«الشفقة» عامل انتخابي لصالح ساركوزي
باريس – بسّام الطيارة
أطبق صمت ثقيل على الحملة الانتخابية الفرنسية الرئيسية، ودخل كل فريق في قوقعة بانتظار يوم الأحد، يوم الحسم الكبير. استطلاعات الرأي ما زالت على ما هي: المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند رابحاً، والرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي خاسراً.
يحمل هذا الصمت الذي يفرضه القانون الانتخابي قبل ٤٨ ساعة من بدء العملية الانتخابية، معانٍ كثيرة، أبرزها «موجة شفقة» تجاه ساروكوزي الذي يبدو وحيداً بمواجهة كل القوى السياسية الفرنسية بما فيها فريق كبير من حزبه.
إذ لم يعد سراً أن «كبار حزب تجمع الأكثرية الشعبية» بدأوا يتنبهون إلى خطأ «الانصياع لعناد ساركوزي» والمضي بدعم ترشيحه رغم أن كافة المؤشرات كانت تقول بأنه بات «شخصية غير مرغوبة» لدى شرائح واسعة من المواطنين. خطأ القبول بأن يركبوا قطار مستشاريه الذين همسوا في أذنه «إلى اليمين المتطرف سر». خطر القبول بتأجيج حملة ضد المهاجرين إذ أن عدداً كبيراً من الفرنسيين أصولهم مهاجرة وأن نسبة لا بأس بها ليسو مسلمين كما تحمل خطابات ساركوزي الأخيرة. خطأ قبول أكثرية حزبه المفترض أنها «ديغولية» بفتح ملف «هوية فرنسا» وتأجيج القسمة في المجتمع الفرنسي.
ورغم كل هذا لم ينفع الاندفاع وراء اليمين المتطرف في جذب أصوات «الجبهة الوطنية» وخرجت «مارين لوبن» منتصرة في الدورة الأولى. ووقفت قبل أيام لتقول عن ساركوزي «هذا الرجل كذاب، كذب علينا طوال سنوات»، ولتعلن امتناعها عن التصويت تاركة حرية الاختيار لناخبيها. ما يعني إبقاء كفة هولاند راجحة.
في الوسط الذي يقف دائما في الدورة الثانية وراء مرشح اليمين وقف قبل يومين «فرانسوا بايرو» ليقول بملئ فمه ما معناه إن خطاب ساركوزي الشوفيني اليميني «لا يعكس مبادئ الجمهورية والمبادئ الإنسانية التي نؤمن بها» وأنهى خطابه بأنه سوف يعطي صوته لهولاند. تاركاً أيضاً حرية الاختيار لناخبيه.
المرشح الديغولي نيكولا دوبون أينيان أعطى أيضاً حرية الاختيار لناخبيه أما بقية المرشحين الخمسة فقد دعوا بشكل مباشر إلى «إسقاط ساركوزي». أي أن مرشح اليمين «الذي كان وسطياً» يواجه ناخبي كل المرشحين الآخرين.
عبر تدافع الأحداث ووسط ضوضاء الحملة الانتخابية وبين التسريبات عن «التمويل الليبي لحملة ساركوزي عام ٢٠٠٧ ومساهمة أموال المليونيرة بتناكور» والتصريحات النارية لتاجر الأسلحة المليونير اللبناني زياد تقي الدين مرً خبر بسيط عن لقاء حصل في «بوردو» جمع «ألآن جوبيه وفرانسوا فييون وفرنسوا كوبيه» أي كبار الديغوليين في الحزب. وقد رأى المقربون من الحزب اليميني «يد شيراك وراء هذا اللقاء» فهؤلاء يمثلون الخط الديغولي القوي الذي بدأ يتململ من «تقديم الحزب لقمة سائغة لليمين المتطرف» والابتعاد عن كل المبادئ التي قامت عليها الديغولية والتي كانت تسمح للحزب بالانفتاح في الدورة الثانية من كل حملة انتخابية على كل الأجنحة السياسية في فرنسا بما فيها الشيوعيين ما عدا …اليمين المتطرف.
حملة ساركوزي الانتخابية كانت متوترة يشهد أقرب المقربون منه أنها كانت «فاشلة إعلامياً وتواصلياً» خصوصاً حين يحمل يومياً خطاب اليمين المتطرف، وينهي خطاباته بأنه «لا تحالف ولا تواصل» مع اليمين المتطرف، وكأن الناخب عاجز عن فهم هذا الإلتباس والفذلكة التواصلية.
يسأل سائل «طالما أن ثلاثة أرباع فرنسا مناوئة لساركوزي فلماذا تعطيه الاستطلاعات متراجعاً فقط نقطتين أو ثلاث عن خصمة الاشتراكي؟».
الإجابة على السؤالي تتضمن شقين: الشق الأول هو أن فرنسا مثلها مثل أوروبا «يمينية» بالمطلق وتوجد شرائح عديدة «لا تصوت لليسار بشكل مبدأي» وهؤلاء الناخبون وإن كانوا لا يؤيدون اليمين المتطرف يتظاهرون بأن ساركوزي «يمضغ هذا اليمين للعودة إلى الإليزيه فقط». وبما أنهم يعترفون بأنه «حيوان سياسي» فهم يراهنون على أنه في ولايته الثانية سوف يبتعد ويحارب هذا اليمين المتطرف بقوة خصوصاً أنه لا يستطيع التشرح لدورة ثالثة. يقف إلى جانب هؤلاء اللوبي الإسرائيلي الذي يحارب بقوة مارين لوبن بسبب مواقفها العنصرية ليس فقط تجاه العرب والإسلام ولكن بسبب «لاساميتها غير المعلنة بعكس والدها الذي لا يخفيها» ويعتقد هؤلاء أن ساركوزي الجديد سوف حارب هذا اليمين الشوفيني بعد أن يستعمله كممطاة للنجاح بالعودة إلى القصر. بينما يرى هؤلاء أن خسارة ساركوزي تعني مزيداً من القوة لمارين لوبن.
أما الشق الثاني فهو أن ساركوزي رغم كافة استطلاعات الرأي التي تشير إلى خسارة مؤكدة فهو لم يكف عن «النضال من أجل البقاء في السباق» فهو لم يرمي أسلحته ولم يستسلم وضاعف عدد لقاءاته مع الناخبين ولم يغير استراتيجية مهاجمة اليسار واليمين المتطرف …والمهاجرين. ومعروف أن الفرنسيين «يعشقون الفرسان والفروسية» وأكثر ما يحبون هو «الفارس الوحيد الذي يقاتل الجميع».
هكذا تبدو صورة ساركوزي قبل ٢٤ ساعة من يوم الحسم: وحيداً يواجه جميع القوى السياسية ولكنه لا يتراجع، ويحاول جعل الخيانات في اليمين والوسط وفي داخل حزبه عامل قوة لصالحه على اعتبار أن الفرنسيين لا يحبون الخيانة السياسية.
إنه يسعى اليوم وراء «شفقة الناخب الفرنسي» ليعود إلى الإليزيه.