١/٤ المثلية الجنسية في حلبة السياسة الدولية… رغم…
بسّام الطيارة
ولجت معركة محاربة «المثلية الجنسية» في خضم الصراع بين الغرب (الشمال) و … الآخرين الجنوب الذي لم يعد يرضى بمحورية التوجهات الغربية .
ارتكبت المجتمعات الغربية أخطاء جسيمة فيما يتعلق بالمثلية الجنسية: فهي دللت لها تحت عنوان الحرية وحقوق الانسان، ثم دمجتها في مجمل مطالبها السياسية والاجتماعية تحت نفس مسمى الديموقراطية والحريات الفردية وسلطت المنظمات غير الحكومية المدعومة منها على هذه المواضيع، ووقعت في هذه الافخاخ منظمات «وطنية» بنيات صافية لنجدة المثليين والدفاع عن حقوقهم.
في الواقع هذه الفوقية التي تصبغ مواقف وسياسات الغرب تهدف إلى تطويع المجتمعات الأخرى أكثر من أن تكون موجهة لنجدة المثليين في تلك المجتمعات. فهي لم تستعمل قوتها العلمية الضاربة لتوضيح ما هو الشذوذ الجنسي عوض عن الحديث عن الحريات وحقوق الانسان في هذا الموضوع…ما جعل المجتمعات المحافظة تجفل.
ما لا يقوله الغرب، حتى في مجتمعاته حيث اليمين المتطرف له مواقف من الشذوذ الجنسي تضاهي مواقف أكثر المجتمعات انغلاقاً، ما لا يقوله ويوضحه هو أن المثلية ليست «انحرافاً» بسبب المحيط أو المطالعات أو الأفلام (باربي؟) وما شابه.
عندما يستعمل المرء تعبير «شذوذ جنسي» فهو يشير إلى متغير (شاذ) بالنسبة له أو للمجموعة (أي المجتمع) : أي أن ما يراه «يشذ» عن المتفق عليه أو ما يراه هو أو المجموعة «طبيعيا».
العلوم والدراسات «الطبية» تقول إن «الشذوذ الجنسي ، أي أن الرغبة في شخص من جنسه ليست خيارًا…و إنه ليس شيئًا يمكننا أن نقرره» . وإن المثلية الجنسية ستكون أكثر قبولًا إذا تم الاعتراف بها على أنها اختلاف جوهري «قائم على أسس بيولوجية». أي أن المسألة تتجاوز التأكيد على حق كل فرد في العيش وفقًا لاختياراته الشخصية.
إنه علم الأحياء والدراسات العلمية التي يمكن أن تساهم في جعل المجتمع أكثر تسامحًا أي «أن تفهم» المجموعة أن الشذوذ الجنسي ليس انحرافاً يمكن أن يكتسبه الطفل أو الطفلة أو الشاب أو الشابة حسب محيطه أو حسب ما يفرض عليه أو ما تعرضه عليه برامج تربوية.
كل الدراسات في علوم الجنيات تبرهن أن المثلية الجنسية تعود إلى الطبيعة البيولوجية أكثر منها إلى التعليم أو المحيط العائلي أو التربوي…ما زال العالم مأخوذاً بالتنافس الموضوعي بين العلوم الإنسانية. التي تستند إلى التاريخ الفردي أي التحليل النفسي وبين التاريخ الاجتماعي (علم الاجتماع) وكانت نتيجة هذه الدراسات أن تحديد سلوكنا قائم على «معاناتنا» الإيجابية أو السلبية : بمعني المحيط العائلي أو الاجتماعي كما التجارب الشخصية والمعاناة . هذا كان في السابق!
إلا أن هذه التخصصات، التي أثارت كل الآمال في الستينيات، بدأت تتراجع وبات مبدأ تقليل تأثير الجزء المكتسب لصالح علم الجنيات هو المعتمد.
بدأت الدراسات الحديثة معتمدة على خطين: ١) تاريخي و٢) علم الجنيات الذي تطور في العقدين الماضيين:
١) تاريخياً : تبين الدراسات أن «المثلية الجنسية» تواجدت في كافة الحضارات القديمة !
الأمثال كثيرة ذلك أن الشذوذ الجنسي كان ولازال منتشرا في معظم الشعوب منذ بداية التاريح: في مجتمع روما لم يتم إدانة ممارسة الجنس إلا إذا كان الشاب رومانيًا حرًا يمارس مع فرد غير معتوق. في مصر القديمة تم اكتشاف مخطوطات مختلفة عن جرعات الحب التي تهدف إلى التقاط وتسهيل الحب بين النساء.وكذلك هيروغليفيات تصف أغاني حب مخصصة للشركاء من نفس الجنس. وفي فينيقيا يبدو أن الحرية الجنسية كانت بلا حدود إلى جانب شق خاص هو أن “الفينيقيين يمارسون الشعائر الجنسية المقدسة ، سواء المؤنثة أو بين الذكور. وحتى داود بعد وفاة يوناثان في معركة اشتكي باكياً « أنا في ضيق بسببك يا أخي جوناثان ، لقد كنت عزيزًا جدًا علي ، حبك كان بالنسبة لي أروع من حب النساء»، كما ارتبط الإسكندر الأكبر أيضًا بـ Hephaestion ، وهو جنرال مقدوني يوصف بأنه «عشيقته». والأمثال كثيرة دون العودة إلى قصور الخلفاء وقصص الشعراء. كذلك في أقصى الشرق الآسيوي حيث كان للمخصيين في الصين أدوار شبيهة بما كان يحصل مع أشباههم في قصور العرب.
٢) علم الجنيات أي مجموع الجينة (أو الجين) في علم الأحياء هي سلسلة منفصلة ومتوارثة من النيوكليوتيدات (nucleotides) التي يؤثر مزيجها وتراتبيتها على خصائص الكائن الحي. تشكل جميع جينات ما يسمى جينوم (genome).
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الزهن حين نتكلم عن «جنيات» هو : «هل المثلية الجنسية وراثية؟». ثبت أنه لا توجد دراسة تخلص إلى أن هناك جينًا من شأنه أن يحدد التوجه الجنسي ، سواء كان مثليًا أو مغايرًا للجنس أو ثنائي الميول الجنسية. لا توجد أدلة على أن الجينة وراثية ولا يوجد تفسير هرموني أيضًا، كالاعتقاد أن المثليين الذكور يفتقرون إلى هرمونات الذكورة التستوستيرون والعكس بالعكس بالنسبة للنساء.
الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. التوجه الجنسي أي تأثير هذه الجنية الموجودة لدى بعض الأفراد – يقدر أن نسبة تتراوح بين ٢،٣ و٤،١ في المئة من أفراد البشرية يحملون هذه الجنية- هذه الجنية هي «متحول» (mutation) لأسباب غير معلومة، وهي عامل المثلية عند من يحملها وتؤثر في مليارات الخلايا العصبية والوصلات بين مجال التفكير والقشرة المخية والمنطقة العاطفية والجهاز الحوفي (المسؤول عن استجاباتنا السلوكية الاجتماعية)، والسلوك الحركي الجسدية، والمناطق الحسية، والرائحة ، والسمع، والتي يتم تحفيزها بشكل أو بآخر من قبل جوانب معينة . إن حامل هذه الجنية هو «مثلي بالقوة» ولكنه قد يخفي ميوله في المجتمع.
من هنا فإن كل الدراسات تدل على أن «الشذوذ الجنسي» ليس مرضًا وخصوصاً إنه ليس مرضاً غربيًا !!، فهو كان موجودًا في جميع المجتمعات منذ فجر التاريخ. المثلية مقبولة في بعض المجتمعات وتحظرها مجتمعات عدة أو حتى يعاقب عليها رغم أن لا ناقة ولا جمل لمن يحمل هذه الجنية.
واليوم هناك بعض البلدان التي يُعاقب فيها بالإعدام على المثلية الجنسية أو بالسجن. إذا من الواضح أنه في هذه البلدان، يمتنع الأشخاص المثليون عن السلوك الجنسي المثلي الذي تحمله جيناتهم البيولوجية الطبيعية.
إن نسبة المثلية الطبيعية هي كما ذكرنا نسبة مئوية في المجتمعات مهما كانت القوانين قاسية فهذه النسبة لا تتغير فقط يتخفى حامليها الذين يصفهم المجتمع بالشواذ ويدفنون في أعماقهم ميولهم أو يمارسوها بالسر. يكفي الانصات إلى قصص تُروى عن وزراء ورؤساء ومشاهير يخفون ميولهم الجنسية في البلدان التي لا تتحمل مجتمعاتها هذه الميول «الطبيعية» حتى في بعض المجتمعات الغربية،
كم رجل اضطر إلى أخفاء ميوله ومثليته وتزوج وبات له أولاد وهو يحمل سره ولا يبوح به، وكذلك كم من امرأة استلقت تحت ثقل جسد زوجها فقط للقيام بواجبها الزوجي والانجاب في حين أن ميولها مثلية وهي مضطرة لاخفائها.
والآن ضمن الصراع الذي يضع الغرب أمام الدول التي تناهض سياسته نجد أن الصين وروسيا والحلفاء ينددون بما يرونه فرض المثلية على مجتمعاتهم عبر «القوة اللطيفة» (soft power). ولكن في الواقع كما أشرنا أعلاه إن نسبة تتراوح بين ٢،٣ و٤،١ في المئة من أفراد البشرية يحملون هذه الجنية إذا هم موجودون في الغرب وفي الشرق وفي الجنوب والشمال وفي محيط الزعماء، ذلك أن قوانين النسب المئوية باردة لا تتغير: المثلية موجودة ولكنها بسبب الضغوط الاجتماعية متوارية عن الأنظار، ومهما فرضت قوانين فإن هذه النسبة لن تتغير فقط سيختبئ المثليون في مجتمع مواز سري كما هو الحال في العديد من المجتمعات العربية.