صفقة مقابل وقف القتال؟ هزيمة خطيرة وغير مسبوقة
«معاريف»
في هذا المقال، أوجه نقدا شديدا لسلوك المستوى السياسي وهيئة الأركان في حرب السيوف الحديدية، وعليه فمن المهم الاستباق والإشارة إلى أن كل ما يقال لاحقا لا يأتي لأن يقلل بحد ذاته من بطولة المقاتلين والقادة في الميدان. كل ما تبقى لنا نحن المواطنين هو أن نؤدي التحية لشجاعة وتضحية المقاتلين وندمع على كل شهيد وجريح. بطولتهم سنتحدث عنها لأجيال كثيرة أخرى. لكن بعد أكثر من 100 يوم على القتال يجب النظر إلى الواقع في العينين – والواقع صعب.
في خان يونس، نحن لا نزال نوجد في المرحلة الثانية من المناورة البرية، حيث تقاتل قوات الجيش ضد «حماس» على الأرض وتحت الأرض. في رفح وفي محور فيلادلفيا لم نبدأ بعد المرحلة الأولى من المناورة البرية، و»حماس» لا تزال تتحكم هناك عسكريا ومدنيا. وحتى في شمال القطاع لا يتحكم الجيش الإسرائيلي بشكل كامل. مع إخراج جزء من القوات من هناك، بدأت رشقات الصواريخ نحو إسرائيل. في يومي الاثنين والثلاثاء، أطلقت من شمال القطاع عشرات الصواريخ نحو سديروت والجنوب.
واضح في هذه الظروف أن عشرات الآلاف الذين اخلوا من غلاف غزة، في سديروت، نتيفوت وبلدات أخرى لن يعودوا إلى بيوتهم كي يعيشوا في واقع 6 أكتوبر. اليوم، سوق جباليا تعج بالحياة، بينما الأسواق في سديروت ونتيفوت مقفرة. آلاف اللاجئين الغزيين الذين غادروا إلى الجنوب بدؤوا يعودون إلى شمال القطاع وبينهم نشطاء «حماس» كثيرون. وإسرائيل؟ تواصل السماح بإدخال قوافل الوقود والغذاء كـ»مساعدة إنسانية» إلى القطاع، بينما معروف أن قسما كبيرا من هذه المساعدة تصل إلى «حماس» وليس إلى السكان.
منذ تحرير المخطوفين قبل نحو شهرين، الضغط الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لم يؤدِ حتى إلى تحرير مخطوف واحد إضافي. والآن، حين تقلص إسرائيل الضغط العسكري وتخرج قوات من القطاع، فإن دافع «حماس» لتحرير مزيد من المخطوفين سيقل فقط. القيادة العليا للجيش الإسرائيلي هجرت هدف السيطرة على كل قطاع غزة وإسقاط حكم «حماس»، وتقترح بدلا من هذا إقامة حزام امني، اجتياحات لوائية وحرب استنزاف. فضلا عن ذلك، فإن الجهود لتحقيق خطة لبناء جدار في محور فيلادلفيا، تفيد بأن هيئة الأركان، وزير الدفاع ورئيس الوزراء يعتزمون السماح لـ»حماس» مواصلة السيطرة في أجزاء من قطاع غزة حتى في المستقبل ويفضلون الاكتفاء بالانتشار لإحباط تهريب السلاح لمنظمة الإرهاب.
دون أي انتقاد في الاستديوهات
نحن ملزمون بأن نكون مستقيمين مع انفسنا. لو قالوا لنا في بداية الحرب، إنه بعد ثلاثة اشهر من القتال هكذا سيكون الواقع، ما كان لأي منا سيصدق أن هذا ما سيكون. عن هذا الواقع البشع لن تسمعوا شيئا على لسان معظم المراسلين العسكريين، المحللين في الاستديوهات والجنرالات في الاحتياط. كل هؤلاء لا يقولون كلمة نقد واحدة على هيئة الأركان ويهاجمون بغضب كل من يتجرأ على انتقاد القيادة العليا.
والآن تتعاظم الضغوط على القيادة السياسية لوقف القتال حتى قبل تحقيق الهدف المركزي للحرب – إسقاط حكم «حماس» من ناحية عسكرية ومدنية. غير قليل من السياسيين، واكثر من هذا من الجنرالات في الاحتياط يقترحون العمل على صفقة مخطوفين تتضمن وقف القتال ويؤيدون هجر الهدف الحيوي المتمثل بإسقاط «حماس». يشرحون لنا أن إسرائيل ستعالج «حماس» في وقت ما، في موعد غير معروف.
من المهم أن نفهم أن صفقة تحرير مخطوفين تتضمن وقفا للقتال وتحرير آلاف القتلة، معناها واحد ووحيد وهو هزيمة لم تتكبد إسرائيل مثيلا لها وانتصار هائل لـ»حماس»، لباقي منظمات الإرهاب ولكل الراغبين في إبادتنا. صفقة كهذه ستضع في خطر جسيم امن كل مواطني إسرائيل بل ومجرد وجود الدولة. الرسالة التي ستصدح في كل أرجاء الشرق الأوسط وفي العالم كله هو أن إسرائيل اضعف من أي وقت مضى وليس بوسعها أن تتغلب حتى على منظمة إرهاب متوسطة. أعداؤنا سيفهمون أن كل من يختطف مدنيين أو جنودا إسرائيليين يمكن أن ينزل الدولة كلها على ركبتيها وقدرة ردع إسرائيل ستختفي كما لم تكن.
سأوضح وأقول، إن ليس لي ذرة احتجاج على عائلات المخطوفين. لو كنت مكانهم لفعلت بالضبط ما يفعلونه بل وربما اكثر. جدالي هو مع أولئك الجنرالات في الاحتياط والسياسيين الذين يفهمون جيدا معنى التنازل عن هدف إسقاط حكم «حماس». لمن يفضل أن ينسى، ففي صفقة شاليت أيضا ايد الكثير جدا من الجنرالات في الاحتياط، قادة جهاز الأمن وكل السياسيين تقريبا.
غادي آيزنكوت كان محقا حين قال، انه «يجب أن نتوقف عن الكذب بأنفسنا» وان هذا «زمن حرج لاتخاذ قرارات شجاعة». وأنا أضيف، هكذا يجب التصرف في كل المواضيع التي على جدول الأعمال. ينبغي أن تقال للجمهور الحقيقة الحزينة. يحتمل انه لا يوجد «هذا وذاك». بمعنى قد لا ننجح في أن نحقق إسقاط «حماس» وتحرير المخطوفين على حد سواء. يحتمل أن هذا وضع «إما أو». بالطبع لا يجب وقف الجهود لإعادة المخطوفين إلى الديار، لكن من المحظور بأي حال التنازل عن التصفية التامة لحكم «حماس»، من ناحية عسكرية ومدنية. وحتى ذلك الحين، لا يجب وقف مرحلة «القتال الشديد» ولا حتى للحظة.
مليونا غزي علينا
الموضوع الثاني الذي يجب أن تقال فيه الحقيقة في شأنه للجمهور، هو أنه في اليوم التالي للحرب لا توجد إلا إمكانيتان اثنتان: الخيار الأول، الذي يقوله بتسلئيل سموتريتش بصوت عال، وبيبي نتنياهو يؤيده بصمت، هو أن إسرائيل ستعود لتحكم بحكم كامل للغاية على مليوني فلسطيني. بمعنى أنها ستهتم بكل احتياجاتهم، ستقيم في قطاع غزة حكما مدنيا سيكلف 20 – 30 مليار شيكل من أموال دافع الضرائب الإسرائيلي في كل سنة، ستبني مستوطنات في قلب ملايين الغزيين وستعلق بنفسها في عزلة سياسية في العالم كله، وبخاصة بين أصدقائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تعارض هذا الخيار معارضة تامة.
الخيار الثاني هو أن تعود السلطة الفلسطينية إلى الحكم بهذا الشكل أو ذاك، حكما مدنيا في قطاع غزة (إلى جانب حكمنا الأمني)، بالضبط مثلما تحكم حكما مدنيا على ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة وتهتم بكل احتياجاتهم وذلك تحت رقابة الدول العربية الغنية التي في هذه الإمكانية ستضخ مليارات الدولارات لإعمار القطاع. هذان هما الخيارات الواقعيان الوحيدان، وكل أضغاث الأحلام في أن يختفي الغزيون أو أن تأتي قوة متعددة الجنسيات لتحكم في القطاع، هي هذيان عديم الاحتمال.
في الماضي، تبنى آيزنكوت الخيار الثاني وادعى منذ 2019 بأنه «يجب العمل على إنهاء حكم (حماس) وان يدير القطاع جسم معتدل، وهذا يمكنه أن يكون السلطة الفلسطينية فقط». أما، اليوم، فليس واضحا ما هو موقف آيزنكوت وغانتس في الموضوع. مهما يكن من أمر، واجب هيئة الأركان أن توصي المستوى السياسي بما هو الخيار الصحيح من ناحية أمنية ولا أن تنتظر بصفر فعل إلى أن يتخذ المستوى السياسي القرار. بالطبع، القرار النهائي سيكون للمستوى السياسي.
إن المسؤولية عن الواقع البشع الذي اصفه في المقال تقع أولا وقبل كل شيء على «كابنيت» الحرب، رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس الأركان. «كابنيت» الحرب وهيئة الأركان ملزمان بإعادة البدء، الصحوة والتخطيط من جديد لكيفية تحقيق الهدف المركزي والاهم للحرب: إسقاط عسكري ومدني لـ»حماس». عليهم أن يفهموا أنهم ملزمون بالنصر في هذه الحرب وبتصفية حكم «حماس» من اجل مستقبل الدولة ومن اجل مستقبل أبنائنا.
*وزير سابق من حزب العمل.