ميقاتي في باريس: ثلاثة أبعاد لـ “مصلحة لبنان”
زيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى فرنسا كانت شبيهة بتمرين مرتكز على قاعدة مثلثة الأضلاع لكل ضلع ثلاثة أبعاد. الضلع الأول كان لبنانياً وأبعاده كانت الأزمة الحكومية واشتباكات طرابلس والموقف المنقسم لبنانياً من الملف السوري. الضلع الثاني حمل وزن العلاقات الفرنسية اللبنانية وأبعاده مثل اليونيفيل والإصلاحات الضرورية للاستفادة من المساعدات الفرنسية وانعكاس الأزمة الحكومية على قدرة لبنان على تنفيذ العقوبات ضد سوريا. بينما تأبط الضلع الثالث الملف السوري كاملاً بأبعاد ثلاثة متشابكة، الأول يقع تحت بند القرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة السورية والبعد الثاني القرارات العربية الماضية والمرتقبة أما البعد الثالث فهو قدرة لبنان على متابعة سياسة «النأي بالنفس» في هذا الملف.
ونجح «النجيب» خلال هذه الزيارة في المحافظة على توازنه السياسي وعدم الوقوع في شباك الأبعاد المتعددة التي لاحقته واضعاً نصب عينيه كما ردد مراراً «مصلحة لبنان». ردد الرئيس ميقاتي موقفه من الأزمة الحكومية وربطها بإنتاجية الحكومة (راجع «أخبار بووم») وعرض حلاً يقوم على تمرير المرسوم المتعلق ببدل النقل ليتم طرح مراسيم التعينات على التصويت. ولكن لا بدا أن ميقاتي يستطيع أن ينتظر ويعمل ويقيم الحكم من دون اجتماع للحكومة. وفي هذا السياق، استطاع تجاوز هذا البعد فعاد وفي جعبته ١٠٠ مليون يورو من الفرنسيين: ٣٠ مليون يورو مخصص لقطاع الكهرباء مقتطع من حصة فرنسا بموجب «باريس-٣»، و٧٠ مليون يورو من وكالة التنمية الفرنسية (AFD) إلى جانب هدية للجيش اللبناني بقيمة ٥ ملايين يورو. لم يبتعد رئيس وزراء لبنان عن «الوضع في طرابلس» فهو كشف لعدد من الصحافيين الذين التقى معهم أنه يتابع المجريات الدائرة على الأرض وأنه اتصل بقائد الجيش الذي أكد له «السيطرة على الوضع»، أما في بعد تنفيذ العقوبات على النظام السوري فيمكن اختصار موقف ميقاتي بشعار «لا يستطيع لبنان أن يشارك بأي قرار ضد سوريا ولا يستطيع إلا أن ينفذ القرارات الدولية بحق سوريا» وهو ما قدمه لمحاوريه الفرنسيين مبنياً على «واقع جغرافي واجتماعي وسياسي». ولم يتردد ميقاتي من الغوص لبنانياً في تبرير هذا الشعار الذي على أساسه يمكن «تحييد لبنان»: فالانقسام السني الشيعي حيال الحالة السورية تواكبه ضغوط عربية، وخصوصاً من دول الخليج، الشريك الاقتصادي الأول للبنان وللعديد من القوى السياسية اللبنانية. ومن هنا فإن ميقاتي يرى أن دوره هو «منع استيراد الأزمة السورية إلى لبنان وتقوية مناعته الداخلية». وبنى هذا الدور على ملاحظة تمد جذورها تاريخياً في لبنان فيقول «لأول مرة في لبنان يقول المسلمون الأفضل أن يكون لبنان حيادياً في المنطقة، وهو ما كان يقوله المسيحيون». واستطرد «أتمنى أن نتفق جميعاً مسلمين ومسيحيين على حياد لبنان عما يحدث في المنطقة». ولكنه استدرك «ولكن ليس تجاه اسرائيل حتى لا تفسر الأمور» بشكل مغاير لما يسعى إليه. ولتمتين الضلع الداخلي أكد ميقاتي «أنا وفخامة رئيس الجمهورية نعمل لنواجه أي مخاطر» على لبنان، متسائلاً: «هل إذا وقف لبنان إلى جانب النظام ستكون لنا القدرة على حمايته؟ وهل إذا وقف إلى جانب المعارضة سيمكنها من الإطاحة بالنظام؟». وأنهى هذا الشق بالقول «النصيحة الوحيدة هي حماية الجبهة الداخلية… هذا هو الأساس». وطلب من القابعين على آلاف الكيلومترات أن يكفوا عن التصاريح النارية..
ومن هنا كان منطلق معاملة أبعاد الضلعين المتبقيين خلال هذه الزيارة. عربياً عندما سئل ميقاتي عن تقييمه لمشروع القرار الذي تقدمت به المملكة العربية السعودية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص سوريا، رد أن لبنان «يدرس هذا القرار»، وتوسع قائلاً «لن يخرج لبنان من ثيابه العربية هناك واقع سوري فلدينا حدود طويلة معها كما يوجد الواقع الداخلي، ولكننا نتمسك بعلاقاتنا الممتازة مع الدول العربية». واستطرد «سمعت خادم الحرمين» وتمنى «قيام اتصالات بين لبنان والعرب لتحديد موقف منسجم» .
فرنسياً، شرح ميقاتي للرئيس نيكولا ساركوزي أثناء لقائه به سياسة «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية، وكشف للصحافيين أن ساركوزي تفهم هذا الوضع، وإن هو أكد أن ألان جوبيه وزير الخارجية أيضاً تفهم هذا الوضع إلا أنه لم يكشف ما إذا كان الفرنسيون قد طلبوا أم لا من لبنان الانضمام إلى «مجموعة اتصال» أصدقاء سوريا التي يمكن أن تطرح على البحث خلال لقاء الجامعة العربية يوم الأحد. إلا أن مصادر مقربة من الملف كشفت أن جوبيه طلب «عدم معارضة لبنان لهذا الاقتراح»، حتى لا تشكل معارضته نواة لمعارضة أوسع تضم العراق والجزائر والسودان ما يمكن أن يشكل شرخاً في وجه تكوين هذه المجموعة. وبالطبع فإن تطبيق لبنان لنظام العقوبات المفروض على سورياً مصرفياً يمكن أن يكون قد شكل إجابة تلقتها إيجابياً باريس تحت مظلة سياسة «النأي بالنفس». دولياً التقى ميقاتي مع نائب وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، الذي زاره في مقر إقامته، وتناول البحث بينهما الوضع الاقليمي، كما زار رئيس الوزراء السابق سعد الحريري للسؤال عن وضعه الصحي بعد عمليته الجراحية.