إسرائيل على مفترق سياسي بعد تصفية السنوار
عن “يديعوت”
يضع قتل يحيى السنوار أمام حكومة إسرائيل إمكانية لتتخذ قرارين تاريخيين حاسمين: الأول عقد صفقة مخطوفين تنقذ في اللحظة الأخيرة قبل أن يصبحوا رون أراد، ممن لا يزالون على قيد الحياة في غزة، وجثامين الآخرين ممن لن يصار إلى البحث عنهم إلى الأبد. الثاني هو السعي إلى إنهاء الحرب في غزة، إذ بعد أن أعلن الجيش منذ زمن بعيد النصر، ما الذي يمكن أن يحصل في ميدان المعركة ليشكل هذا النصر؟
ستثبت الأيام القادمة هل وجهة حكومة إسرائيل هي استغلال اللحظة التاريخية التي وقعت في ايديها كي تبادر إلى خطوة شاملة، لعقد صفقة وإنهاء الحرب متعددة الساحات باتفاق يلبي احتياجات الأمن لإسرائيل ويتضمن أيضا تنازلات، وأساسا فيما يتعلق بمطالب أعضاء الائتلاف المتطرفين أم ستسير في طريقهم وتستغل اللحظة كي تواصل المناوشة على طول وعرض الشرق الأوسط، إلى مزيد من القتلى، الأسرى، وترك المخطوفين لمصيرهم، ربما إلى الأبد.
في 25 آب، صدح كالبرق نبأ أولي من عمق مراكز النار ومقرات القيادة في الجنوب وفي “الشاباك”: يحتمل أن يكون يحيى السنوار لاقى حتفه في قصف شديد وجه إلى المكان الذي اعتقد أنه يحتمل أن يكون يختبئ فيه مع مسؤولين كبار في لواء “حماس” في منطقة تل السلطان.
بعد وقت قصير من ذلك تجاوز الجيش النبأ بخيبة أمل. هذا لم يكن هو. ربما مسؤول آخر لكنه ليس كبيرا جدا. خط واضح لا بد سيكون الحديث عنه لاحقا يربط بين هذا الحدث والعثور على المخطوف البدوي بعد يومين من ذلك قرب المكان، والبحث عن السنوار في المنطقة، وإعدام ستة مخطوفين على مسافة بضع مئات الأمتار عن هناك والعثور المفزع على جثثهم.
يمر الخط ذاته أيضا في طريق العثور على غرض كان واضحا أنه يرتبط بالسنوار في ذاك النفق، عبر إضاعة كل إشارة حياة من السنوار ابتداء من 25 آب، عبر إضاعة كل مؤشر إلى أن كان هناك من كانوا مقتنعين بأنه بات في الطريق ليلتقي نصر الله، عبر تلقي إشارة حياة منه – رسالة إلى الدوحة بأنه يوافق على موافقة “حماس” على منحى قطر في 3 تموز وحتى موته بالصدفة، يوم الأربعاء، واكتشاف جثته في الغداة بالصدفة أيضا.
للمطلعين على التاريخ العسكري، ذكّرت لحظة الصدفة هذه على الفور بلحظة أخرى غير ذات صلة بها. ففي بداية كانون الثاني 1948، بعد نحو شهر من بداية “حرب الاستقلال” وقبل الإعلان عن الدولة، أمرت القيادة القطرية لـ”الهاغناه” بتنفيذ أمر “زرزير” بسجل أسماء 22 زعيما فلسطينيا بهدف المس الفوري بهم. تلقى قائد وحدة المستعربين أمرا بأن “يصفي دون إذن آخر الشخصيات التالية”.
“كان المقصود المس عند الحاجة بأهداف محددة داخل بلدات عربية شكلت مراكز نشاط ضدنا وكذا شخصيات وقادة عرب معادين والامتناع قدر الإمكان عن العقاب الجماعي”، كما شرح ايسر هرئيل، قائد الاستخبارات في “الهاغناه” ولاحقا رئيس “الموساد”.
الاسم الأول، المسلم به في القائمة، كان اسم المفتي أمين الحسيني. والثاني في القائمة كان ابن عمه، عبد القادر الحسيني، الذي كان يعتبر الزعيم العسكري للطرف العربي. والثالث: قائد القوات الجنوبية، حسن سلامة، ابن عائلة كادحة من قرية قولة على السهل الساحلي. جهود جبارة، بتعابير ذلك الوقت، بذلت لأجل قتل القائدين العسكريين. تنصتات، كمائن، أُسقطت أشجار على الطريق لأجل المس بالمركبات التي كانا يستقلانها، الارتباط بخطوط الهاتف من داخل مبانٍ زراعية، وقوات “الهاغناه” التي خرجت في أعقاب معلومات استخبارية إلى مبنى الجيش البريطاني قرب الرملة. فجر المبنى على المتواجدين فيه، لكن المطلوبين لم يكونا هناك.
فقد أفلتا المرة تلو الأخرى، تلو الأخرى، نتيجة انعدام المهنية العملياتية. انعدام التجربة لدى قوات الاستخبارات والعمليات اليهودية، وكذا نتيجة الحظ والحرص من الطرف الآخر. لكن عندها، وبالصدفة تماما، في معركة قرب القسطل أصيب عبد القادر الحسيني بالنار دون أن يعرفوا من أطلق النار عليه من أصابوا.
لقاءات التقويم التي أجريت، أول من أمس، بعد أن علم بتصفية السنوار أنتجت استنتاجات غامضة. في المدى الزمني الفوري لا يبدو ثمة مستقبل لامع لموضوع المخطوفين. إلى جانب الفرح الواضح لتصفية السنوار، والذي يتشارك فيه الجمهور، فهموا أيضا أن “حماس” أدخلت إلى حيز التنفيذ خطتها في حالة مقتل السنوار – وأخوه، الذي يبدو أنه يوجد في خان يونس، أمسك على الفور بدفة القيادة. يعتبر أخوه منفلتا و”متطرفاً” اكثر منه، لكن الأهم من ذلك: زعيم جديد في “حماس”، لن يتمكن من الموافقة، وبالتأكيد ليس في المرحلة الأولى، على اقل مما وافق عليه السنوار.
موضوع آخر يقلق جدا قادة جهاز الأمن وأسرة الاستخبارات هو أن موت القائد الكاريزماتي الذي بكلمته تتقرر الأمور من شأنه أن يتسبب في نهاية الأمر بتفكك ما للسيطرة في المنظمة أو أن تقرر خلايا الحراسة على المخطوفين أن تفعل ما تشاء، وربما أن تثأر من المخطوفين.
موضوع آخر هو فقدان السيطرة على مصيرهم في المستقبل القريب جدا. ينبغي أن نتذكر أن ليس كل المخطوفين يوجدون تحت سيطرة “حماس”، وبعضهم لدى “الجهاد” أو لدى جهات أخرى. وعدم التوقيع الفوري على اتفاق، وعدم دخول جهة حاكمة ذات مغزى إلى غزة، حتى وان كان هذا شيئا ما بشراكة “حماس”، قد يؤدي إلى خلق عشرات من أمثال “رون أراد”، مساعد الطيار الذي اختفى هو الآخر في إطار صراعات السيطرة بين الأطراف في لبنان.
لا توجد مؤشرات إلى وجود مخطوفين إلى جانب السنوار أو فتحة تحت أرضية خرج منها، ويبدو أنه اخطأ إذ صعد لتنفس الهواء النقي واعتقد أنه لا توجد قوات معادية في المنطقة.
السطر الأخير في المدى الزمني الفوري هو أن هذه “فرصة محظور تفويتها بأي حال” على حد تعبير مصدر امني كبير جدا. “البديل هو أن نفقد السيطرة على الحدث حيال خلايا فردية أو حيال شخص متطرف يفرض إمرته. على كل العقول في دولة إسرائيل أن تفكر الآن كيف نرفع الهواتف كي نحرك صفقة كي تقبل “حماس” أيضا أن ترفع الهاتف وتجلس وتتحدث”.
وأضاف أيضا وقال: “لأسفي أخشى أن تفعل حكومة إسرائيل العكس تماما وان إعلان نتنياهو يعطيهم إحساسا بأن إسرائيل لا تقصد صفقة على الإطلاق وان هذا هو الوقت لتشديد المواقف، وان نتنياهو سيعقد مداولات تتظاهر بالبحث في الموضوع، لكنه يقول مثلما في الماضي عندما أراد التسويف، لا تعودوا إلى الاقتراحات السابقة، فلا داعي الآن لتقويتهم، ويجب تنزيل الثمن لأننا نحن الآن متفوقون”.
وقال: “انتبه، كل رجال 7 تشرين الأول يتصورون الآن ويعقدون مؤتمرات صحافية لأن هذا حدث يغلق دائرة لنا جميعا لكن لهم أساسا. الرغبة في هزيمة “حماس”، وفي امتطاء الموجة، وفي فرض نظام جديد، هي أيضا ما يعطلنا. نريد أن نضربهم وهذا ما لا يرتبط بالضبط بالصفقات”.