الشبان اليهود في الولايات المتحـدة: واقــع جـديـد بـعـد “هـزّة” 7 أكتوبر
عندما بدأت الدراسة في الجامعة قبل ثلاث سنوات كانت لودا سخاروف طالبة في الدفعة الأولى في برنامج جديد أطلقته «هيلل»، التنظيم الجامعي اليهودي. هذا البرنامج هدف الى إعداد الطلاب كمحامين يدافعون عن إسرائيل. في ذلك الوقت لم تخصص لودا الوقت الكثير لذلك. «في كل مرة كان فيها اشتعال في إسرائيل كان يجب علينا التجند والتأكد من أن الطلاب في الجامعة لن يقوموا باستغلال هذه الفرصة لتمرير قرارات لحركة بي.دي.اس»، قالت. «لكن طوال الوقت كان يمكننا ادارة روتين حياتنا بدون التفكير كثيراً بما يحدث في الشرق الاوسط».
في السنوات الاخيرة ابتعدت سخاروف، التي أنهت الدراسة في جامعة اورغون، عن الدفاع عن اسرائيل. وبدلا من ذلك فقد كرست جهدها على دورها كرئيسة لاتحاد الطلبة.
كل ذلك تغير في 7 اكتوبر. منذ هجوم حماس على اسرائيل عادت سخاروف للعمل في الدعاية بوظيفة كاملة، وانضمت لشبكة القيادة الاسرائيلية لـ «هيلل»، وفيها تعمل باسم اسرائيل. «في هذه الاثناء كل حياتنا تتركز على ما يحدث في اسرائيل»، قالت. «لا يمكن التملص من ذلك».
7 أكتوبر ونتائجه حولت ايضا جايك برستاين الى ناشط، لكن على الجانب الآخر للمتراس. «بعد 7 اكتوبر شعرت أن الحزن على فقدان الحياة في اسرائيل قد انقطع بسبب أفعال وأقوال وزراء الحكومة الذين بدؤوا في التعبير بأقوال ومقارنات مخيفة مثل تسمية الفلسطينيين «حيوانات بشرية»، والدعوة الى «تسوية القطاع»، قال الطالب الذي يتعلم للقب الثاني في معهد برات في نيويورك. «شعرت أن يهوديتي تدعوني للقيام وعمل كل ما يمكن من اجل جلب السلام للمنطقة».
برستاين الذي يتعلم النحت، انضم لمجموعة مناهضة للصهيونية باسم «صوت يهودي للسلام» (جي.في.بي). هذه المجموعة تنشط في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والتي ملأت الولايات المتحدة في الاسابيع الاخيرة. «أنا وجدت مجتمعاً مدهشاً مع أشخاص من كل الأعمار»، قال.
7 أكتوبر والحرب بعده هزت اليهود في اميركا حتى اعماقهم، لا سيما الطلاب الذين عانوا من آثار الحرب في الجامعات. حتى قبل الحرب لم يكن بالامكان نفي ابتعاد الجيل الشاب عن اسرائيل. احيانا تعودوا على تفسير ذلك بالتصادم بين القيم المتقدمة لهذه المجموعة وبين الحكومة اليمينية – الدينية في اسرائيل. شباب يهود في الولايات المتحدة يجدون صعوبة في استيعاب الاحتلال المتواصل وخرق حقوق الإنسان للفلسطينيين الخاضعين لسيطرة إسرائيل.
استطلاع اجراه مركز الأبحاث «بيو» في العام 2021 اظهر أن 48 في المئة من يهود أميركا، في أعمار 18 – 29، شعروا بالصلة مع إسرائيل، مقابل 67 في المئة في أوساط الأكبر سنا. استطلاع اجراه معهد «الناخب اليهودي» في السنة نفسها اظهر أن 33 في المئة من يهود أميركا الذين لم يكملوا الأربعين سنة من عمرهم وافقوا على مقولة أن «إسرائيل ترتكب إبادة ضد الفلسطينيين»، مقابل 15 في المئة فقط في أوساط الأكبر سنا. ايضا في الاستطلاع نفسه ظهر أن 20 في المئة من فئة الشباب وافقت على مقولة «لا يوجد لإسرائيل أي حق في الوجود»، مقابل 3 في المئة فقط من فئة الأكبر سنا.
الاتجاه العكسي
كثيرون توقعوا أنه في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر سيعزز أعضاء اليسار اليهودي من الشباب علاقتهم مع إسرائيل. بالنسبة لنوح ليدرمان، طالب في السنة الاولى في جامعة كولومبيا، الذي يعتبر نفسه «يهودي صهيوني فخور»، هذا بالتأكيد يظهر هكذا، على الاقل في البداية. عندما شارك للمرة الاولى في اعتصام مؤيد لاسرائيل في الجامعة، بعد بضعة ايام على المذبحة، لاحظ أن الامر لا يتعلق بالجمهور العادي. «الجميع كانوا هناك، ببساطة الجميع. حتى الطلاب اليهود الذين كنت اعرفهم كمناهضين فخورين للصهيونية».
في اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل بالهجوم المضاد وضمن ذلك العملية البرية في غزة، وفي اللحظة التي ارتفع فيها عدد الضحايا الفلسطينيين بشكل كبير، انعكس الاتجاه. عندما تتواصل الأخبار من إسرائيل ومن غزة الظهور في عناوين الأخبار في الولايات المتحدة، حيث أن لكل طالب في الجامعة رأي قاطع حول الوضع فان الكثير من اليهود الشباب في أميركا شعروا أنه في هذه المرة هم لا يمكنهم الجلوس على الجدار. رئيس ومدير عام «هيلل انترناشيونال»، آدم ليهمان، أشار الى أنه منذ 7 أكتوبر ازدادت القيادة في إسرائيل، من 200 عضو الى 400 عضو، والمشاركة في النشاطات المتعلقة بإسرائيل برعاية المنظمة ارتفعت بشكل كبير. وحسب قوله «نحن شاهدنا زيادة واضحة في المشاركة وفي الدعاية المؤيدة لإسرائيل».
سارة بروخين، ناشطة في «هيلل» منذ السنة الأولى لها في جامعة كاليفورنيا قالت: «أنا اكتب شهادة الدكتوراه عن السياسة الداخلية الإسرائيلية»، هي أيضا انتبهت للتغيير. «يوجد لـ 7 أكتوبر تأثير على الطلاب الذين كانوا في السابق مسيسين أقل مني»، قالت طالبة العلوم السياسية. «ليس لأنهم يظهرون فجأة في الاعتصامات المؤيدة لإسرائيل، بل لأنهم اصبحوا يدركون أكثر ما يحدث في اسرائيل وازدياد اللاسامية في الجامعة والحاجة الى الدفاع عن اسرائيل».
لكن مثل برستاين هناك ايضا طلاب يهود ينتقلون بشكل قاطع الى الجانب الآخر. حسب المتحدثة بلسان «جي.في.بي» فانه منذ 7 أكتوبر تضاعف عدد الأعضاء في الحركة اليهودية المناهضة للصهيونية، التي مسجل فيها الآن نحو 720 ألف شخص. وحسب قولها فان هذا العدد يشمل «أشخاصاً سجلوا للحصول على رسائلنا الإخبارية وهم يشاركون بشكل نشط في «جي.في.بي»، حوالي 23 ألف شخص يدفعون رسوم العضوية.
ج.، الذي طلب عدم ذكر اسمه، هو شخص جديد نسبياً على القضية الفلسطينية. ج. هو طالب للقب الثاني في الهندسة المعمارية في هارفارد قال إنه شارك في اعتصام واحد مؤيد للفلسطينيين في 7 اكتوبر. «أنا اعتقدت أن هذا يخدم الهدف، وأنه مهم أن اكون هناك، لكن في تلك الفترة خشيت من التعبير عن نفسي»، قال. بالنسبة له المذبحة كانت «مفترق طرق». «كان لي ردان أوليان على ما حدث. الأول هو الرعب والصدمة من القتل الذي نفذه رجال حماس. في الوقت نفسه كانت لدي تخوفات حول ما سيحدث للغزيين. شعرت أنني لم أعد استطيع مواصلة الصمت. بعد بضعة أيام انضم ج.، الذي ترعرع في عائلة إصلاحية في كنزاس سيتي، الى مجموعة «يهود هارفارد من اجل فلسطين». واليوم هو عضو في طاقم هذه المنظمة.
محاضر في التاريخ اليهودي في جامعة كاليفورنيا، البروفسور دافيد مايرس، شاهد الطلاب وهم يذهبون في كل الاتجاهات بعد المذبحة. «بالنسبة لكثيرين منهم هذا كان تحذيرا صادما عن الطريقة التي فيها الجمهور حولهم يرى اليهود»، قال. «مع ذلك أنا اعتقد أن هناك كثيرين يرون الحرب في غزة التجلي لكل ما تشوش في الصهيونية».
نائب الرئيس للشؤون الدولية في جامعة كونتيكت، البروفيسور دانييل فاينر، قال بأن الوقت ما زال مبكرا لقول كيف سيؤثر 7 اكتوبر على الجيل الشاب ليهود أميركا. «أنا لا اريد المبالغة، لكني أرى أن طلاب يهود يعودون الآن الى هويتهم بطريقة مختلفة عن الطريقة السابقة»، اشار فاينر. «هذا أمر صحي».
عن «هآرتس»