ساركوزي يعرض مبادرة “تقطيع الوقت”
نيويورك ــ خاص “أخبار بووم”
لم يفاجئ الرئيس نيكولا ساركوزي الـ ١٩٣ مندوباً والرئيس محمود عباس الجالس في طرف القاعة الأممية، بطروحاته التي وصفها أكثر من مندوب بأنها «لبقة ودبلوماسية»، ذلك أن مضمونها يدور منذ اسبوع في أروقة الأمم المتحدة، إلا أن ما فاجأ المستمعين كان «انتقاده أحادية واشنطن» بشكل حاد، بطريقة ذكّرت بخطاب خصمه اللدود دومنيك دوفيلبان حين انتقد عام ٢٠٠٣ قرار أميركا شن حرب على العراق، وهو الخطاب الذي أشعل فتيل التباعد بين باريس وواشنطن، من دون أن يردع جورج بوش عن مغامرته الدامية.
إلا أنه خطاب ساركوزي، الذي دام ١٠ دقائق و٣٠ ثانية، كان هذه المرة محاولة لإنقاذ ماء وجه الرئيس باراك حسين أوباما والرئيس عباس، ما يعني في النهاية عدم دعم طلب فلسطين بنيل “عضوية كاملة” في الأمم المتحدة.
ساركوزي أعلن أن عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين لن تنجح من دون اوروبا، مشيراً إلى «كمّ من الفشل». وقال «لنتوقف عن الاعتقاد بأن بلداً واحداً أو مجموعة صغيرة من الدول بإمكانها أن تحل مشكلة بهذا التعقيد». واقترح «تغييراً في اسلوب مقاربة المفاوضات» لانجاح عملية السلام في الشرق الاوسط، أي إعطاء دور لأوروبا لا تريده واشنطن.
وناقض نفسة ساركوزي بطلب العودة إلى التفاوض، ما يعني اصطفافاً وراء واشنطن التي لا تريد أن ترى أي حل خارج إطار المفاوضات الثنائية. إلا أنه خفف حدة صدمة الفلسطينيين، الذين لم يصدقوا بأن أوروبا وفرنسا لن تدعم خطوتهم «لإرضاء واشنطن»، فعرض قبول فلسطين كـ«دولة بصفة مراقب» في الأمم المتحدة، مع جدول زمني جعل مدته عام للتوصل إلى “اتفاق نهائي» لارساء السلام مع اسرائيل.
وقد استمع المندوبون، وهم يبتسمون، لهذا العرض الذي يعيد تكرار مجموعة من العروض السابقة التي كانت تطلق مفاوضات لا نهاية لها بالتوازي مع استيطان لم يتوقف وكان سبباً في دفع الفلسطينيين لهذه الخطوة، التي يرى فيها الأميركيون «مواجهة معهم» متناسيين أن «أوباما هو الذي طالب بوقف الاستيطان»، دون أن يصغى له مسؤولو الدولة العبرية.
وفي محاولة لتبرير الموقف الفرنسي، حذّر ساركوزي الفلسطينيين والولايات المتحدة من مواجهة في مجلس الامن، مؤكداً أن فيتو أميركياً للخطوة الفلسطينية «قد يفضي إلى دوامة من العنف في الشرق الاوسط»، وكأنه «يسعى لإقناع الفلسطينيين بالتضحية لإنقاذ أميركا»، حسب قول دبلوماسي عربي لـ «أخبار بووم». وشدد الدبلوماسي على «ما لا يقال» عن سبب معارضة واشنطن للخطوة الفلسطينية وهي تخوف واشنطن وتل أبيب من أن تفعّل «فلسطين» في حال قبولها كعضو، كافة آليات المنظمة الأممية، مثل محكمة العدل الدولية لـ«تسليط الأضواء على معاملة إسرائيل» في كافة جوانب الحياة اليومية، ومحاسبة مسؤوليها، وهو ما لا يمكن أن تفعّله كـ «عضو مراقب» كما يطرح الرئيس الفرنسي.
وقد أعاد ساركوزي في خطابه تسخين أطباق قديمة بمطالبته بـ«الاعتراف المتبادل لدولتين بشعبين على أساس حدود العام ١٩٦٧»، مردفاً العرض بضرورة «تبادل للاراضي» وجعل ذلك «هدفاً نهائياً»، وهي الصيغة التي اقترحها اوباما في أيار/مايو الماضي، والتي تبقى «هذا الهدف تحت مظلة مفاوضات» حسب تعليق دبلوماسي عربي.
وبالطبع يدرك ساركوزي أن «المماطلة في الوقت» هو ما دفع بالفلسطينيين لهذه الخطوة لذا فهو طالب بـ«جدولاً زمنياً للمفاوضات» واقترح «شهراً لاستئنافها وستة أشهر للاتفاق على الحدود والأمن وسنة للتوصل إلى اتفاق نهائي»، وهو ما أضحك عدداً كبيراً من الممثلين، إذ قال أحد مندوبي أفريقيا «لم يتوصل الطرفان إلى حل حول الحدود والقدس واللاجئين خلال ستين عاماً فكيف ينتهي الأمر بستة أشهر». والتفت الدبلوماسي نحو ساركوزي وقال «كل ما يريده الرئيسان هو تقطيع الوقت قبل الانتخابات الرئاسية»، بالإشارة إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية والفرنسية.
بالطبع لم يغب عن طروحات ساركوزي «مؤتمر المانحين»، الذي بات ثابتة في سياسة باريس في كل النزاعات حول العالم، فعرض استقباله في خريف هذا العام، أي بعد أقل من شهر ونيّف، «لمساعدة الفلسطينيين على إتمام بناء دولتهم المستقبلية». وقبل أن ينهي خطابه كان لساركوزي إلتفاتة نحو إسرائيل كأنه يعطيها تبريراً لما يمكن أن تضع كعراقيل في وجه المفاوضات وسرعة إنهائها، فقال إن على «الجمعية العامة أن تضع نفسها مكان اسرائيل» وأن تتفهم بأنها تسعى فقط وراء «ضمانات متينة لامنها»، وهو ما «تدعمه فرنسا وتتمسك به».
وفي خاتمة خطابه توجّه ساركوزي إلى الاسرائيليين طالباً منهم أن يستمعوا إلى ما كان يهتف به شباب الربيع العربي. وقال «يهتفون “تعيش الحرية” وليس “لتسقط اسرائيل”». وأضاف «لا يمكنكم البقاء في حالة جمود في حين أن رياح الحرية والديموقراطية تهب على منطقتكم». وقد استدعت هذه الخاتمة تعليقاً من دبلوماسي عربي قال «ساركوزي لم يسمع ما نادى به شباب مصر في ساحة التحرير».