الانتخابات الإيرانيّة: المحافظون ينافسون أنفسهم
معمر عطوي
تبدو الانتخابات التشريعية الإيرانية هذا العام (تُجرى في 2 آذار المقبل) في درجة أقل حدة لجهة مستوى المعركة التنافسية من الانتخابات التشريعية السابقة في العام 2008، حين كان معسكرا المحافظين والإصلاحيين على درجة أكبر من التناحر في معركة حددت صورة الانتخابات الرئاسية في العام 2009.
الواقع الذي تشي به معطيات حركة الترشيحات، التي يتحّكم بها مجلس صيانة الدستور لجهة وضع شروط الترشيح وصفات المرشّح، تؤكد بأن التنافس على أشدّه بين تيارين من المحافظين هذه المرة، هما تيار الرئيس محمود أحمدي نجاد وتيار رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، فيما توزّع الاصلاحيّون على لوائح صغيرة لا تشكل بمجملها معسكراً مواجهاً على الحلبة الانتخابية، في ظل إعلان أكبر تيارين إصلاحيين مقاطعتهما بسبب تشكيكهما بنزاهة الوصي على إدارة هذه العملية، الهادفة لايصال 290 عضواً جديداً الى البرلمان الإيراني في دورته التاسعة.
وتأتي صورة المشهد السياسي الحالي، أي إقصاء طرف عن الساحة، نتيجة للاضطرابات التي شهدتها طهران والعديد من المدن الإيرانية في صيف العام 2009، على خلفية التشكيك بنتائج الانتخابات الرئاسية، بعدما فاز الرئيس نجاد بولاية ثانية وبفارق كبير في الأصوات بينه وبين أبرز منافسيه زعيم الحركة الخضراء رئيس الحكومة الايرانية الأسبق مير حسين موسوي، يليه زعيم حزب «اعتماد ملي»اي (الثقة الوطنية) رئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي.
لقد أدى قمع الحركة الاحتجاجية الإصلاحية في العام 2009 الى إجهاض حلم التيار الأخضر في مهده، وبالتالي تمكن الرئيس نجاد من إعادة رسم خريطة سياسية جديدة بتحالفات مختلفة، فيما تحولت المنافسة الى ساحة المحافظين أنفسهم، بين تياري الرئيس ورئيس البرلمان.
وبات المحافظون، الحاكمون اليوم، منقسمين وموزّعين على لوائح متنافسة، تاركين لوائح أخرى لبعض الاصلاحيين، في ظل اعلان أبرز حركتين إصلاحيتين “جبهة المشاركة لايران الاسلامية” و”منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية” المحظورتين من قبل السلطات، عدم نيتها خوض الانتخابات.
ووفقاً للمعلومات التي نشرتها وسائل الاعلام الايرانية، فإن المحافظين يتنافسون في لائحتين كبيرتين في طهران والقسم الأكبر من البلاد، وهما: لائحة “الجبهة المتحدة للمحافظين” وتضم خصوصاً مناصري لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، إضافة الى أحزاب وجمعيات يرأسها المرجع الديني، زعيم جمعية «روحانيات مُبارز»، محمد رضا مهدوي كنّي، المدعوم من الحرس الثوري. وتعارض هذه الجبهة سياسة نجاد الاقتصادية والخارجية بوضوح. مع العلم أن آية الله كنّي، وهو رئيس مجلس خبراء القيادة أيضاً، كان من الداعمين لتيار نجاد في الانتخابات السابقة، حين خاض المعركة الانتخابية آنذاك تحت إسم «جبهة المدافعين عن المبادئ».
ويبدو أن لكل لائحة مرجعها الديني الذي يؤكد أهمية الملالي في تطعيم أي كيان سياسي في البلاد، فاللائحة الثانية “جبهة ثبات الثورة الإسلامية”، يقف على رأسها المرجع الديني محمد تقي مصباح يزدي، وتضم وزراء سابقين في حكومة نجاد، ومرشحين محافظين من تيارات مختلفة.
هذه اللائحة تدعم الرئيس نجاد، الا أنها تندد بنسيبه، رئيس مكتبه، أسفنديار رحيم مشائي، المتهم بالدعوة الى علاقة طبيعية مع اسرائيل. كما تنتقد هذه اللائحة لاريجاني وقاليباف، متهمة اياهما باعتماد الليونة مع المعارضة الاصلاحية خلال انتخابات العام 2009. ويعتبر أعضاء هذه الجبهة أنفسهم “المدافعين الحقيقيين” عن نهج المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
وهناك عدة لوائح صغيرة للمحافظين ضمت بعض الاصلاحيين، مثل لائحة “صوت الأمة”، التي تنتقد حكومة نجاد، ويرأسها النائبان المحافظان النافذان علي مطهري وحميد رضا كاتوزيان، اللذان رفضتهما “الجبهة المتحدة للمحافظين”.
كذلك هناك “جبهة ايران الاسلامية للمقاومة”، برئاسة محسن رضائي، المرشح الذي خسر الانتخابات الرئاسية في عام 2009، وتضم 20 مرشحاً في طهران.
في المقابل، يتموضع الإصلاحيون في لائحتين هما: “جبهة الديموقراطية” بقيادة النائب المنتهية ولايته مصطفى كواكبيان وتضم 15 مرشحاً في طهران وتدعم نحو مئة مرشح آخرين في المحافظات، ولا سيما بعض النواب الاصلاحيين الذين كانوا يشغلون مقاعد في المجلس المنتهية ولايته.
ولائحة تضم “الجبهة الشعبية للاصلاحات” و”دار العمل” النقابة الرسمية المقربة من الاصلاحيين، قدمت مرشحين أيضاً في طهران والمحافظات.
وتفيد وسائل الاعلام أن مناصري نجاد سيقدّمون مرشحين في كافة أنحاء البلاد تقريباً، فيما يقوم مرشحون منفردون من تياري الاصلاح والمحافظين، بخوض الانتخابات من خارج اللوائح.
من الواضح أن انتخابات ايران التشريعية التي تُجرى على مرحلتين، ستظهر صورة البرلمان المقبل، لكن حظوظ الاصلاحيين الذين لا يملكون في البرلمان الحالي سوى 60 مقعداً، لن تكون على مستوى المطلوب من لعبة تنافسية تمثّل كافة شرائح وتيارات المجتمع الايراني.
لعل مركز التصفية هو مجلس صيانة الدستور، الذي أجاز لنحو 3444 مرشحاً فقط التقدم الى حلبة المنافسة (70 في المئة ممن تقدّموا بترشيحهم) التي تبدأ في 2 آذار المقبل. ففي هذا اليوم يتوقع أن يتوجه جزء كبير من الايرانيين (48.3 مليون ناخب حسب الاحصائيات) الى صنادق الاقتراع لاختيار ممثليهم في مجلس الشورى.
وإذ تؤكد ايران في دستورها إسلامية هويتها الدينية، بل شيعيتها، تعطي الأقليات الدينية المعترف بها في البلاد (أرمن ويهود وزردشتيون) عدداً بسيطاً من المقاعد.
يبقى أن نشير الى أن الغائب الأكبر عن هذا الاستحقاق هو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي لم يتمكن من الحفاظ على مسافة واحدة من الجميع، بعد تورط أبنائه في دعم الثورة الخضراء، وملاحقتهم قضائياً حتى اليوم. كذلك ثمة غائب مهم هو الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي تراجع وهجه منذ قمع الحركة الاصلاحية التي كان من أبرز قادتها وداعميها. لعل غياب الرجلين عن المسرح السياسي منذ مدة عائد الى الفرز السياسي الذي ظهر بعد انتخابات 2009 الرئاسية. لكن هذا لا يمنع من أن يكون لرفسنجاني، دوره وعلاقاته مع تجار البازار والمرشد الأعلى، منذ رئاسته لايران خلال دورتين (1989-1997). وترؤسه الآن لأهم هيئة استشارية أمر بتأسيسها مؤسس الجمهورية الاسلامية روح الله الخميني عام 1988 (مجلس تشخيص مصلحة النظام).