الرئيسية » صحافة اسرائيل »

أكبر إخفاقين أمنيين: استهتار متكرر يكبّد إسرائيل أثماناً باهظة

بقلم: دان أركين

عن “إسرائيل ديفينس”

اندلعت حرب “يوم الغفران” في 6 تشرين الأول 1973، بينما اندلعت حروب “السيوف الحديدية”، و”سهام الشمال”، و”نظام جديد” في 7 تشرين الأول 2023. إن التوقيت الذي يفصل هذين الحدثين المأساويَين هو 50 عاماً يعيد إلى الأذهان أكبر إخفاقين أمنيَين في تاريخ إسرائيل.
وهذا التقارب في التواريخ صادم؛ إذ إن الجمهور واجه، يوماً بعد يوم، وبفارق 50 عاماً، إخفاقين من أكبر الإخفاقات في تاريخ الدولة، وقد قيل قديماً، إن الإخفاق إذا وقع مرة واحدة فإنه قد يُغتفر، لكنه إذا تكرر، فلا مغفرة ولا تسامح. لقد ارتكبت القيادات العليا للدولة أخطاء جسيمة في المرحلتَين كلتيهما؛ فهاتان الحربان كان في الإمكان منعهما، ولم تكن هناك ضرورة لحدوثهما. وقد قُتل الآلاف من الجنود وجُرحوا، واختُطف مواطنون، وتم تهجير عشرات الآلاف من المواطنين من منازلهم المدمرة، وتكبدت الدولة وسكانها ومؤسساتها خسائر هائلة.
على مدار العام الماضي المروّع، سمعنا وقرأنا ملايين الكلمات والتحليلات بشأن 7 تشرين الأول، بشأن الأسباب، والإجابات عن أبسط الأسئلة على غرار “كيف حدث ذلك؟”، و”كيف كان من الممكن أن يحدث؟”، و”أين كان الجميع؟”، و”أين كانت الحكومة ورئيسها؟ وأين كان الوزراء؟ بل أين كان الجيش، و(الشاباك)، وكل من كان من واجبه المحافظة على أمن سكان دولة إسرائيل؟”
لوصف “كيف حدث ذلك”، تم استخدام كل التعبيرات التي يقدمها القاموس: الغطرسة، والهبريس [1] والثقة المفرطة بالنفس، و”أنا وليأتِ من بعدي الطوفان”، والتكبر، والغرور، والاستهانة. دعونا نركز على كلمة الاستهانة؛ ففي قاموس أكسفورد العبري – الإنكليزي، تُترجَم الكلمة العبرية المستخدمة لتوصيف ما حدث (وهي كلمة “زِلزول”) إلى عدة مصطلحات في الإنكليزية، وتحمل معانيَ متنوعة: عدم الاحترام، والتقليل من شأن الآخرين، والاستخفاف. كل هذا كان قائماً في القيادة السياسية – العسكرية حتى 7 تشرين الأول في الساعة 06:29 صباحاً. ولعل هذه الكلمة هي التي ستكون افتتاحية تقرير لجنة التحقيق الوطنية عندما يتم تشكيلها.
ما حدث كان استهانة شاملة، وخطِرة، ومقلقة؛ استهانة بالأوامر والإجراءات، واستهانة بالتعليمات الثابتة، وبتعليمات القيادة العليا، وبالأنظمة، وبالنظام الصحيح، كما أنه استهانة بعمل الآخرين، وبرأي المراتب الدنيا، وخصوصاً إذا كان العنصر ذا رتبة منخفضة بدرجة ضابط صف. فضلاً عن أنه استهانة بما تراه جنديات المراقبة عبر الشاشات وما يبلّغن به، وبما تكتبه جندية (لأنها ليست ضابطة) عما تراه وتعرفه وتفهمه بشأن ما سيحدث. إن الأمر أيضاً استهانة من ضابط برتبة مقدَّم بما تبلّغه رقيبة لأنها أنثى أدنى منه منزلة، ومن جانب لواء في الجيش الإسرائيلي يتلقى التقارير ليلاً، ويحدد اجتماعاً لليوم التالي في الساعة 08:00 صباحاً.
ما حدث هو استهانة، بطريقة تكاد تكون إجرامية، بالتقارير الاستخباراتية على مختلف المستويات، وبما كتبه الأكاديميون المتخصصون في المجالات ذات الصلة، واستهانة وازدراء كاملان من الساسة تجاه مَن تجرّؤوا على الاحتجاج ضد محاولات إسكات الأصوات، والاقتراب من الديكتاتورية، والمبادرات التي تهدف إلى قلب النظام، وبقضاة المحكمة العليا، وصيحات استهزاء بادية في أصوات أعضاء الكنيست، والتي تدعو إلى “إرسال” طياري السرب 69 إلى الجحيم، وهو السرب الذي قضى على نصر الله في مخبئه في بيروت.
لقد أثبتت السنة الماضية أن الاستخبارات موجودة، وأن الجهات المهنية في الاستخبارات قدّمت توقعات دقيقة، وأن المعلومات الاستخباراتية التي تنبأت بأحداث 7 تشرين الأول كانت موجودة، وتم توزيعها على صانعي القرار وكبار المسؤولين، ووُضعت على المكاتب المعنية، لكن تم التعامل معها باستهانة لأنها لم تتناسب مع “التصور السائد”. وحدث ذلك الآن، كما حدث قبل حرب يوم الغفران، حينما قال ساسة إسرائيليون، إن “الجيش المصري لن يجرؤ على عبور القناة”، وهي مقولة مطابقة تماماً لمقولة “حماس لن تنجح في اجتياز السياج”.
كانت هناك إشارات واضحة، وشهادات عينية، وتسجيلات، وإشارات استخباراتية، وتصريحات مكتوبة وشفوية من العدو في مواد مكشوفة وتقارير سرية. وكل هذا كان موجوداً وقوبل باستهانة عميقة عشية 6 تشرين الأول 1973 إزاء تقارير بشأن إجلاء عائلات الخبراء السوفياتيين من مصر، وتدريبات عبور قناة السويس، تماماً كما حدث مع الاستخفاف بالتقارير التحذيرية عن تدريبات اقتراب من السياج، واستخدام سيارات تويوتا من جانب “حماس” عشية 7 تشرين الأول 2023.
لقد أثبتت سنة مضت من الحرب على قطاع غزة وفي لبنان مؤخراً أن الاستخبارات تجيد عملها، فهي تعرف كيف تجمع المعلومات الاستخباراتية؛ إذ إن شعبة الاستخبارات العسكرية، تقوم بالبحث، وتوزع المعلومات. أمّا ما يجب التحقيق فيه بصورة أعمق في لجان التحقيق المتعددة، سواء العسكرية أو المدنية، فهو يتعلق بصورة أقل بالجوانب المهنية، وأكثر بالجوانب النفسية والذهنية للعاملين في هذا المجال.
كيف يمكننا أن نعلّم القادة والضباط من جميع الرتب؛ من رقيب وملازم وحتى لواء، كيف يتعاملون بجدية مع مرؤوسيهم، ومع المواد التي يقدّمونها إليهم؟ وكيف نشكّل آليات تضمن وصول جميع المعلومات الضرورية إلى القائد لاتخاذ القرارات والقيام بمهامه، مع التشديد على “كل المعلومات”، بما في ذلك الأمور التي يمكن أن يعتقد شخص ما أن القائد لن يرغب في قراءتها لأنها لا تتفق مع رأيه. وفي إطار استخلاص العِبَر من الحروب السابقة، تم إنشاء وحدات “إيفخا مستبرّا”[2] أو وحدات “المراقبة”، لكن يبدو أن هذه الوحدات، في 7 تشرين الأول، لم تقم بعملها.
تثبت النجاحات الكبيرة التي حققها الجيش الإسرائيلي في الحروب على قطاع غزة ولبنان خلال السنة الفائتة معادلة إخفاق 7 تشرين الأول؛ كانت هناك معلومات، وكانت هناك استخبارات، وكانت هناك قدرات، لكن عندما يسود الاستهتار، تأتي الكارثة. وهناك درس آخر من ذلك اليوم، وهو خيبة الأمل من العالم الكبير الواقع وراء البحار؛ ففي كلتا الحربين (أوكرانيا، و7 تشرين الأول)، قامت قوة عظمى ومنظمة “إرهابية” بغزو دولة مجاورة من دون أي استفزاز.
أمّا العالم الحُر، فيتصرف كما لو كان جالساً على الجدار، فهو يردّ من بعيد، ويحذر من الاقتراب أكثر من اللازم إلى النار. ويزود هذا العالم جيش أوكرانيا بأحدث الأسلحة والذخائر، كما هبطت طائرات عملاقة في مطار بن غوريون وزودت الجيش الإسرائيلي بمعدات عسكرية من الولايات المتحدة، ومع هذا، فإنه لا يوجد تدخّل عسكري من قوات الحلفاء. هكذا تجري الأمور في القرن الحادي والعشرين، بعكس القرن العشرين؛ عندما أرسل الحلفاء جيوشاً ضخمة لإنقاذ أوروبا من الأنظمة الديكتاتورية القاتلة.
منذ انطلاق حرب “السيوف الحديدية”، وحتى ليلتين من هجمات الصواريخ الإيرانية، إحداهما، الأسبوع الماضي، يقف بحزم إلى جانب إسرائيل قائد الدولة الأقوى في العالم، الرئيس جو بايدن. أمّا الحلفاء الآخرون، فقد كانوا مخيبين للآمال بشدة؛ فبريطانيا أعلنت حظراً جزئياً للأسلحة، وهولندا فعلت الأمر نفسه. وفي فرنسا، تم منع مشاركة إسرائيل في معرض الطيران، ولا توجد توقعات كبيرة من باريس، وهي، كحدّ أقصى، يمكنها ربما المساعدة في التقدم نحو حل ما في لبنان.
أمّا السياسة الأميركية تجاه الحوثيين في اليمن، فهي غريبة؛ إذ يطلق الحوثيون صواريخ في اتجاه إسرائيل كل بضعة أيام، وقبالتهم، في البحر الأحمر، يقف الأسطول الخامس للولايات المتحدة، وهو قوة بحرية هائلة مزودة بأسلحة هجومية ومئات الطائرات المقاتلة والذخائر. وفي الإقليم بأسره، بما يشمل شرق البحر الأبيض المتوسط، هناك حاملات طائرات والأسطول السادس، كلها تجوب المنطقة. ومع ذلك يبدو أن القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” في حالة سبات، بينما الحوثيون يتسلحون بسرعة ويهاجمون البلد من إيلات جنوباً حتى تل أبيب شمالاً، من دون رد من الأسطول الخامس للولايات المتحدة. وليس لدينا في إسرائيل، في هذا المضمار، ما نعتمد عليه سوى منظومة “حيتس 2″ و”حيتس 3”.
هذا هو حال العالم في سنة 2024؛ قوة عظمى (روسيا) ومنظمتان “إرهابيتان” (“حماس” و”حزب الله”) يغزون، ويهاجمون، ويدمرون، ويقتلون، بينما العالم الحر يقدّم المساعدة بسخاء، لكنه يتجنب التدخل المباشر. وفي ساحات العواصم الأوروبية، وفي الجامعات الأميركية، وفي الدول التي تُعتبر “صديقة” لإسرائيل، يتجمع الملايين من الناس الذين لا يدينون “المعتدي”، إنما يهاجمون الضحية.

________

[1] الهبريس (Hybris أو Hubris) هو مصطلح قديم يأتي من اللغة اليونانية ويعني الغطرسة أو التكبر المفرط، وخاصة عندما يكون مرتبطاً بتحدي أو تجاهل القوانين الأخلاقية أو الآلهة. في الأدب الكلاسيكي غالباً ما يرتبط الهبريس بالشخصيات التي تتصرف بتكبر شديد وثقة مفرطة بالنفس، ما يؤدي في النهاية إلى سقوطها أو معاناتها من العواقب الوخيمة. في السياقات الحديثة، يستخدم المصطلح للإشارة إلى الأشخاص الذين يتجاوزون حدودهم بشكل مغرور أو الذين يستخفون بالتحذيرات أو بالعواقب نتيجة لثقتهم الزائدة.

[2] توجّه يستخدم استخباراتيا في المشهد الإسرائيلي، وهو يتلخص في استعراض توجهات تتعارض بشكل منهجي مع التوجه السائد في المنظمة الاستخباراتية، بهدف كسر التفكير النمطي، والمصطلح الذي تستخدمه الاستخبارات، وترجع التسمية إلى التلمود البابلي، وتعني التشكيك بأمور يبدو معاكسها أكثر منطقية.

 

 

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings