخول الولايات المتحدة لمدة 120 يوما.
وتبنى البرلمان المجري بغالبية كبرى الثلاثاء قرارا لإعادة العمل بالتوقيف التلقائي لكل المهاجرين في البلاد.
في مطار بيروت، لا يصدق محمد خلف (21 عاماً) ما يجري حوله وان حياته ستتبدل بعد ساعات.
ويقول محمد الذي يسافر وحيداً وهو يتحدر من دمشق وامضى اسابيع في سجنين هما الافظع في سوريا “بصراحة شعور لا يوصف، كنت في بلد وساصبح فجاة في بلد اخر. كنت افعل المستحيل كي اخرج من هذا البلد”.
ويسرد ابياتاً من الشعر يمضي بها الوقت الذي يمر بطيئاً قبل أن يحين موعد الرحلة “سأترك هذه الحرب وأذهب، قصتي لن تقف عند شيء أحزنني، سأعبر الى الحياة وافتح أبوابها المغلقة بشعري وحلمي”.