الحل الأمني في سوريا: الإعلام يحسم السباق
بسّام الطيارة
السباق مع الوقت هو سمة حال الملف السوري. سباق بين الحل الأمني أي قمع الثورة، وبين الحل السياسي أي انتقال السلطة بعملية سياسية تشارك فيها المعارضة مع جزء من النظام لإيجاد مخرج لحكم نظام البعث. سباق أيضاً بين كافة أطياف المعارضة وصولاً لكسب اعتراف دولي «مبرم». سباق أيضاً بين مكونات المجلس الوطني السوري لتحديد استراتيجية واضحة بين طرف يريد الاستئثار بـ«سلطة المعارضة» وآخر يريد التقرب من أفرقاء معارضة داخلية يراها قادرة على تقوية الوقع الدبلوماسي الدولي للمجلس وبالتالي الموقف التفاوضي وصولاً للسلطة، بينما طرف ينتظر نتيحة الخلافات إن لم نقل يؤججها وصولاً للاستئثار بالمجلس ومقوماته. ويطغى السباق على المكاسب الإعلامية على كل هذه السباقات لأنه هو المؤشر الأول لتطور الصراع نحو كسب الرأي العام لتبرير ما قد يحصل ولتفسير لماذا يحصل.
على المكاسب الإعلامية
السباق على الأرض بدأ ينقلب لمصلحة نظام الأسد، إذا ابتعدنا عن الضوضاء الإعلامي الذي بدأ ينقلب سحره على ساحره. أفضل مثال كانت «تظاهرات المزة» التي ضخمها الإعلام الخارجي وجعلها تظاهرة في قلب دمشق وكأنها نتيجة لتفاقم الوضع بينما هي في الواقع مسيرة تشييع لشهيدين. مصدر معارض «مطل على مكان التظاهرة» أكد لـ«أخبار بووم» أولاً أن العدد بعيد جداً عن «ما نشرته الجزيرة أي ٣٠ ألفاً», وقال أنه لا يمكن أن عدد المشاركين الذين أطلقت النار عليهم السلطة الأمنية أن يتجاوز الـ ١٥٠٠ متظاهر. ولكن لماذا لم يصدر أي تعليق من السلطات الرسمية لتكذيب هذه الأرقام؟ يقول خبير فرنسي «بعيد عن صناعة القرار ومنتقد له»، كما يعرف بنفسه، بأن القوى التي وضعت نصب عيونها إسقاط النظام السوري وخلع بشار الأسد ترتكب أخطاء فادحة «تخدم النظام بشكل رهيب». وأن الاستراتيجية الإعلامية التي تطبق ونجحت في مناطق أخرى لا يمكن أن تنجح في سوريا التي تعلمت الدروس «وتستعمل قوة قناة الجزيرة لقلب الأمور لصالحها». ويشرح بأن «التهويل الإعلامي الذي تمارسه الجزيرة ومواقع إعلامية مناهضة للنظام» تساعد النظام الذي ترك خطوط الأنترنيت مفتوحة وكذلك شبكات إلتقاط المحطات الفضائية. وعندما تنزل تظاهرة لا يتجاوز أعدادها الـ ٣٠٠ وتقول قناة الجزيرة أنهم «آلاف» فهي قد تكتسب عواطف المشاهدين ويلحق بها عدد من المواقع الإعلامية لوضع أشرطتها على شبكة أنترنيت إلا أن النظام السوري يقطف مقابل هذا «مصداقية عند مواطنيه الذين رأوا مئاتاً»، وهكذا بدأت المعارضة تفقد تأييد «الأكثرية الصامتة»، ليس فقط بسبب الرعب الحقيقي الذي يسببه رجال النظام وشبيحته، ولكن بسبب غياب المصداقية التي ترافقها من الخارج ما يعطي لمقولة «المؤامرة» وزناً إعلامياً فاعلاً في الداخل. أضف إلى ذلك أن النظام وضع فريقاً إعلامياً مؤلفاً من حوالي ألف ناشط يعملون على شبكة الأنترنيت يشكلون «درعاً دفاعياً هجومياً» يعمل بانتظام وبقوة لم يشهدها العالم العربي سابقاً، يراقبون المواقع ويغزون المواقع المؤيدة للنظام بمعلومات مضادة، وعندما تكون معلومات المواقع المناهضة للنظام «فيها الكثير من التهويل والمزايدة المناقضة للحقيقة»، فإن درع أنترنت التابع للنظام يزيد من توزيعها ونشرها لدى «الذين شهدوا حقيقة ما حصل» وهكذا تم سحب مصداقية العديد من القنوات العربية والأجنبية والمواقع وحتى في بعض الأحيان بعض وكالات الأنباء التي تقع في فخ المزايدات.
على أرض المعارك
على أرض المعارك، وبخلاف ما تقوله القنوات الإعلامية، بدأت تفتر حدة المعارك. وأفضل مثال على ذلك في مدينة حمص، حيث بدأ الجيش يعيد انتشاره حول المدينة بعد أيام من القصف المرعب الذي «أفرغ الأحياء المؤيدة للجيش السوري الحر» من سكانها، وبالتالي لم يعد مثل «السمك في الماء». مصدر في حمص قال لـ«أخبار بووم» أن اتفاقاً غير معلن تم بين الجيش الرسمي والمقاتلين الثوار يسمح بموجبه الجيش للثوار بالانسحاب «باتجاه ادلب» من دون أن يتركوا أسلحتهم «كما حصل في الزبداني»، حيث قبل الجيش السوري بعد قصف عنيف للزبداني بأن «يخرج المسلحين من دون أسلحتهم ومن دون التعرض لهم» وهكذا حصل.
وفي حين يرى مقربون من الثوار أن هذا «الانسحاب هو تكتيكي» ويعدوه انتصاراً لأنهم أجبروا الجيش على «التفاوض معهم»، يرى آخرون بأنه فخ لأنه لو طلب منهم رمي السلاح ما كان يستطيع أن يوجههم حيث يشاء، فجل هم القوات السورية منع الثوار من التوجه إلى وادي خالد عبر الحدود اللبنانية. بينما ترك طريق درعا «سالكة من دون قصف» ما سمح للثوار المسلحين بالخروج في هذا الاتجاه «حيث يمكن للجيش أن يحصرهم في تلك المنطقة».
أما على صعيد التظاهرات، فهي ما زالت مستمرة في كافة المدن ولكن بشكل مختلف ويشرح معارض في الداخل لـ«أخبار بووم» كيف تحصل التظاهرات اليوم: يقول عندما يتظاهر حوالي الـ ٣٠٠ متظاهر يكون هناك حوالي الـ ٢٠٠ مراقب من التنسيقيات في الشوراع المتفرعة لمكان التجمع. وما أن يجتمع المتظاهرون يرفعون لافتة أو لافتتين ويتم تصويرها بسرعة مع بعض الهتافات. وبالطبع تتوجه القوى الأمنية بسرعة إلى المنطقة ولكن المراقبين المنتشرين يحذرون المتظاهرين قبل وصولهم فتتفرق المظاهرة.
وباتت السلطات تعمد إلى «قطع الهواتف الأرضية والخليوية وحتى الماء والكهرباء» في أي منطقة يعلن تواجد متظاهرين فيها. وحين تصل تكون التظاهرة قد تفرقت فتعمد السلطات إلى تفتيش المنازل والسؤال عن الهويات لمعرفة ما إذا كان يوجد «أغراب عن الحي» وللبحث عن منشورات أو يافطات التظاهرة. في هذا الوقت يكون المتظاهرون قد اجتمعوا في مكان آخر. وهكذا بين كر وفر بانتظار تعب أحد الفريقين.