مقربون من الأسد يتحيّنون فرصة الانشقاق عنه
نشرت صحيفة “تايمز” البريطانية تقريراً مفصلا كشف من خلاله قادة الانتفاضة السورية أن عددا من المقربين الى الرئيس السوري بشار الأسد يفكرون في الانشقاق عنه ومغادرة البلاد. لكن أمرين مهمين يمنعان هذا التطور وهما غياب الممرات الآمنة لهم ولأسرهم وتشرذم جماعات المعارضة نفسها.
ووفقاً لمعلومات “التايمز” فان ثمة مفاوضات سرية تجريها عناصر المعارضة داخل سوريا والخليج الولايات المتحدة مع مسؤولين في دائرة النظام السوري الداخلية في محاولة لإقناعهم بالانشقاق عنه وتقويضه بالتالي.
ونقلاً عن مصادر المعارضة، قالت الصحيفة إن نشطاء بدأوا اتصالات منذ أسابيع بمسؤولين في النظام يبدو أن همّهم الآن هو ضمان ممر آمن لمغادرتهم دمشق ومن ثم البلاد. وبين هؤلاء قادة في الحرس الجمهوري ومسؤولون كبار بالقصر الجمهوري ظل عدد منهم يقدم معلومات مهمة عما يدور داخل النظام ونواياه لقوى المعارضة.
لكن إعلان اولئك المسؤولين انشقاقهم يظل مؤجلا بانتظار الفرصة السانحة للهرب. كما ان عددا كبيرا منهم، ودائماً بحسب “التايمز”، لا يزالون يتفاوضون على شروط انشقاقهم وكيفية خروجهم من البلاد، وبشكل خاص ضمان أمن أقاربهم وأصدقائهم الذين قد يدفعون ثمنا غاليا مقابل ذلك.
ونقلت الصحيفة عن اسامة المنجد، وهو مستشار لرئيس المجلس الوطني الإنتقالي برهان غليون، قوله إنهم يتعاملون مع كل من اولئك المسؤولين على حدة. وقال قيادي معارض آخر في الولايات المتحدة طلب حجب هويته: «كل منهم يريد الصفقة الأمثل والممر الأكثر أمانا له ولأسرته. وهناك العديد من العوامل المتشابكة المعقدة التي تحيل الأمر كابوسا لوجستيا حقيقيا».
ويبدو أن بعض المسؤولين يصرون على ممر آمن ليس لأسرهم المباشرة وحسب بل أفراد عائلاتهم الكبيرة ايضا. لكن إيجاد الممرات الآمنة لعشرات الأشخاص من كل عائلة وتنسيق هذه العمليات بأقل الخسائر الممكنة يشكلان مشكلة عسيرة الحل بالنسبة لقوى المعارضة.
ومضى المنجد يقول إن بعض اولئك المسؤولين سيبقون داخل النظام للعمل مخبرين للمعارضة بدون إثارة الشكوك حولهم. وأضاف قوله: «نحن بحاجة الى أن يظل عدد منهم في مواقعهم بدائرة النظام الداخلية من أجل المعلومات البالغة الأهمية التي يمكن ان يقدموها لنا».
ووفقا للصحيفة يعتقد أن العسكريين الساعين للانشقاق وسط اولئك المسؤولين لم يتورطوا بأي علاقات مباشرة في الفظائع التي ارتكبها الجيش ضد المدنيين منذ اندلاع الانتفاضة قبل سنة. لكنها نقلت عن نشطاء سوريين في دول الخليج قولهم إن العفو لن يشمل أيا من رموز النظام التي يثبت أنها ارتكبت جرائم حرب بحق الشعب.
ويذكر أن عبده حسام الدين، نائب وزير النفط السوري، انشق الشهر الحالي الى صفوف المعارضة ليصبح بهذا المسؤول الأعلى رتبة على هذا الخط منذ بدء الانتفاضة. وقد أعلن انشقاقه في شريط فيديو على موقع «يوتيوب» قائلا إن دافعه لذلك هو الوحشية التي تدفع النظام لقتل الأبرياء. وقال إنه اتخذ قراره رغم علمه أن داره قد تحرق وأن عائلته قد تدفع ثمنا غاليا على قراره.
وكانت جماعات المعارضة قد قالت وقتها إن انشقاق حسام الدين سيحفّز مسؤولين كبارا آخرين على فعل الشيء نفسه بما يكسر الدائرة الداخلية لنظام بدا أنه متماسك على طول فترة الانتفاضة. والواقع أن استخدام القوة أتاح لقوات الأسد سحق المعارضة في حمص وأعاد لها إدلب من قبضة الجيش السوري الحر. ومع هذا الوضع الجديد أقرت المعارضة بأن ايجاد الممرات الآمنة صار شبه منعدم فصار هذا سببا في شح المنشقين.
وتقر عناصر في المعارضة بأن امتناع رموز عدة داخل النظام يروّعها ما يحدث في صفوف الشعب عن الانشقاق حاليا يعود بشكل أساسي الى كون المعارضة نفسها مشتتة هنا وهناك ولا برنامج يجمعها تحت راية واحدة. وبعبارة أخرى فإن ما يحول دون انشقاق اولئك المسؤولين هو غياب البديل الواضح لنظام الأسد.
وسعيا لعلاج هذا الوضع بدأت رموز من قوى المعارضة التوافد على اسطنبول لحضور مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي يعقد الاسبوع المقبل. ويأتي هذا وسط مفاوضات عدة ترمي لتوحيد تلك القوى بعد اجتماع غير مثمر لبعضها في تونس الشهر الماضي.
ونقلت «تايمز» عن عمار قربي، أمين سر «حركة التغيير الوطنية السورية» غير المرتبطة حاليا بالمجلس الوطني الإنتقالي، قوله إن حركته لا تطالب قوى المعارضة بالتوحد تحت راية واحدة وإنما تطالبها بوحدة الهدف.
ويقول المعارضون إن هناك القليل الذي يمكنهم فعله بالنظر الى القوة النارية الضاربة التي تتمتع بها القوات النظامية المنتشرة على سائر الرقاع المنتفضة. ويشيرون الى أن ما أشيع عن وعود جهات خليجية، مثل قطر، بالمال والسلاح للجيش السوري الحر لم يتحقق على أرض الواقع حتى الآن.
ويقر اولئك المعارضون بأن هذه الجهات المانحة أرسلت أموالا للاجئين، «لكن الجيش الحر لم يتسلم دولارا واحدا»، كما يقول ناشط سوري في الخليج طلب حجب هويته. ويضيف قوله: «يبدو ان الأمور خاضعة للتأجيل التكتيكي إذ لا أحد على يقين بعد من زوال نظام الأسد».
ومع كل هذا فإن جوا من التفاؤل يسود أوساط المعارضة الآن بعد ظهور علائم التململ داخل دمشق نفسها وأيضا حلب. فالأنباء تأتي عن مظاهرات تنمو في تواترها وحجمها في المدينتين وعن مناوشات بين قوات المعارضة والجيش في بعض ضواحي العاصمة نفسها. ويقول ناشط تعليقا على هذا: «لدى بدء الانتفاضة امتنع أهل الطبقات الوسطى عن دعمنا. لكنهم ظلوا يرون الكيفية التي يتعامل بها النظام مع الشعب فبدأوا يديرون ظهورهم له على نحو نراه جليا الآن».