الأزمة السورية تثير انقساماً بين دروز مجدل شمس
كان أصدقاء كميل خاطر يتسللون ليلاً ليكتبوا شعارات مناهضة لإسرائيل على جدران قريتهم في مرتفعات الجولان المحتلة، لكن الحكومة السورية هي المستهدفة الآن بهذه الكتابات على الجدران.
خاطر (35 عاماً) هو واحد من نحو عشرة آلاف درزي يعيشون بقرية مجدل شمس التي هي تقليدياً معقل لمؤيدي الرئيس السوري بشار الأسد. لكن الطلاب الذين يدرسون السينما والإعلام وهم بين أعداد متزايدة هناك بدأوا يشككون في هذا الولاء التاريخي في ظل الحملة العنيفة التي يشنها الأسد على الانتفاضة الممتدة منذ عام ضد حكمه.
وقسم الصراع القرية التي احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967 ومازالت تعتبر نفسها جزءاً من سوريا. وقال خاطر وهو يجلس في منزله الذي يرى منه الحدود السورية «نحن جزء لا يتجزأ من سوريا. مرتفعات الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا. نشعر بانتماء وطني وديني لها». وأضاف “لكن يجب أن يحمي النظام السوري ابناءه. بدلاً من أن يقتلهم. نتحدث عن هذا طول الوقت في كل مكان بالقرية”.
وتحيط بمنزل خاطر جبال تغطيها الثلوج والزهور البرية. لكن اهتمامه يتركز على صور أكثر قبحاً يراها على الانترنت والقنوات الفضائية من حمص الى دمشق وغيرها من ساحات المعارك في سوريا.
وتغطي صفحة خاطر على موقع «فايسبوك» صور القتلى ورسوم مناهضة للأسد. ويقول «أريد أن أكون صدى للانتفاضة». خاطر لم يكتف بالتضامن بل حاول القيام بتحرك ما. وعلاوةً على الكتابات على الجدران التي يقوم بها أصدقاؤه فإنهم حاولوا أيضاً تنظيم احتجاجات صغيرة مما أثار غضب بعض قطاعات المجتمع الذي يزداد انقساماً.
وقال خاطر الذي يعمل حلاقاً بجانب دراسته “بعض الناس أخبروني بأنهم لن يأتوا لحلاقة شعرهم في محلي بسبب آرائي”.
أحد المتضررين من تزايد المشاعر المناهضة للأسد ابن عم خاطر. حملت جدران عيادته كتابات الغرافيتي. ويقول «فعلوا هذا لأنني مؤيد للنظام السوري. كتبوا تحيا ثورة سوريا. محوت كلمة واحدة لتصبح تحيا سوريا”.
وكانت لقطات من سوريا لجثث رجال ونساء واطفال بعضهم أيديهم موثوقة خلف ظهورهم والدماء متناثرة على الجدران حولهم تعرض على شاشة التلفزيون العريضة بغرفة الانتظار في عيادة الطبيب.
وعرضت قناة تلفزيونية سورية اللقطات وكتبت على الشاشة إن المذبحة من عمل إرهابيين. وقال الطبيب «هل تصدق فعلا أن النظام سيقتل كل هؤلاء الناس ويبث الصور في نفس اليوم الذي تجتمع فيه الأمم المتحدة لبحث مشكلة الأسد؟ سيكون أحمقاً اذا فعل. بم سيعود هذا عليه؟”.
وأضاف «أشعر بأسف وألم فظيع حين أرى تلك الصور من سوريا». لكنه قال إن الدماء تخضب أيدي القوى الغربية وحلفائها بالمنطقة التي تحاول الإطاحة بالرئيس السوري لتعزيز مصالحها بالشرق الأوسط.
ومضى يقول «نعلم أن النظام ارتكب أخطاء. لكن الموقف بسيط. بشار وافق على مطالب الشعب. ستجري انتخابات في أيار/ مايو. يجب ان يأتي التغيير من خلال صناديق الانتخابات السورية. بالقانون”.
وبينما كان الطبيب يتحدث تململت ابنة اخته منار أبو جبار (19 عاما) منزعجة في مقعدها. وقالت في وقت لاحق “أريد أن يعلم الناس أنه ليس كل من في الجولان مع الأسد”.
وأوضحت منار أنها بكت حين رأت للمرة الأولى صوراً من سوريا. وأضافت بينما كانت الصور تبث مراراً وتكراراً «قال الدكتور إنه لا يفعل هذا سوى أحمق. الأسد أحمق. من هذا الذي يقتل شعبه؟». وتابعت قائلةً “أشعر بأنني قليلة الحيلة جداً. ليس هناك ما يمكننا أن نفعله من موقعنا هذا”.
وللكثير من سكان مجدل شمس أقارب في سوريا وقد أصبحت الأحداث التي جرت في العام المنصرم موضوعاً حساساً. ويخشى البعض في القرية الحديث عنها في وسائل الإعلام خوفاً من تعريض أقاربهم للخطر.
وقال فوزي ابو جبار والد منار إنه لا يسأل أقاربه عن العنف لأنه لا يعتقد أن بإمكانهم الحديث عنه بحرية. لكنه شخصياً لا يتورع عن انتقاد الأسد. وأضاف ابو جبار (60 عاماً) “حين خرجت الحشود الى الشوارع للمطالبة بالحرية والكرامة رد عليها النظام بالنيران. يمكن أن تؤدي وحشيته ورفضه للتغيير الحقيقي الى حرب أهلية او تدخل خارجي وهو الأمر الذي لن يكون في صالح اي طرف”.
ويتذكر حين كانت مرتفعات الجولان تحت الحكم السوري ويقول “بعد الحرب كنا واثقين من أن الاحتلال الاسرائيلي سينتهي عما قريب”.
وبعد 45 عاماً على حرب عام 1967 لايزال واثقاً من أن هذا اليوم سيأتي لكن المخاوف تدور حول تأخر هذا اليوم لموعد أبعد في المستقبل.
وضمت اسرائيل الجولان عام 1981 وهي خطوة لم يعترف بها دولياً. وأعطت للدروز هناك الذين يتجاوز عددهم الآن 20 الفا خيار الحصول على جنسيتها. ورفضها معظمهم.
في شوارع مجدل شمس الضيقة تحمل المتاجر والشركات لافتات بالعربية والعبرية. وتسير نساء يرتدين سراويل الجينز الضيقة والأحذية ذات الكعوب العالية بجوار نساء الدروز بأثوابهن السوداء وحجابهن الأبيض.
ويعيش معظم السكان على الزراعة. ودرس كثيرون في جامعات باسرائيل وسوريا. وتسمح اسرائيل لبعض سكان مجدل شمس بزيارة سوريا التي تعتبرها دولة معادية.
في مدخل أحد مقاهي القرية تنطلق من السماعات ليلاً الموسيقى الكوبية وموسيقى الريجي ويتوافد عليها الشبان.
ويقول أياد صفدي (29 عاماً) مالك المقهى “يومياً أسمع أناساً بالحانة يتحدثون عما يحدث في سوريا. هذا يؤلمنا ويحزننا جميعاً. كل عائلة هنا لها أقارب هناك. هذا يخلق توتراً”.