فلسطينيو لبنان… “من تحت الدلفة لتحت المزراب”
يقيم حالياً قرابة 365,000 لاجئ فلسطيني في لبنان، ومعظمهم وذريتهم كانوا من الذين نفوا من ديارهم في فلسطين المنتدبة قبل نحو 63 عاماً، خلال الأحداث التي رافقت قيام دولة الإحتلال الإسرائيلي والحرب العربية – الإسرائيلية التي نشبت في عام 1948. وهم يشكلون إحدى مجموعات اللاجئين الأقدم في العالم ويظلون في حالة من النسيان، وليس لديهم فعلياً أي أمل في المستقبل المنظور في أن يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم وأراضيهم الواقعة في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، رغم أنهم يتمتعون بحق راسخ في العودة بموجب القانون الدولي. كذلك يظلون خاضعين لقيود مختلفة في الدولة المضيفة، لبنان، ومحرومين من التمتع بحقوقهم الانسانية الكاملة، رغم أن أغلبهم وُلد في لبنان وترعرع فيه. وقد تعرض الآلاف منهم للتهجير مجدداً حتى في منفاهم في لبنان، فما زال نحو 30,000 في وضع مهجرين مرة أخرى نتيجة للمصادمات التي وقعت ما بين أيار وأيلول 2007 بين جماعة “فتح الإسلام” المسلحة والقوات المسلحة اللبنانية في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين الذي بدأ في طرابلس في الشمال اللبناني، وانتقل إلى مخيم نهر البارد الذي يعيش فيه اللاجئون الفلسطينيون. إذ أدت المصادمات بين أعضاء “فتح الإسلام”- وهم جماعة إسلامية مسلحة يحمل أعضاؤها الجنسيات السعودية والباكستانية والأقغانية واليمنية واللبنانية والفلسطينية كانت قد انتقلت قبل فترة وجيزة إلى داخل المخيم وأقامت مواقع لها فيه- وبين الجيش اللبناني، إلى تهجير وتشريد السكان وتدمير المخيم الذي لم يُعاد بناؤه حتى اليوم رغم الوعود التي صدرت عن الدولة اللبنانية والأنروا بإعادة البناء.
رغم صدور قرار تنظيم عمل اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان ما زالت كافة الكفاءات الفلسطينية في لبنان غير مسموح لها بالعمل. وإذا سمح لها بالعمل فهذا يبقى داخل نطاق المخيمات التي لا يتوفر فيها مقومات مالية مناسبة لعيش كريم، فحينها تضطر هذه الكفاءات للبحث عن عمل خارج لبنان. وقد نجد مثلا مهندساً متخرجاً بعد سنوات عديدة من الدراسة في الخارج بمنحة دراسية، يأتي إلى لبنان ليجد نفسه عالة فيعيش مآسي قد تحطمه نفسيا. نجد مهندسين يعملون عمالا في الورش لأنهم لا يستطيعون أن يدخلوا في النقابة التي تشترط عليهم أن يكونوا لبنانيين منذ عشر سنوات. ولا ننسى أنّ المسألة هي أيضا سياسية بالدرجة الأولى ذلك لأن التركيبة الطائفية والمذهبية في لبنان تعتبر أن ما تبقى من الفلسطينيين هم من السنّة وأن أي تجنيس أو توطين لهم سيجعل الطائفة السنية هي الأغلبية لذلك تحاشيا للإرباكات الداخلية في التركيبة اللبنانية يدفع بتهجير أكبر عدد ممكن.
الفلسطيني يجب السماح له بالعمل من دون ربطه بالحصول على رخصة عمل لأن الفلسطيني في لبنان ليس له من وطن آخر يبحث فيه عن عمل، ولا بديل له عن لبنان. في حين أن الأجنبي يمكنه أن يذهب لوطنه ويبحث عن عمل. كذلك الأفضلية في هذا الموضوع يجب أن تعطى للفلسطيني لأنه ينفق أمواله في لبنان وهو كاللبناني يقوم بدعم وتحريك الاقتصاد اللبناني.
إن رخصة العمل هي أداة للتحكم المعاشي والأمني بحياة الأجنبي مما يجعل من السهولة طرده خارج لبنان ساعة يشاء ذلك رب العمل، بينما الفلسطيني لا يمكنه طرده عندما يشاء وهو مضطر لدفع تعويضات له. عندما تكون مصلحة رب العمل أن يتعاقد مع فلسطيني بدلا من لبناني لأنه يتسنى له أن يستغله أكثر فهو لا يتوانى عن ذلك في الحين الذي يعلم أن لا حق بالعمل له، لكن السوق السوداء توفر لأصحاب الرساميل أن يستغلوا العمال ولا يدفعوا لهم ما يترتب عليهم تجاه اللبناني وذلك بغض النظر من طرف الحكومة، فالبرجوازية اللبنانية تفضل عدم إعطاء الحق بالعمل للفلسطينيين لأنها تستفيد من هذا الوضع باستغلال الكفاءات بأقل الأجور ومن دون ضمانات.
الدور الأساسي الذي تلعبه وكالة غوث اللاجئين المنبثقة عن الأمم المتحدة بمقتضى القرار 302 الذي صدر بعد عام من النكبة وبموجبه تم تأسيس الأونروا، هو الاهتمام بأوضاع اللاجئين وتقديم الخدمات الضرورية لهم في مجالات الإغاثة، الصحة، التعليم، الشؤون الاجتماعية والعمل، وذلك حتى تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي يطالب إسرائيل بعودة اللاجئين إلى الأماكن التي غادروها أو التعويض لمن لا يرغب بالعودة. لقد قدمت هذه المنظمة الدولية خدمات شبه حكومية ومنتظمة للاجئين الفلسطينيين إلى أن بدأت منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982، ثم بشكل خاص بعد 1993، بتطبيق تدابير تقشفية انعكست على نوعية وحجم ومستوى خدماتها، حيث وصل اليوم مخصّص الفرد السنوي 100 دولار أميركي بعد أن كان في العام 1975 يبلغ 200 دولار أميركي آخذين في عين الإعتبار الفرق الشاسع في مستوى المعيشة بين الفترتين.
هناك تخوف من سياسة متدرجة تتبعها الأونروا لإنهاء مسؤوليتها تجاه اللاجئين، وما يحمله ذلك من مخاطر سياسية تستهدف حرمانهم من حقهم بالعودة وتوطينهم في البلدان المقيمين فيها، وهذا يتنافى مع قراري الأمم المتحدة رقم 302 و194. مبعث هذا التخوف الأمثلة التالية:
1.محاولة نقل الخدمات التي تقدمها الأونروا في لبنان لتقوم بها جهات موازية لبنانية.
2.العجز الهائل في ميزانية الأونروا، الذي لم يسبق له مثيل طيلة سنوات وجودها السابقة، وصل 70 مليون دولار حسب تقرير سابق عن المفوض العام للأونروا، تمنع سد الشواغر التي تطرأ.
3.التجديد للأونروا على أن تقوم بالحد الأدنى من الخدمات وقامت بإجراء خطير هو ما سُمِّيَ بإشراك المجتمع الفلسطيني في تحمل نفقات الخدمات التي تقدمها له. الذي يذهب للعلاج في عيادة الأونروا كان يقدم له المعاينة والدواء وإذا احتاج يحول لمستشفى، الآن المعاينة مجانية لكن عليه شراء الدواء وإذا احتاج لمستشفى فالأونروا تقدم فقط أجرة السرير بينما تكاليف العملية والأدوية هي على نفقة أهل المريض، فكيف يمكن أن يدفعها شخص له عائلة من عدة أشخاص لا دخل ثابت له لأنه يعمل بالسوق السوداء بشكل متقطع دون أية ضمانات؟ إن أمراض السرطان والقلب والدماغ وغسل الكلى عندما تصيب أي من الفلسطينيين يمكن اعتباره مسبقا ميتا، لأنه سرعان ما يموت لعدم توفر الإمكانيات.
لقد أصبح وجود عملية إصلاح في إدارات هذه الوكالة أمراً ضرورياً حيث من غير المعقول أن تبلغ موازنة رئاسة الأونروا التي يعمل فيها ما يقارب 150 موظفا 10.3% من الموازنة الإجمالية للأونروا، فيما موازنة لبنان لا تزيد نسبتها عن 12.6% ويعمل فيها حوالي 1500 موظف، إضافة إلى خدمات تقدم لـ350 ألف لاجئ فلسطيني. فالقسم الأكبر من الموازنة يصرف على المخصصات والشؤون الإدارية وهناك هدر مالي واسع وسوء إدارة وتبذير نصف الموازنة في غير مكانها، ففي الحين الذي عجزت فيه هذه المنظمة عن سد العجز المتراكم في موازنتها- الأمر الذي دفعها لتقليص خدماتها بشكل هائل- ترصد أموال ضخمة لدعم مسيرة التسوية وبرنامج تطبيق السلام وبتركيز مباشر على الضفة الغربية وقطاع غزة. ذلك بالطبع إلى جانب الخلل في طريقة إدارة صندوق التوفير والعمليات الاستثمارية من قبل مدراء رئاسة الوكالة والذي تسبب بأزمة مالية هامة للأونروا.