يواخيم غاوك رئيساً لألمانيا: القسيس «اليساري»
لم يكن انتخاب القس السابق الناشط الحقوقي الألماني يواخيم غاوك، رئيساً لجمهورية ألمانيا الاتحادية، بالأمر الغريب أو الطارئ، فحظوظ الرجل كانت مرجّحة للفوز منذ استقالة سلفه كريستيان فولف في شباط/ فبراير الماضي على خلفية اتهامات بالفساد.
أما سبب هذا الترجيح فسنده شبه الإجماع الذي حظي به الرجل منذ استقالة فولف، حيث اعلنت الأحزاب الفاعلة على الساحة الألمانية عن تأييدها لهذا الترشيح، باستثناء حزب اليسار الذي رشّح الناشطة السابقة ضد النازية بيئاتي كلارسفيلد (73 عاماً) الى هذا المنصب الشرفي، والذي لا يُعتبر فاعلاً على مستوى الحكم في البلاد.
المراقبون وصفوا انتخاب غاوك (72 عاماً) الأحد الماضي (18 آذار/ مارس) من قبل المجلس، الذي يضم نواب البرلمان ومندوبين من عالم السياسة والمجتمع المدني، بأنه «أمر شكلي»، بعدما لقي القس السابق دعم الاتحاد المسيحي الديموقراطي الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل وحليفها الحزب الديموقراطي الحر (الليبرالي) بزعامة وزير الخارجية غيدو فيسترفيله والمعارضة التي يقودها الحزب الاشتراكي الديموقراطي الى جانب حزب الخضر، فيما بقي حزب اليسار بقيادة غريغور غيزي خارج مجال التأييد للناشط الحقوقي السابق المتحدّر من شرق البلاد.
وكانت النتيجة متوقّعة حيث حصل غاوك على 991 صوتاً من إجمالي 1228 صوتاً داخل الجمعية الاتحادية في مقر البرلمان الألماني في العاصمة برلين، ليصبح بذلك الرئيس الحادي عشر للبلاد، فيما حصلت منافسته اليسارية كلارسفيلد على 126 صوتاً فقط.
الدلالة الأهم في هذا الاختيار هو أن غاوك، الذي يدخل مع صديقته الصحافية دانييلا شادت اليوم (الاثنين 19 اذار 2012) قصر Bellevue الرئاسي، متحدّر مثل المستشارة ميركل من شرق البلاد، حيث عاش الاثنان في زمن الانقسام.
ربما لهذا السبب دعمت ميركل ترشيح غاوك الذي كان مرشح خصومها في الحزب الاشتراكي عام 2010 في وجه مرشحها كريستيان فولف، الذي سبّب إحراجاً للحزب المسيحي وللمستشارة بعد أن شغل هذا المنصب عشرين شهراً من الولاية الرئاسية المحددة بخمس سنوات، بسبب اتهامه باستغلال منصبه للحصول على قروض مصرفية وقضايا اخرى وُصفت بالفساد.
ولعل الأمر الآخر الذي يشكّل قاسماً مشتركاً بين المستشارة والرئيس الجديد، هو أن غاوك ووالد ميركل أيضا كانا رجلي دين في الشطر الشرقي الذي سيطر عليه لسنوات طويلة الشيوعيون الذين لم تكن تربطهم بالمؤسسات الدينية أي علاقة ود.
المفارقة أن الرئيس الجديد ظلت مواقفه ملتبسة، فهو وإن كان قريباً من الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يتبنى طروحات أكثر ايجابية تجاه المهاجرين الأجانب، نجده يدافع عن تيلو سارازين، الكاتب الذي اثار موجة من الانتقادات ضد كتاب نشره في العام 2010 اساء الى صورة المهاجرين في ألمانيا، في حين وصفه غاوك بأنه “شجاع”.
بيد أن غاوك، وكما نقلت عنه «دويتشه فيله»، قد نأى بنفسه عن أطروحات سارازين، وأكد بأنه أرد فقط امتداح ما يتعلق بخرق العادة الدبلوماسية المألوفة في الدوائر السياسية الألمانية، وهو ما قام به السياسي سارازين عبر كتابه. وبهذا الشأن أكد غاوك أنه يرفض أي نوع من الحظر الفكري.
في الوقت نفسه، وصف غاوك نفسه ذات مرة بأنه “محافظ ليبرالي ويساري”. وانتقد حركة “احتلوا وول ستريت” في الولايات المتحدة، ووصفها بأنها “غبية”. وعلى خط موازٍ للرجل مبادرات داعمة للديموقراطية ومناهضة للعنصرية .
فيسارية القس البروتستانتي السابق التي يتغنى بها، لم تمنعه من أن ينشط حقوقياً في ألمانيا الشرقية اليسارية النظام، حيث كان مناهضاً للنظام الشيوعي وناطقاً باسم المعارضة في مدينة روستوك (شرق)، مسقط رأسه قبل انهيارجدار برلين .
وفي سيرته الذاتية “الشتاء في الصيف والربيع في الخريف”، التي صدرت في العام 2009 تحدث عن عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفي للكثيرين من قبل الشرطة السياسية الألمانية الشرقية (شتازي) سابقاً، بمن فيهم والده الذي تعرّض أيضاً للاعتقال، اذ حكمت عليه محكمة عسكرية سوفياتية بالسجن 25عاماً عندما كان غاوك طفلا. وقد أمضى الأب سنوات عديدة في أحد المعتقلات في سيبيريا.
لكن غاوك الذي حلم بأن يصبح صحافياً قبل أن يصبح رجل دين، كان تحت مراقبة جهاز أمن الدولة، من دون ان يُصار الى اعتقاله.
الا أن وثيقة لجهاز «شتازي» وصفته بأنه «شخص مناهض للشيوعيين بتزمُّت ويرى الاشتراكية والشيوعية على أنها ظاهرة مؤقتة».
مسيرة غاوك النضالية هذه جعلته مرشّحاً وحيداً ليكون أول مسؤول في ألمانيا الاتحادية عن أرشيف الشرطة السرية «شتازي»، إذ عمِل مديراً لقسم توثيق سجلات “شتازي”، منذ عام 1990 وبقي في هذه الوظيفة 9 سنوات، كان خلالها مسؤولاً عن أكثر من 2700 موظف، قاموا بأرشفة وحفظ معلومات جهاز أمن الدولة الشيوعية، والمتعلقة بالملفات الشخصية لمئات الآلاف من المواطنين والمرشحين للمناصب العامة.
وقد أوردت «دويتشه فيله» أن الرجل منفصل من دون طلاق عن زوجته غيرهيلد، منذ عام 1991، ويعيش منذ اثني عشر عاماً مع صديقته الصحافية، التي أعلن استعداده للزواج منها إذا ما انتخب رئيساً لألمانيا، قبيل انتخابات الرئيس في العام 2010.