العلويون خائفون مع تزايد النقمة على الاسد
قبل عام، كان علي يستمتع بحياته الجامعية في دمشق ويتطلع للمستقبل كطبيب أسنان، وكان يبدي اهتماماً قليلاً بالسياسة في بلد خضع لحكم عائلة واحدة لاكثر من أربعة عقود. وتغير ذلك كله، ليس بسبب خروج السوريين للشوارع للمطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الاسد، وإنما عندما جاءته رسالة مريبة على صفحته على موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي تخيره بين الرحيل من البلدة أو الموت لأنه ليس على الدين الصحيح.
وجاء في الرسالة التي أرسلت على موقع التواصل الاجتماعي، الذي أشاد به على نطاق واسع نشطاء مؤيدون للديموقراطية للدور الذي لعبه في انتفاضات الربيع العربي: “لا نريد أن نرى وجههك في برزة يا علوي”.
والآن دفع التعصب الديني الكامن تحت السطح منذ فترة طويلة علي، ابن الطائفة العلوية، الى دخول عالم السياسة. ولا يزال علي يعيش في برزة بريف دمشق حيث غالبية جيرانه سنة، لكنه أصبح مؤيداً قوياً للأسد، ليس اعجاباً بالنخبة الثرية التي حكمت البلاد بقبضة حديدية دموية في احيان كثيرة على مدى أربعة عقود وإنما لكونهم علويين أيضاً.
ويخشى العلويون في حالة سقوط الاسد، وهو علوي، من سفك دماء ذويهم الذين يشكلون سدس سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليوناً والتي يعيش فيها كذلك أقليات كبيرة من المسيحيين والاكراد.
وقال محمود وهو طالب علوي في جامعة أخرى بدمشق كان يتحدث وسط مجموعة من الاصدقاء «اذا صار في تهديد على الاسد سنذهب الى القصر ونحميه بأرواحنا». وأضاف شخص آخر في المجموعة يدعى أيضاً علي “اذا رحل الاسد إما سأكون ميتاً أو سأغادر البلد”.
وغالباً ما ينفي زعماء معارضون، بعضهم حمل السلاح في مواجهة تزداد عنفاً أسفرت عن سقوط أكثر من خمسة ألآف قتيل في 11 شهراً، التلميحات بأن الانتفاضة ستؤدي الى تقسيم السوريين على أسس عرقية وطائفية. لكن غضب الملايين من أعمال القتل والاعتقالات والتعذيب ضد المتظاهرين ومن بينهم نساء وأطفال التي نفذتها السلطات التي يقودها العلويون في مواجهة المتظاهرين في مدن غالبية سكانها من السنة مثل درعا.
ويعلو صوت لغة الكراهية الدينية في بلد شهد تدفق لاجئين هرباً من العنف الطائفي في العراق في السنوات القليلة الماضية. ويتهم كثير من غالبية السكان السنة، وهم يشكلون 75 في المئة من تعداد السكان، بشار ووالده الراحل حافظ الاسد بمحاباة العلويين الذين كانوا يتعرضون للازدراء من قبل.
ومن أمثلة قصص الفظائع التي مورست، قصة علي طالب طب الاسنان. وقال انه أخذ رسالة التهديد التي أرسلت على صفحته على الـ”فايسبوك” مأخذ الجد لان أحد أعمامه قتل. وأرسلت أشلاؤه في كيس الى قريته في معقل العلويين الجبلي في غرب البلاد.
وقال محمود الذي ينحدر أصلاً من قرية ربيعة في محافظة حماة الريفية إن 39 شخصاً من قريته قتلوا منذ اذار/ مارس. وقال “اذا ترك أحد القرية وأوقفوه على حاجز تفتيش وعرفوا أنه علوي سيقتلونه”.
والروايات الآتية من حمص وآخرها الشهر الماضي عن ذبح 14 شخصاً من أفراد عائلة سنية على أيدي أفراد ميليشيا أو «شبيحة» يشتبه في أنهم علويون موالون للحكومة يستحيل التحقق من صحة التقارير في بلد تفرض فيه قيود شديدة على التغطية الاعلامية.
ويشكل تقدم حركة الاخوان المسلمين السنية وغيرها من الحركات السنية المحافظة التي تتهم العلويين بالهرطقة صفوف المعارضة سبباً يدعو العلويين للشعور بالقلق بشكل خاص. وقال فادي وهو رجل في الثلاثينات من العمر يدير متجراً لبيع الملابس في دمشق وتعرض لمضايقات على ما يبدو “اذا خسر بشار السلطة سيستلمها واحد غير علوي”. وأضاف “النظام الجديد سيكون قاسياً معنا وبالتأكيد سيضطهدنا”. واعترف فادي بأن بعض معارفه نقلوا معارضتهم للتغيير الى دائرة الفعل مدفوعين بالخوف وأنهم هاجموا وضربوا بعض المتظاهرين الذين تجرأوا على الاسد وقوات أمنه التي يسيطر عليها العلويون، بينما حرص آخرون على خفض رؤوسهم في محاولة لاخفاء أي علامة على انتماءاتهم الدينية ومن بين ذلك اللهجة. فكثير من العلويين ينحدرون من قرى جبلية قرب الحدود اللبنانية ولهجتهم العربية مميزة، الى جانب اسمائهم حيث يحمل البعض اسماء تشيع بين العلويين أو تلك التي تشيع بين السنة.
وقال علي الطالب الذي يعيش في برزة وغالبية سكانها من السنة “في هذه الأيام لم أعد أقول اسمي الا قليلاً. أقول ان اسمي عمر أو استعمل اسماً آخر حسب المنطقة الموجود فيها”.
ولا يثير التأييد الطائفي للاسد الخوف من أعمال انتقامية وحسب وانما يثير أيضاً الخوف من التهميش التاريخي للعلويين طيلة قرون منذ حكم العثمانيين السنة وحتى ظهور حافظ الاسد والد بشار الذي تولى السلطة في عام 1970 وتوفي في عام 2000 .
ويقول العلويون انه قبل حكم عائلة الاسد كانوا يعاملون عادة كمواطنين من الدرجة الثانية ويضطهدون ويحرمون من شغل المناصب العليا في الحكومة.
وقال عبد الله وهو موظف في دمشق متذكراً طفولة والده في القرى العلوية الجبلية في الخمسينات والستينات «أبي كان يسير 20 كيلومتراً كي يصل للمدرسة لأن المدارس في منطقتنا كانت قليلة». ومضى يقول «اليوم عندنا تعليم جيد وهذا بفضل حافظ» في اشارة الى الرئيس السوري الراحل.
في المقابل، يتذكر معارضو الاسد عقود الخوف والقهر تحت حكم الاسد. ولا يقتصر الامر على الاسلاميين السنة وإنما يشمل أيضاً الليبراليين العلمانيين والشيوعيين والاكراد ويشمل كل من يجرؤ على تحدي احتكار عائلة الاسد للسلطة.
وتحمل الاسلاميون نصيبهم التاريخي من اللحظة الاكثر دموية في حكم عائلة الاسد عندما أطلق الرئيس الراحل العنان لقوات أمنه قبل 30 عاما في حماة وكان العلويون رأس الحربة.
وقتل عشرة الاف على الاقل وربما مثل هذا العدد مرتين أو ثلاث مرات عندما قصفت المدفعية والدبابات معقل جماعة الاخوان المسلمين المعارضة في حماة وسوت معظم البلدة القديمة بالارض خلال العملية. وهذه تجربة يعتبرها بعض الاسلاميين السوريين كتدنيس للارض المقدسة من قبل الكفار.
ويشن الشيخ عدنان عرعور، وهو رجل دين سني فر من سوريا أثناء أعمال الاسد الانتقامية من الاخوان المسلمين، حملة من القدح الطائفي الآن ضد بشار الاسد من السعودية التي أيدت الدعوات المطالبة بانهاء حكم الاسد. ومن بين ما قاله عرعور “أما بخصوص هؤلاء العلويين الذين هتكوا الحرمات، عندما نحكم نحن المسلمين ونحن أكثرية سنفرمهم في مفارم اللحم ونطعم لحمهم للكلاب”.
ورغم أنه لا يتكلم باسم الاغلبية في سوريا الا أن معتقدات العلويين وعباداتهم تضعهم خارج حدود الاسلام الصحيح بالنسبة للاصوليين السنة.
ويسيطر العلويون على المناصب الرفيعة في جهاز الامن. ولكن آخرين كثيرين يقولون انهم لا يرون سوى القليل من المزايا التي حصل عليها أفراد الدائرة المقربة من الاسد على مدى أربعة عقود.
ولا يزال كثير من أبناء الطائفة العلوية وعددهم نحو مليونين يعيشون في القرى الجبلية بينما يقول الذين هاجروا الى دمشق أنهم ليسوا أفضل حالا من الطبقة المتوسطة السنية التي وقفت حتى الان بشكل عام وراء الاسد وضد الانتفاضة.
وتؤكد يارا الموظفة الحكومية، وهي في الثلاثينيات من العمر، مثل غيرها من أبناء الطائفة العلوية أنهم لم يتمتعوا بامتيازات خاصة خلال حكم أسرة الاسد وهي ترى أن السنة استفادوا أكثر من العمل في القطاع العام.
وقالت وهي ترتدي سواراً بألوان العلم السوري الاحمر والاسود والابيض الذي أصبح علم البلاد بعد أن سيطر حزب البعث بقيادة الاسد الاب على السلطة في الستينيات «العلويون لم يستفيدوا كثيراً من النظام الموجود والدليل أن معظم العلويين لا يشغلون وظائف في الحكومة. العلويون تجار والسنة هم الذين يشغلون الوظائف الحكومية. وأضافت “العلويون عادة يعيشون في الجبال حيث لا كهرباء ومياه وفوق هذا يقولون اننا يجب أن نطرد”.
وبالرغم من أن الكثير من السوريين يسخرون من هذه الفكرة يصرّ العلويون على أن الرئيس علماني لا ينشغل بالمسائل الطائفية وزوجته سنية.
والى جانب اذكاء الخلافات الطائفية، فتح العنف الذي تفجر في الشهور الماضية الباب على مصراعيه أمام الخلافات داخل الطائفة العلوية. فقد اتخذ بعض الناشطين السياسيين العلويين البارزين موقفاً مناهضاً للاسد. وسجن عارف دليلة ونجاتي طيارة بسبب موقفهما بينما قادت الممثلة المعروفة فدوى سليمان احتجاجات في معقل المعارضة بحمص.
لكن الطلبة العلويين الذين تحدثوا في دمشق وصفوهم بأنهم يسعون للفت الانظار غير عابئين بالتهديدات التي تواجه طائفتهم. يقول الطالب محمود “هؤلاء لا يمثلوننا وهم يسعون للشهرة فقط”.
ويصف البعض العلويين الذين يسعون لتطبيق اصلاحات بأنهم سذج ويضربون مثلا بالاقلية المسيحية في مصر التي احتضنت الثورة الى جانب المسلمين لكنها تخشى الان من حكم جديد يسطير عليه السنة المحافظون.
ويدافع محمود وغيره من العلويين السوريين بأنه “ليس من المهم أن يعارض واحد من العلويين الأسد أم لا ففي نهاية المطاف لو أطاحت به حركة يهيمن عليها الاسلاميون السنة فان الطائفة العلوية باكملها ستكون هدفا للانتقام”.
وقال أحد النشطاء في حديث خاص مؤخراً “النظام جند الطائفة العلوية للقتل. كل شخص عمره بين 16 عاماً و40 عاماً هو قاتل سواء شاء أم أبى. فهو إما شبيح بالعاصمة أو بالجيش النظامي. ويقتلنا”.
ولا يقتصر ازدراء العلويين كطائفة على الدعاة المتشددين الذي يتحدثون من الخليج. فخلال حفل عشاء في دمشق الاسبوع الماضي تحدث سني غير متدين تلقى تعليماً عالياً باستخفاف عفوي ينم عن جهل كل طائفة بالاخرى. وقال “العلويون ليس لديهم جوامع ولا يصلون ولا يذهبون للحج لا أحد يعرف من هم”.
ويدفع احتمال الحياة بدون عائلة الاسد وهو احتمال يراه الكثير من الزعماء العالميين والعرب حتمياً العديد من العلويين الى أفعال متطرفة يائسة. فقد كانت المسيرات المؤيدة للرئيس وعائلته في الأيام الأولى للانتفاضة رصينة نسبياً حيث نقل المؤيدون من المعاقل العلوية بالحافلات وهم يرددون الشعارات المعروفة لحزب البعث.
لكن الان هناك غضب حقيقي وانفعالات وخوف يجتاح الشوارع ويردد بعض الموالين هتافات الاخلاص والتفاني لماهر الشقيق الاصغر للرئيس الذي يقود الفرقة الرابعة للجيش والتي تقود الحملة الصارمة ضد معاقل المعارضة. ويستصرخونه أن «يقضي على» المتمردين «يا ماهر ياله كرمة لله». وهو ما تحدث عنه محمود الطالب من قرية ربيعة بقوله “نحن فعلا مسالمون ولا نريد ان نؤذي أحداً ولكن بالنسبة لي العين بالعين والسن بالسن. واذا أحد جاء يريد أن يقتلني وقتل عائلتي لن أقف ساكتاً”.