كتاب يعيد النظر إلى الحرب الاهلية اللبنانية ووصول الجميل الى السلطة
تقديم خالد ممدوح العزي (خاص)
كتاب جديد لجورج فريحة صدر عن دار سائر المشرق في بيروت عام 2017 تحت عنوان:” مع بشير ذكريات ومذكرات” .
جورج فريحة، الكاتب والطبيب اللبناني الذي درس الطب في الولايات المتحدة، ودرَّس المهنة في الجامعة الامريكية في بيروت، كان المنسق العام للهيئة الشعبية في الجبهة اللبنانية وحزب الكتائب والسياسي والقائد اليمني اللبناني، الذي اصبح مستشارا للرئيس الراحل بشير الجميل بعد انتخابه في العام 1982.
يبرز الكتاب من خلال قسمين : يتمحور القسم الاول حول الذكريات التي عاشها الكاتب-الطبيب في حزب الكتائب طوال الفترة السابقة وعلاقته مع عائلة الجميل، اما القسم الثاني في مذكرات فريحة فيطال علاقته بالقوات اللبنانية الجناح العسكري للجبهة.
بصفته المسؤول في هذا الحزب والمواقع القيادة التي تنقل فيها داخل الحزب ومرافقته للقيادات الكتائبية وتأثره المباشر بشخصين من عائلة الجميل الشيخ موريس والشيخ بشير. حيث يرى الكتاب بان هتان الشخصيتان حُرم لبنان من وصولهما للرئاسة لانهما، بحسب رأيه كبيران في العطاء والعمل والتفكير.
ويحاول الكاتب عرض المذكرات والتحدث عنها بالتفصيل من خلال نشأته وتربيته في الحزب، وانعكاس هذه التربية الحزبية والعسكرية والامنية لحزب الكتائب واحزاب الجبهة اللبنانية اثناء اندلاع الحرب الاهلية وحدوث الانهيار المليشياوي في داخل الدولة، من خلال تقسيمات الوحدات الحزبية والامنية والعسكرية والمناطقة التي كانت تسيطر عليها هذه القوى وكيفية خوضها للحرب الاهلية والدفاع عن المناطق التي باتت تحت سيطرتها، من خلال اسماء وتشكيلات قتالية تم ادراجها في الكتاب من خلال دراسة تفصيلية وجداول منظمة يصعب على الكثيرين تصورها ، وخاصة للذين لم يعيشوا او يشاركوا في تلك الحرب .
وبحد ذاتها تدل هذه الدراسة الميدانية للتركيبة العسكرية عن العمق الاستراتيجي للتنظيم في تركيبته وتوزيعه ومدى اطلاع الدكتور فريحة على الكثير من التفاصيل كان على مقربة من مصادر قرارها او مشارك مباشرة بتركيبتها.
في القسم الثاني حيث يسرد علاقته بالقوات اللبنانية الجناح العسكري للجبهة ما وضعه على علاقة مباشرة مع الرئيس الشاب الذي انطلق في مغامرة شبابية من حزب سياسي في المجتمع المسيحي والكيان اللبناني المتصارع ليصل ويصبح قائد كتلة حزبية يتبوأ قيادة الحرب اللبنانية الاهلية في جبهاتها المتعددة، وبات أيضاً صاحب قرار سياسي وعسكري في البلد الممزق، أوصله إلى موقع رئيس للجمهورية خلال فترة قصيرة، وهو ما جسده اعتراف امريكي بالقوات اللبنانية، وهو ما فتح الطريق السياسي للشيخ بشير.
يشير فريحة في كتابه بان رسالة الرئيس ريغان في اذار 1981 الموجهة لرئيس القوات اللبنانية، اعطت دافعا قويا للجميل بالسير وراء طموحاته لان الولايات المتحدة بهذه الرسالة، ولأول مرة، تعترف بالقوات اللبنانية وهي مؤسسة مليشياوية تصل إلى مستوى الاعتراف السياسي وبالتالي هذه الرسالة كانت ممرا اساسيا في تغيير التعاطي القواتي الجديد والانتقال من النظرة الميلشياوية الى التطلع السياسي نحو الدولة .
ويتوقف الكاتب امام وصول الجميل الى سدة الرئاسة ابان فترة الاحتلال الاسرائيلي للبنان حيث يشرح من خلال مذكراته وقربه من القرار السياسي لوجوده الى جانب الرئيس المنتخب بان بشير قد خرج من مفهوم الدويلة الى مفهوم الدولة وبالتالي كان يعمل على تامين وصوله الشرعي بطريقة ديمقراطية وبواسطة الاكثرية بالرغم من معرفته الوثيقة للمعارضة التي واجهته في عملية الوصول.
لذلك حاول الكاتب الاشارة الى ان بشير السياسي الطامح لتتغير لم يكن يراهن على العلاقة مع اسرائيل والاستقواء بها لكن هذه العلاقة كانت ممرا اجباريا فرض على المسيحيين بظل الحصار اللبناني السوري السوفياتي ومنع السلاح والذخيرة عن المنطقة الشرقية والفرقة التي كان ينتمي اليها الرئيس بشير.
يحاول الكاتب اظهر المخفي في هذه الفترة التي كان الجميل يختلف عن غيره في التعاطي مع الفترة الصعبة التي يترتب عليها انقاذ لبنان من الوجود السوري والاحتلال الاسرائيلي ،وربما الاجتماعات التنسيقية التي حصلت بين الرئيس بري والنائب جنبلاط كانت خير دليل على ايجاد مخرج تسوية للجميع من الوجود الاجنبي لانقاذ لبنان من كل القوى والاحتلالات التي كانت تصارع على الاراضي اللبنانية حسب قوله.
يعرض الكاتب بان اصرار بشير على الترشيح للرئاسة من اجل ايجاد حل فعلي للبنان بالرغم المعارضة القوية التي كانت تواجه قائد القوات اللبنانية من الداخل اللبناني المسيحي المؤيد له من حيث المبدأ، ومحاولة منعه من قبل الاصدقاء قبل الاعداء من الترشح للرئاسة في هذه الفترة الصعبة وخصوصاً أن جميل لم يكن يملك تجربة دبلوماسية ويواجه كره كبير من الطوائف الاخرى وخاصة من الطائفة السنية ،بالإضافة الى سنه الصغير ، قبل أن يخوض هذه التجربة التي دفع ثمنها حياته حسب قول فريحة.
ولكن الجميل اصر على المعركة وكان له الوصول الى الرئاسة وقد اتخذ اول قرار بعد الانتخابات بتعين جورج فريحة كاتب هذا الكتاب مستشاره السياسي.
يقول الكاتب من خلال ذاكرته بان نظرة البشير كانت نظرة حقرية انتصارية مكللة بالحبور والنظر الى المستقبل وليس الانتقام من الماضي لأنه بات ينظر للمستقبل كرجل دولة وليس كرجل مليشيا. حيث شدد على الكاتب بان :”لا يترك الجامعة الامريكية لأنه له فيها جذور تاريخية وعميقة وقال “انت رب عائلة لا اريد ان يخترب بيتك ” .
ربما كان يعلم بان مصيره مرهوناً في عالم القوة وهو ليس بيد اللبنانيين، لان نظرته الى المستقبل كانت تعتمد على اعادة بناء لبنان المرهون للدول الاقليمية ضمن حدوده الخالية من سيطرة الاجنبي حسب ما ورد في الكتاب.
يشدد الكاتب بان طموح الرئيس الجميل كانت كبيرة في عملية التغيير والخروج عن التقاليد والبرتوكولات الرسمية التي كانت متبعة سابقا ،لأنه كان يحمل رؤية وحلم جديد لمستقبل لبنان واللبنانيين بعدما انهكتهم الحرب.
يحاول الكاتب التوقف امام موقف الرئيس الفعلي من العلاقة مع اسرائيل التي باتت تطلب حدا وبالتالي يجب التعامل معها بطريقة الندية وليس من باب الوصاية وهذا ما يحاول التحدث عنه في فصل عنونه باجتماع “نهاريا المتوتر” لان البشير بات يرى بالصهيوني عامل خطر كبير على لبنان وعلاقته بالمحيط العربي حسب قول الكاتب.
وهنا يطرح سؤال مهم جدا في عرضه لأفكار الرئيس الراحل، ماذا كان يريد؟ هل كان مشروعه الحقيقي تقسيم لبنان؟ ام التمسك بالـ 10452 آيا تكن الظروف والتبعيات والمواقف والتحالفات.
ويحاول الكاتب الاجابة عن سؤال مهم جدا في تاريخ الرئيس الراحل حول علاقته بإسرائيل وتطلعاتها واهدافها من خلال اجتماع نهاريا الذي يعتبر الكثير من المحللين والباحثين بان الراحل قد انهى تلك العلاقة نهائيا ، حيث يعرض الكاتب تفصيل اجتماع نهاريا الذي كان حاضرا فيه.
يقول فريحة عن لقاء نهاريا :” كان بانتظاره كبار قادة اسرائيل الذي كان بمقدمتهم مناحين بيغن، حيث جلسنا جميعنا على الطاولة المستديرة التي باتت تجمع الوفدين اللبناني والاسرائيلي والجميع غير مرتاح لهذا الاجتماع وطبيعته الغاضبة”. ويشدد الكاتب بان بشير كان يتكلم بنفس وروح القائد لدولة قادمة والمسؤول الذي يعتمد على تحسن الاوضاع الاجتماعية والسياسية لشعبه وبلده النهاض من تحت الحرب والفوضى، مبنيا الآمال على الجيش الذي سيكون اللاعب القوي في حماية البلاد والحدود “.
ففي الكتب يشير الكاتب على ان البشير كان يؤكد في هذا الاجتماع على ضرورة خروج القوى المحتلة (السورية والإسرائيلية) من لبنان في نفس الموعد، لان لبنان يريد العيش بسلام وسوف ينشئ جيشه القوي ويعيش اهله بسلام وهدوء في ظل دولة قوية تحمي ابنائها .
ربما هذا الحديث التي لم تكن تنتظره اسرائيل من الرئيس المنتخب أي الوقوف بشجاعة المقاوم والمواجهة مع كبار قادة العدو الذي يطالبهم بالخروج من ارضه بالتوازي مع السوري والفلسطيني ،ليبقى اللبنانيون وحدهم يبنون سلامهم في دولتهم الجديدة.
وفي هذا الكتب الذي يعيد الذاكرة الى مرحة ماضية لم تظهر كافة تفصيليها الايجابية أو السلبية من قبل القوى التي شاركت في الحرب اللبنانية على ضفتيها ،كان لابد لجورج فريحة الذي كان من المسؤولين الاساسيين في تلك الحقبة الزمنية الحرجة للبنان من ان يفرج عن هذه المعلومات دفعة واحدة ما اختزن لديه من حقائق ومعطيات واسرار حول اللغز الذي شكله الرئيس بشير الجميل، بعد خمسة وثلاثين عاما على اغتياله ،من دون هاجس التبرير او تجميل الصورة او الاستثمار السياسي؟
كتاب جديد يعيد النظر إلى الحرب الاهلية ولوصول الجميل الى السلطة ،من خلال معلومات وصور ودلائل ووثائق كان الكاتب يمتلكها لأنه كان داخل المطبخ السياسي لتلك المرحلة، لغة جيدة ومفهومة وغنية بالتعابير السياسية التي راجت في الحقبة الماضية.