#لبنان_ينتفض : الفوضى سلاح واشنطن للهيمنة على العالم
بسّام الطيارة
تتدخل واشنطن في كل شاردة وواردة في شتى أنحاء العالم.توقع معظم الدول اتفاقيات مع القوة العضمى ظاهرها تعاون وباطنها كسب معلوات (داتا) تذهب مباشرة إلى حواسيب الوكالات الأميركية المتخصصة. الأمثلة كثيرة ومتعددة: بالأمس وقع لبنان مع «المكتب الدولي لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون» التابع لوزارة الخارجية الأميركية، اتفاقاً لمراقبة السجون والمساجين. وقبل اسابيع وقع وزير الدفاع الأميركي تفاقاً جديداً للتعاون الدفاعي والدفاعي الثنائي بين الولايات المتحدة والإمارات. قبل مدة وقعت تونس مع الولايات المتحدة مذكرة تتضمن التعاون الأمني والتقدّم الاقتصادي ودعم المكاسب الديمقراطيّة والتعاون الاستراتيجي. في مصر اتفاق (اتفاقية “سيزموا “CISMOA) لـ«تعزيز الولايات المتحدة ومصر جهودهما من أجل هزيمة الإرهاب والحفاظ على السلام». كذلك في الصومال والنيجر وليبيا وكافة الدول تقريباً، بما فيها الصين وروسيا عبر منظمات غير حكومية، تتجمع لدى واشنطن منافذ نحو تجميع كافة المعلومات المهمة وغير المهمة حول الأفراد والشركات والمصارف وكل ما «دب على أرضي تلك الدول»، ولعل المدخل الأهم اليوم هو عبر مكاتب «مكافحة الجرائم المالية في الأسواق المالية»، ومكاتب «مكافحة الجريمة المنظمة»،
إن الكم المعلوماتي الذي تحصل عليه الولايات المتحدة يومياً من عمليات التجسس هذه الواسعة النطاق والتي كشفتها «وثائق سنودن» في السابق، باتت هائلة بشكل يتسائل البعض كيف يمكن الاستفادة منها؟ في الواقع تمتلك الولايات المتحدة وسائل علمية إلكترونية تساعد في إدارة وتصنيف هذه المعلومات بشكل يمكن الاستفادة منها عند الحاجة. وتعتمد هذه التقنيات على علم… الكاوس (الفوضى الرياضية). نعم علم الكاوس الذي هو فرع من علوم الرياضيات، والذي يطبق في عدد من المجالات من إدارة الأزمات ويقود إلى تصنيف واستخلاص المعلومات (التجسس) مروراً بتقويم لوائح تضبط هويات … «كل سكان العالم» مع كافة المعلومات عن الدين والعمر والأحوال الصحية والميول الشخصية والوضع المالي إضافة إلى العناوين البريدية والإلكترونية وأرقام الهاتف ،،، وبالطبع من يتصل بمن…
الفوضى (الكاوس) باتت موجودة في مناطق عديدة وفي مجالات متنوعة وفي ميادين لا حصر لها، وهو ما يدفع البعض الى القول بأن الكاوس هو نهاية المطاف، بينما يرى فيه البعض الآخر مرض العصر الحديث والابن غير الشرعي للحداثة.
في كافة دول العالم تحصل أحداث وتصلنا أخبار تذكر بأن الكاوس يتغذى من حوادث صغيرة تتراكم وتتداخل لتبني أحداثاً أكبر، وهكذا دواليك في صورة قد تبدو «فوضوية»، إلا أن نظرة معمّقة تفيد بأنها «منتظمة» ومبنية على كمّ هائل من المعلومات المستقاة من هنا وهناك.
من نافل القول إن واشنطن تتدخل في كل شاردة وواردة في كافة بلدان العالم. في الدول «الفقيرة» تربط واشنطن مساعداتها بالدراسات التي تطلبها من كافة الإدارات، وهباتها بزيارات للمواقع والتدريب الممنوح بالحصول على لوائح وسجلات دقيقة ومتنوعة، وهذا يحصل في كل دول العالم. ماذا تفعل الولايات المتحدة بهذا التراكم الكمي الرهيب من المعلومات؟
وهذا الكم لا يتوقف عند الدول التي تطلب مساعدات. بالطبع إن التجسس يغذي بنوك المعلومات عند الأعداء عبر كافة سبل التجسس. ولكن هذا التجسس كما تبين مما كشفه سنودن لا يتوقف عند عتبة الدول العدوة بل يصيب بقوة الدول الحليفة.
أمس ألمانيا والبرازيل واليوم فرنسا. تكتشف الدول «الحليفة» أن واشنطن تتجس على مواطنيها وعلى رجال أعمالها وسياسييها وكل ما هو استراتيجي. في ٣ أيام تم تسجيل ٧ ملايين مخابرة في فرنسا حسب ما كشفت صحيفة لوموند استنادا إلى وثائق سنودن.
والكذب هو سمة التعامل مع الحلفاء على ما يبدو. ما أعلنه قبل سنتين نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أنه يريد «تبديد كل المخاوف» في أوروبا بشأن اتفاق مثير للجدل حول تبادل معطيات مصرفية في إطار مكافحة الإرهاب. وأضاف «إننا مدركون تماماً لمخاوف بعض الأوروبيين» في موضوع حماية الحياة الخاصة، وقوله «نعمل مع أصدقائنا ومع الاتحاد الأوروبي لتبديد أي قلق حول هذا البرنامج. نحن على ثقة تامة بأننا سنستجيب لهذه المخاوف وسنحمي هذا البرنامج الحيوي لأمن مواطنينا».
وكانت هذه التصريحات في سياق تجديد اتفاق يهدف الى السماح لواشنطن بمواصلة الحصول على المعطيات المصرفية لمواطنين أوروبيين عبر شركة سويفت التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، وهو محور خلاف بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إذ إن «سويفت» تدير تعاملات حوالى ثمانية آلاف مؤسسة ومصرف في مئتي دولة في العالم، فيما يؤكد النواب الأوروبيون ضرورة أن يقتصر «تبادل معلومات على ما هو ضروري لأغراض مكافحة الإرهاب» ويرفضون نقل معطيات بالجملة ومن دون أهداف محددة.
ولكن تبين من وثائق سنودن أن كل ما قاله بايدن هو كذب بكذب فواشنطن تتجسس على كل الدول وفي كافة المجالات ولا ترى إلا مصلحتها العليا ومصالح صناعتها وديبلوماسيتها ومواطنيها.
كيف تتم إدارة هذا الكم من المعلومات؟
كتب آلان جوكس، مدير «مركز الأبحاث حول السلام والدراسات الاستراتيجية» (Cirpes) صاحب كتاب «إمبراطورية الفوضى»، مقالاً في ملحق اللوموند ديبلوماتيك (عدد أيار ٢٠٠٣) تحت عنوان:«فوضى ما بعد الحرب: استراتيجيته بلا مكبح وبلا نهاية» وذلك في وصف الحالة في العراق تحت الاحتلال الأميركي. وكلمة« chaos» تحتمل بريشة كاتب المقال، المختص الكبير بالاستراتيجية والجغرافيات الاستراتيجية ثلاثة معان، معاً: الفوضى والالتباس الحاد، وأخيراً معنى «الكاوس» كاستراتيجية عامة لإدارة النزاعات. إذا كانت المعاني الأولى والثانية تتضمن قيماً سلبية (الفوضى والالتباس)، فإن المعنى الثالث يشير إلى علم إدارة الأزمات، المسلحة أو السياسية، أو كل نوع من أنواع النزاعات كتلك التي رأيناها أعلاه… في حالة النمل! في الواقع، دخلت كلمة «الكاوس» منذ الحرب النابوليونية، في الاصطلاحية الكلامية العسكرية. والأول الذي استعملها كان كارل فون كلاوزفيتز. ففي كتابه «عن الحرب» فهو طوّر نظريته التي يمكن تلخيصها بالآتي: «ظاهرياً كل حرب تشكل حالة «كاوس»، فوضى غامضة، إلا أنه في الواقع وجوهرياً، فإن كل حرب هي حالة نظام، وخطة حسابية. إن نظرية الحرب من شأنها أن تفسّر، تحت مظاهر الفوضى حقيقة الفوضى التي تنير أصل ومجرى الحرب وحالة الفوضى التي تتمظهر فيه». ونرى، من دون الغوص في تفاصيل نظرية الحرب عند كلاوزفيتز أنه أول من استعمل عبارة «كاوس» في المجال العسكري، وهو لم يكن في أصل الاستعمال الأداتي للكاوس كنظرية موضوعة موضع التطبيق. ولكنه لاحظ، ليس إلا، بأن كل حرب هي ظاهراً حالة «كاوس»، ويمكن القول إن حالة الفوضى هذه تقود إلى إخراج الأزمات من واقع متحرك غير منضبط إلى واقع ثابت منضبط أو مستقر، وهو ما جعل البعض يتحدث عن «الفوضى البناءة». إلا أن علماء الرياضيات كانوا أول من تحدث عن نظرية الكاوس كوسيلة إدارية لكل حدث، أو لجملة العوامل التي تحدد مجراه وتقدمه نحو غايته الكبرى إلى ما لا نهاية. النظرية التنظير التجريدي لـ«الكاوس» الذي يظهر تعارضاً مع المعنى الأول الأكثر استعمالاً في الحياة اليومية (الفوضى) أتى ليقلب المفاهيم في ميادين عدة: الفيزياء وفي مجال المال (دراسة مجريات البورصة وتقلباتها)، مروراً بالعلوم الاجتماعية (نظرية النكبات، وتفسير أو تحليل استطلاعات الرأي إلخ…) أو في مجال ألعاب الحظ والصدفة (الروليت إلخ…) وكلها متعلقة بعلم الرياضيات . وقبل هذه النظرية كنا نطبق الرؤية النيوتونية، التي تفيد بأنه إذا عرفنا الحالة البدائية لنظام معين يمكننا حساب حالته النهائية، مروراً بكل الأحوال الوسيطة (في كل لحظة). وتلخيصاً، يمكن القول إنه إذا عرفنا الأسباب والعوامل وإلزاماتها من مراحل منظومة معينة يمكننا «معرفة» حالتها النهائية. وهذا الأمر يُدعى من قبل بعض الفلاسفة والمفكرين: الجبرية déterminisme. ظاهرياً هذه الجبرية لا تدع أي مجال للصدفة. غير أن عامل المفاجأة في اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر (قانون الاعداد الصغرى والكبرى) يبيّن بأن الصدفة تحتل مكاناً كبيراً في كل الأنظمة التطورية حسب عامل الزمان، وليس ثمة تكافؤ منطقي بين الصدفة والجبر. فريمون بوانكارية عالم الرياضيات الشهير يرى أن الصدفة والضرورة تعودان متكافئتين على نحو لا مُسند (احتمالي) impredicabilité في المدى البعيد. ويوضح بأن «ثمة سبباً صغيراً جداً، قد يفوتنا من شأنه أن يُحدد نتيجة لا يمكننا ملاحظتها، وعندها نقول بأن هذه النتيجة تعود إلى الصدفة». وبالتالي فإن قوانين الصدفة يمكنها، عندئذٍ أن تُطبق، في كل لحظة، على أُنظومٍ قيد تطور أي قيد التفاعل مع عوامل متغيرة، يشار إلى هذا التطبيق بعامل «توزع المصادفة». وتطور أُنظومٍ معين يرتبط حينئذٍ، بعوامل عدة منها توزع المصادفة والميكانيكية الخاصة بطبيعته وهذا في كل لحظة، إذاً، في حالات عددها لامتناهٍ ما بين الحالة البدئية والحالة النهائية. وكل طريقة ممكنة (محتملة) قد يتبعها التطور لمنظومٍ ما، بمقتضى توزع المصادفة، يقاس بنمط معين. ومجمل هذه الأنماط، إذا استثيرت (يعني إذا أُخذ بعين الاعتبار الاحتمالات التي يوفرها توزع المصادفة) يصبح أُنظوماً مضطرباً ولكنه محسوب. وكلما تداخلت عوامل خارجية في الأُنظوم المعين، أصبحت هذه المنظومة أكثر اضطراباً وفوضى (كاوسية). وهكذا يظهر لنا اصطلاح نموذجي هو «الكاوس» الذي جرى تعريفه بأنه تطور مؤقت مع تبعية (ارتباط مباشر) للشروط البدائية. وما إن صيغت النظرية حتى هرع العلماء من كل الميادين، إلى تجريب المبدأ ومحاولة تطبيقه في ميادينهم الخاصة. وأفسح وجود الكومبيوترات الضخمة في تنفيذ ترابطات شكلية Simulations تدمج عدداً كبيراً من الاحتمالات والعوامل المتداخلة (أي الاقتراب من اللامتناهي في الصغر أو اللامتناهي في الكبر) وسَمَحَ بَنمذجة للعديد من الأنظومات التطورية واستعمال التطبيقات المستمدة من هذه الأنماط، كل في مجاله. استراتيجية الولايات المتحدة والتطبيقات: اعتباراً من سنوات التسعينيات، أقامت الولايات المتحدة استراتيجية جديدة (في الإعداد العسكري) تظهر جلية فيها نظرية الكاوس. ومن دون الدخول في التفاصيل التقنية لنقل أنه، بالنسبة الى الاستراتيجيين الأميركيين العالم يعتبر منظوم جمعي (ماكرو)Macro System معقداً يتضمن عدداً لامتناهياً من منظومات مصغرة (ميكرو)، كل منها أنظوم معقد ومستقل ومتفاعل في آن واحد، وهكذا دواليك حتى أصغر الوحدات المجموعة. ومنذ سقوط جدار برلين وبروز التعددية القطبية في العالم التي تتمثل بكثرة من النزاعات المسلحة (الحقيقية أو الممكنة أو المحتملة) التي لم تعد بالضرورة خاضعة للدول. فجعلت العولمة (ماكرو) بالنسبة إلى قوة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية ـــــ كل نزاع سياسي داخلي عبارة عن جبهة حرب (ميكرو) قد تنفجر في أي لحظة. ويمكن تطبيق هذه التوجهات أيضاً في مجال التوقعات للنزاعات السياسية القائمة أو المستقبلية. السياسة والكاوس التعقيد الأنظومي لهذه العوالم جعل من تطورها أمراً «غير متوقع»، الأمر الذي يحول دون استخلاص القوانين التاريخية. أي أنها باتت متكونة من «أنظومة كاوسية» كل استنتاج لتطورها محظور إلا داخل نظرية الكاوس عينها. المحافظون الجدد، في الولايات المتحدة، بدأوا منذ عهد ريغان، حيث توقعوا انهيار الاتحاد السوفياتي، يدرسون إدارة حالة كاوس في كنف امبراطورية عالمية، فأغلبية فريق بوش ـــــ الابن في الإدارة السابقة المدموغوين بصبغة المحافظين ـــــ الجدد كانوا عاملين تحت قيادة ريغان، وكانوا قد سنّوا أسنانهم في مؤتمرات وحروب أهلية عديدة (في أميركا اللاتينية فنزويلا والشرق الأوسط وآسيا الفيليبين وأندونيسيا). لننظر مثلاً إلى مسيرة بول فولفوويتز (الذي هو من رعية جون بولتون مستشار بوش سابقاً وترامب حاليا)، فإلى جانب كونه من أتباع فيلسوف المحافظين الجدد ليو ستراوس وتلميذه ألان بلوم، إلا أنه قبل كل شيء مخصص بالفيزياء الرياضية. تاريخياً، كانت القوى العظمى (خصوصاً في حقبة الحرب الباردة بين القطبين) تعمد إلى تخفيف حدة التوتر في المناطق الساخنة، وتجنب النزاعات، خوفاً من أن تؤدي هذه النزاعات إلى فقدان السيطرة عليها، مع مخاطر المواجهة في ما بينها، وهو ما كان يسمى سياسة الردع المتبادل، وقد تجاوزت الولايات المتحدة التي أصبحت قوة ـــــ فائقة العظمى Mega puissance هذا المفهوم الماضوي، ولم تعد تتورع عن إثارة أي نزاع (ميكرو) في مواجهة أي وضع يقف في وجه أهدافها الشاملة (ماكرو). والعديد من الأمثلة في السنوات الأخيرة أثبتت ذلك، وأكثرها بروزاً كان غزو العراق، مع ازدراء، ليس فقط للقانون الدولي، ولكن حتى لرأي الحلفاء المقربين جداً من واشنطن. ذلك أن واشنطن ترى أنها قادرة على إدارة الأنظومات «الميكروية الكاوسية»، وتداخلاتها بالأنظومات «الماكرو ـــــ أُنظومية» التي تضمّها وتحويها. فلا شيء يحول دون إثارة نزاع في حالة كاوسية ما دامت الأنماط المقلقة المتولدة عنها مسيطراً عليها. وتسمح هذه المقاربة بفهم تداخل الولايات المتحدة في قضايا العالم كلها نظراً الى قوتها المهيمنة ولتورطها في كل الزوايا والخبايا فوق الكرة الأرضية. العديد من التحليلات رأت في التحول الذي اتخذ في حرب العراق انزلاقاً لا نهاية له. وحدهم القادة الأميركيون ظهروا هادئين وواثقين من أنفسهم. فذلك لأن الكاوس يمكن دوماً، بنظرهم، إدارته بناءً على خطة إدارة الكاوس المُستثارة بواسطة الحرب. والحال فإن الحرب الحديثة، بذاتها، كمشروع مؤسساتي أصبحت مربحة وذات مردودية بالنسبة الى الولايات المتحدة. استراتيجية جمع المعلومات وتدويرها إن الإدارة العالمية لتدفق المعوماتية هي أيضاً ورقة اقتصادية ضخمة بيد الولايات المتحدة الأميركية. هذا المجال، مع الأدوات المعلوماتية التي يجب تطويرها من أجل تحقيق انجازاتها، يسمح لها بتحقيق تقدم تقني على نطاق واسع: يزداد كلما ازدادت المعلومات التي تجمعها مختلف وكالات التجسس الأميركية، ويتطلب زيادة الإنفاق على تطوير تقنيات معالجة لهذه المعلومات. يفسر هذا ما يحدث اليوم والأمثلة حول تدفق المعلوماتية التي ساهمت بزيادة قوة الولايات المتحدة في النزاعات الممكنة أو التي هي قيد التحضير، عديدة: بحيث تتهافت على مراكز المعلومات الأميركية يومياً ملايين من المعلومات الشخصية المنبثقة، إما من حركة الطيران العالمية عبر المراقبة المعلوماتية والرقمية للعابرين الجويين أو من حركة الأموال في المصارف عبر إقامة مؤسسات لمراقبة التدفقات المالية، فضلاً عن المعلومات التي يتم جمعها عبر مراقبة شبكة الإنترنت أو عبر التنصّت على المكالمات ـــــ أُنظوم Echelon ـــــ التنصت على الإرهابيين المفترضين على مدار الكرة الأرضية، إضافة إلى ما يجمعه عناصر العمل الاستخباري في العالم المباشر عبر ما يزيد على آلاف العملاء أو غير المباشر عبر قنوات التعاون مع استخبارات الدول الأخرى، أو شرطات العالم عبر المؤسسات الدولية. كما أثبتت أحداث كثيرة أن معظم العاملين في المنظمات الدولية يجمعون ما هبّ ودبّ من معلومات تمر بين أيديهم. وحدها الولايات المتحدة قادرة على جمع هذه الكميات اللامتناهية من المعلومات وإدارتها ومعالجتها كذلك يجب الانتباه إلى مسألة إنشاء مراكز أبحاث متخصصة بكل منطقة في العالم بغية ملاحقة تطور السياسة الداخلية لمختلف البلدان عن قرب وعن كثب، وإعداد الدراسات حول التنوعات الإثنية التي تتكون منها مجتمعاتهم، والعلاقات المنسوجة مع المجتمع المدني في كل البلدان والمساعدة على إقامتها وتحويلها، ومراقبة تهريب المخدرات وتغلغلاته إلخ… وبالطبع لا يغيب عن أحد أن تدفق المعلوماتية هو أيضاً من العناصر التي يمكن دمجها في كل النزاعات الممكنة، وتصبح مفيدة، لمن يستطيع معالجتها واستعمالها. والحال، فإن كل هذه النشاطات ليست فقط إنفاقات ولكنها مراكز إنتاج وغنى. وحدها الولايات المتحدة قادرة على جمع وإدارة ومعالجة هذه الكميات اللامتناهية من المعلومات والاستفادة منها عبر إدارة الأنظومات «الميكروية الكاوسية»، وإدارة تداخلاتها بالأنظومات «الماكرو ـــــ أُنظومية» التي تشكل «الماكرو كاوس» أي الفوضى الخاضعة للسيطرة. من هنا نجد أن الفوضى بمعناها «الخلاق» تستعمل مجمل المنظومات المتداخلة «الميكروية الكاوسية» في «الماكرو كاوس» وتجعلها عوامل نزاعات تؤخذ بالاعتبار في إدارة الكاوس الأعلى درجة، الذي يكون بدوره مفيداً في إدارة الكاوس في الأُنظوم العُلوي الذي يضم الكاوس المقصود وهلّم جرّا.