السودان: المخلوع البشير إلى “دار للإصلاح الاجتماعي لمدة عامين”
قضت محكمة في الخرطوم السبت بإرسال الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى “دار للإصلاح الاجتماعي لمدة عامين” بعد إدانته بالفساد في واحدة من عدة قضايا ضده منذ أطاح به الجيش تحت ضغط الشارع.
وأدين البشير البالغ 75 عاما بـ”الثراء الحرام” و”التعامل بالنقد الأجنبي”، بعد أشهر من إطاحة الجيش به في 11 نيسان/ابريل الفائت. وتحمل التهمتان عادة عقوبة بالسجن لمدة قد تصل إلى عشر سنوات.
وصرّح القاضي الصادق عبد الرحمن الذي ترأس محكمة “خاصة” لمحاكمة الرئيس السابق “بما أن المدان تجاوز السبعين عامًا (…) ولا يجوز إيداعه السجن، قررت المحكمة إرساله لدار الإصلاح الاجتماعي لمدة عامين”.
وتابع القاضي أن البشير سيقضي عقوبته بعد صدور الحكم في قضية أخرى اتهم فيها بإصدار أوامر لقتل المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي أدت لعزله.
وقررت المحكمة أيضا مصادرة 6,9 مليون يورو و351,770 دولارا و5,9 مليون جنيه سوداني (128 ألف دولار) وجدت في منزله.
وقال أحمد ابراهيم الطاهر وهو محام آخر للبشير للصحافيين خارج القاعة “سوف نستأنف الحكم (أمام…) محكمة الاستئناف والمحكمة العليا على الرغم من أن ثقتنا في القضاء اهتزت”.
وعلى مقربة من المحكمة، تجمع العشرات من أنصار البشير وهم يحملون صورة له ويهتفون “لا إله إلا الله”.
وشارك المئات في تظاهرة أخرى نظّمت في الخرطوم وسط حراسة مشددة حيث رفع محتجون لافتات تقول “تسقط تسقط الحكومة”.
ومنذ آب/أغسطس، حضر البشير داخل قفص حديدي وبالزي السوداني التقليدي — الجلابية البيضاء والعمامة — عددا من جلسات هذه المحاكمة. والبشير الذي وصل إلى السلطة على أثر انقلاب في 1989، معتقل منذ نيسان/ابريل الماضي في سجن كوبر في الخرطوم.
واعترف البشير بحصوله على تسعين مليون دولار من حكام السعودية، لكن القضية التي سيصدر الحكم فيها السبت لا تتعلق سوى بـ25 مليون دولار تلقاها من ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قبل أشهر من الإطاحة به.
وأشار البشير إلى أن المبالغ التي ضبطتها السلطات هي ما تبقى من مبلغ الخمسة وعشرين مليون دولار وأن المبلغ هو جزء من علاقة السودان الاستراتيجية مع السعودية وضمن أموال الدعم التي تقدمها المملكة ولم يكن “للاستخدام الشخصي”.
وقبل صدور الحكم، قال محمد الحسن الأمين أحد محامي البشير للصحافيين إنهم على قناعة بأن القضية ليست قانونية وإنما “سياسية”.
وانتشرت قوات الأمن صباح السبت بشكل كثيف في شوارع الخرطوم. وقال الجيش في بيان “سنمنع وقوع اي عنف”.
في الوقت نفسه، أعلنت السلطة الانتقالية في السودان صباح السبت حل مجالس النقابات والاتحادات المهنية التي أنشئت في عهد الرئيس السابق.
وتحكم السودان اليوم حكومة انتقالية برئيس وزراء مدني ومجلس سيادي يضم عسكريين ومدنيين.
ولا صلة لهذه المحاكمة بالاتهامات بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي يواجهها البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق البشير لدوره في النزاع الذي اندلع في دارفور عام 2003 عندما حملت السلاح مجموعات تنتمي لأقليات ذات أصول إفريقية ضد حكومة الخرطوم التي ناصرتها القبائل العربية بدعاوى تهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا.
وردت الخرطوم باستخدام مجموعات اعتمدت سياسة الأرض المحروقة ضد من تعتقد أنهم يناصرون المتمردين “عبر حرق القرى ونهب المملكات واغتصاب النساء”، وفق مجموعات حقوقية.
واتهمت المحكمة الجنائية الدولية البشير بارتكاب جرائم إبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب لدوره في النزاع الذي خلف وفق الأمم المتحدة 300 ألف قتيل وشرد 2,5 مليون شخص من منازلهم.
وعقب الإطاحة بالبشير، طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي من السلطات الجديدة تسليمه.
لكن حتى الآن ترفض السلطة الانتقالية التي شكلت في ايلول/سبتمبر الماضي تسليم الرئيس السابق.
بدوره، أكد “تحالف الحرية والتغيير” الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، والذي يحتفظ بتمثيل كبير في المجلس السيادي الذي بات أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، أنه لا اعتراض لديه على تسليم البشير الى الجنائية الدولية.
ويقتضي تسليم البشير أن تصادق الحكومة الانتقالية المشتركة التي تشكلت بموجب اتفاق تم التوصل اليه في آب/أغسطس على ميثاق روما الذي أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجبه.
لكن السودان ملزم قانونيا بتوقيفه لأن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية جرى بتفويض من الأمم المتحدة والسودان عضو فيها.
ففي الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلقت السلطات السودانية اجراءات قانونية ضد البشير وبعض مساعديه لدوره في انقلاب 1989 الذي أوصله الي السلطة بدعم من الإسلاميين.
وفي أيار/مايو الماضي، أعلن النائب العام السوداني أن بلاغا قدم ضد البشير بتهمة قتل متظاهرين أثناء الاحتجاجات، دون أن يذكر متى ستحال القضية إلى المحكمة.