خلط المفاهيم: “تجريم معاداة الصهيونية يطرح مشاكل عديدة”
وأشار نواب أعضاء في مجموعة الدراسات حول معاداة السامية، وقد أثرت فيهم الأحداث الأخيرة، إلى أنهم يريدون تجريم معاداة الصهيونية كما تجرم معاداة السامية. فما هي معاني هذين المفهومين؟.
في معجم اللغة الفرنسية، تعني معاداة السامية “عداء تجاه الشعب اليهودي. وهذا المصطلح الديني يمكن أن يأخذ شكل عقيدة أو سلوك قائم على التمييز، سيء النية ويمثل تهديدا للأشخاص المنتمين للطائفة اليهودية”. وتعتبر معاداة السامية جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي بنفس الطريقة التي يعاقب بها التمييز العنصري وكراهية الأجانب.
أما مفردة الصهيونية فتعني إيديولوجية سياسية ظهرت في القرن التاسع عشر ونظّر لها الكاتب المجري-النمساوي تيودور هرتزل. وتهدف إلى تشجيع إنشاء وطن قومي يهودي في أرض إسرائيل. فساند هرتزل، الذي أثرت فيه قضية دريفوس، فكرة أنه لا يمكن لليهود الاندماج في بلدانهم وأنه يجب إعطاءهم دولة ليتجمعوا فيها.
وقضية دريفوس هي صراع اجتماعي وسياسي حدث في نهاية القرن التاسع عشر في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة. اتهم بالخيانة في هذه القضية النقيب ألفريد دريفوس، وهو فرنسي الجنسية يهودي الديانة. هزت هذه القضية المجتمع الفرنسي خلال اثني عشر عاما 1894 و1906 وقسمته إلى فريقين: المؤيدون لدريفوس من كانوا مقتنعين ببراءته والمعارضون له الذين اعتقدوا أنه مذنب.
معاداة الصهيونية تشير إلى العداء تجاه تأسيس دولة إسرائيل. لكن منذ إنشاء الدولة العبرية في 1948، تطورت دلالات مفهومي الصهيونية ومعاداة الصهيونية. فمنذ ذلك الوقت صارت تقرن معاداة الصهيونية بانتظام بكراهية دولة إسرائيل.
الصحافي في “لوموند ديبلوماتيك” دومينيك فيدال، وصاحب كتاب “معاداة الصهيونية = معاداة السامية؟” رد على إيمانويل ماكرون” (دار ليبرتاليا للنشر)، يأسف للخلط المتعدد حول هذين المفهومين. فيقول لفرانس24 “إذا اعتبرنا أنه في حال رفض نظرية تيودور هرتزل يعني معاداة السامية، فمعناه أننا نعتبر ملايين اليهود الذين لا يريدون العيش في فلسطين وفي الأراضي المحتلة معادين للسامية”. ويتابع “إنه جهل بالتاريخ، بل وحتى غباء”.
وبلغ اللبس أبعادا واسعة بعد أن عمل البعض على إذكائه بمهارة للتغطية على أقوال ومواقف معادية للسامية. فيوضح فيدال “نعرف جيدا أن ديودوني (ممثل فرنسي ساخر) وآلان سورال (كاتب تحليلات حول إيدولوجيا اليمين المتطرف) اللذين لوحقا وحكم عليهما بتهم التحريض على الكراهية العرقية ضد اليهود، اعتادا الإفلات من القضاء باستخدام “صهيوني” بدل يهودي و”معاد للصهيونية” محل معاد للسامية”.
ويرى فيدال أيضا أن السياسة التي أرساها القياديون الإسرائيليون في السنوات الأخيرة ساهمت أيضا بنسبة كبيرة في الإبقاء على خلط المفاهيم فيقول “بالتصويت على قوانين في الكنيست على غرار “الدولة القومية للشعب اليهودي” في 19 يوليو/تموز أو ضم الضفة الغربية، بتكثيف التحالفات الشعبوية، أعطى بنيامين نتانياهو صورة سيئة جدا عن بلاده. لذلك فإن الإبقاء على الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية يسمح للقيادي، المهتم بصورته، بلجم آراء خصومه. لكن كل هذا لا يجدي لأن الصورة السيئة لإسرائيل في السنوات الأخيرة سببها السياسة الإسرائيلية نفسها”.
في فرنسا وباقتراحه مشروع قانون يجرم معاداة الصهيونية، يدحض نائب “الجمهورية إلى الأمام” سيلفان مايار وجود أي لبس في المعاني. فيقول مايار، هو أيضا رئيس مجموعة الجمعية العامة حول معاداة السامية “يمكن أن ننتقد حكومة إسرائيل، لكن ليس إعادة النظر في وجود دولة إسرائيل. لا أحد يعيد النظر في وجود الدولة الفرنسية أو الدولة الألمانية”.
أما المعادون لمشروع قانون تجريم معاداة الصهيونية فلا يوافقون هذا الرأي، فيقول فيدال “باسم هذا المنطق الجاهل بالتاريخ، نطلق عملية تقمع الحريات. فمقترح القانون هذا يعتبر بمثابة إعادة العمل بجريمة الرأي التي لم تعد موجودة في فرنسا منذ حرب الجزائر”. فإذا أقر هذا القانون، سيمكن للصهيونيين المطالبة بمنع معاداة الصهيونية وللشيوعيين أن يطالبوا بمنع معاداة الشيوعية، والديغوليين منع معاداة الديغولية إلخ. باختصار نحن على منحدر استبدادي”.
ومقترح مشروع القانون هذا يثير الحفيظة حتى في أعلى هرم السلطة بفرنسا. فرئيس الجمعية العامة الفرنسية ريشار فيران اعتبر الثلاثاء أن “الترسانة التشريعية” مسلحة بما يكفي لمكافحة معاداة السامية ودعا بعد الاقتراح البرلماني إلى “التفكير بصفة معمقة جدا قبل القيام بإعلانات غير مناسبة”.
إيمانويل ماكرون بنفسه اتخذ موقفه قائلا “لا أظن أن تجريم معاداة الصهيونية يمثل حلا”. وتابع “من يريدون اليوم خطابيا زوال إسرائيل هم من يريدون التهجم على اليهود” وأضاف “لكن أظن أنه حين ننظر في التفاصيل، فإن تجريم معاداة الصهيونية يطرح مشاكل أخرى”.
رغم ذلك كان الرئيس الفرنسي عام 2017 وفي ختام مراسم الاحتفال بالذكرى 75 لحملة اعتقالات “فال ديف” التي استهدفت أكثر من 13 ألف يهودي عام 1942 إبان الحقبة النازية، وبحضور نتانياهو، قد قام بموازاة بين المصطلحين فأكد أنه لن يتنازل أمام “معاداة الصهيونية” التي اعتبرها الشكل الجديد من “معاداة السامية”. وهو ما يثبت أنه يجب توخي الحذر في استعمال المفهومين.