من هو البغدادي؟
عاش زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي الذي قتل الأحد في عملية عسكرية أميركية في سوريا، في الظل، حتى حين كانت “الدولة الإسلامية” التي نصّب نفسه “خليفة” عليها، تتحكم بمصائر سبعة ملايين شخص على مساحة تفوق 240 ألف كيلومتر مربع وتمتد بين سوريا والعراق.
بعدما نصب نفسه “خليفة” في العام 2014 ودعا كل المسلمين في العالم الى مبايعته، بقي في الأشهر الأخيرة قائدا لمسلحين مشتتين كانوا عاجزين على الأرجح هم أنفسهم عن معرفة مكان وجوده.
نجا البغدادي الذي يعاني من مرض السكري من هجمات جوية عدة وأصيب مرة واحدة على الأقل، وسرت منذ العام 2014 شائعات كثيرة عن مقتله لم يتم تأكيدها، حتى أنه لقب أحيانا بـ”الشبح”.
أعلنت الاستخبارات العراقية في مطلع تموز/يوليو الماضي مقتل نجل البغدادي حذيفة البدري في سوريا بثلاثة صواريخ موجهة روسية أصابت المغارة التي كان بداخلها. لكن قوات سوريا الديموقراطية التي كانت تقاتل التنظيم في شرق سوريا، أكدت في مناسبات عدة عدم وجود أي معلومات عن وجود البغدادي في سوريا.
لم يسجل للبغدادي الظهور إلا في مناسبتين: الأولى لدى ظهوره العلني في تموز/يوليو 2014 أثناء الصلاة في جامع النوري الكبير في غرب الموصل، وذلك بعد إعلانه “الخلافة” وتقديم نفسه كـ”أمير المؤمنين”.
أما الثانية، فكانت في فيديو نشر في نيسان/أبريل الماضي، أي بعد خمس سنوات من الظهور الأول، بلحية طويلة بيضاء ومحناة الأطراف، واضعا منديلا أسود على رأسه، وكان يفترش الأرض إلى جانب آخرين أخفيت وجوههم، ويتحدث بنبرة بطيئة.
الظهور الأول جاء عند إعلان “الخلافة”، والثاني والأخير بعد انتهائها لدى دحر تنظيم الدولة الإسلامية من آخر جيوبه في منطقة الباغوز في شرق سوريا. وكان في مخبأ في أحد كهوف الصحراء، بعدما أصبح تنظيمه مجموعة متفرقة من الخلايا السرية.
– نقيض بن لادن –
ورصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إلى البغدادي البالغ من العمر 48 عاما.
ولم يحظ البغدادي بالتأثير الذي حظي به زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والذي طاردته الولايات المتحدة إلى أن تمكنت قوات خاصة من تصفيته عام 2011 في باكستان.
ويقول ضباط غربيون كبار ومسؤولون عراقيون “اسألوا أيا كان في الشارع في أوروبا أو في الولايات المتحدة +من هو البغدادي؟+، لن تحصلوا على أي رد فعل، في حين أنه مع بن لادن، كان الرعب مخيما”.
حتى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية كان يؤكد أن هدفه الأول هو سقوط “الخلافة” وليس القبض على البغدادي أو قتله.
ومنذ ظهوره في الموصل، لم يتوجه البغدادي إلى أنصاره إلا من خلال تسجيلات صوتية كانت تنشرها وسائل دعاية التنظيم المتطرف، ولا تشبه أشرطة الفيديو التي كان بن لادن يبثها بانتظام ويصور نفسه فيها في ساحة معركة أو داخل مسجد.
وتذكر الصحافية صوفيا عمارة في فيلم وثائقي أعدته عن البغدادي، أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري، مشيرة إلى أنه كان “انطوائيا وغير واثق من نفسه”.
ولد البغدادي في العام 1971 لأسرة فقيرة في مدينة سامراء شمال بغداد. وهو متزوج من امرأتين، أنجب أربعة أطفال من الأولى وطفلا من الثانية. ووصفته إحدى زوجتيه بأنه “رب أسرة طبيعي”.
وكان البغدادي مولعا بكرة القدم، ويحلم بأن يصبح محاميا، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.
أبدى أيضا طموحا للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، لتقوده الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد قبل ان يصبح إماما في العاصمة العراقية في عهد الرئيس السابق صدام حسين.
وتشير عمارة إلى أن البغدادي “يعطي انطباعا بأنه رجل غير لامع، لكنه صبور ودؤوب”.
وكان دخول البغدادي إلى سجن بوكا الواقع على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، نقطة حاسمة في حياته.
فقد اعتقل البغدادي الذي كان شكل لدى اجتياح العراق في العام 2003 مجموعة جهادية ذات تأثير محدود، في شباط/فبراير 2004، وأودع سجن بوكا الذي كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل.
وكان السجن يضم معتقلين من قادة حزب البعث في عهد صدام حسين وجهاديين سنة، وتحول في ما بعد الى “جامعة الجهاد”.
وعن فترة اعتقال البغدادي، توضح عمارة أن الجميع “أدركوا تدريجيا أن هذا الشخص الخجول الذي لم يكن شيئا، أصبح عقلا استراتيجيا في النهاية”.
بعد إطلاق سراحه في كانون الأول/ديسمبر 2004 لعدم وجود أدلة كافية ضده، بايع البغدادي أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين السنة تابعة لتنظيم القاعدة.
وفي تشرين الاول/اكتوبر 2005، أعلنت الولايات المتحدة أن قواتها قتلت “أبو دعاء”، وهو اسم حركي كان يعتقد أن البغدادي يستخدمه.
لكن تبين أن هذا الأمر لم يكن صحيحا، بما أن البغدادي تسلم مسؤولية “دولة العراق الإسلامية” في أيار/مايو 2010، بعد مقتل زعيمها أبو عمر البغدادي ومساعده أبو أيوب المصري في غارة جوية عند الحدود السورية العراقية.
وتمكن البغدادي بعد ذلك من تعزيز موقع الجهاديين في العراق. وتحت قيادته، أعادت هذه المجموعة تنظيم صفوفها، وتحولت في العام 2013 إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
في باريشا في شمال غرب سوريا حيث قتل البغدادي فجر اليوم، لا يبدو أن جيران المنزل الذي استهدف فيه والذين تحدثت اليهم وكالة فرانس برس شكوا في وجوده بينهم.