ملفات قضائية تلاحق ساركوزي
بعد أقل من ساعة من إعلان فوز فرانسوا هولاند، انتقل قاطن الإليزي الحالي، الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي إلى لقاء مؤيديه وقال لهم حرفياً «من الآن وصاعداً أعود مواطناً عاديا». بالطبع قصد ساركوزي أنه يستعد للخروج من حقل العمل السياسي كما سبق له وأعلن قبل شهرين عن نيته في حال خسارة الانتخابات.
مصادر مقربة من الإليزيه أكدت لـ«أخبار بووم برس نت» أن ساركوزي جمع أقرب المقربين ما أن تأكدت الخسارة ليطلب منهم البقاء موحدين والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة بعد أقل من شهر. ثم أعاد تأكيد «قراره» بوقف العمل السياسي. وذكر مصدر مقرب من الرئيس أنه ينوي «أخذ إجازة حتى ما بعد الصيف وبعدها سوف يرى كيف يملأ أوقات فراغه».
إلا أن أشباح ملفات قضائية بدأت تحوم فوق رأس «المواطن العادي» ساركوزي بعد أن فقد حصانته الرئاسية، تماماً مثلما حصل مع سلفه جاك شيراك، فإن القضاة ينتظرون رفع هذه الحصانة بعد ثلاثين يوماً من التسلم والتسليم، أي في ١٥ حزيران/ يونيو لفتح مجموعة ملفات ظهر اسم ساركوزي فيها، وليس من المستبعد أن «يطلبه عدد من المحققين للاستماع لإفادته» في عدد من الملفات.
«أخبار بووم برس نت» تقدم لقرائها جولة على هذه الملفات.
عدد من أصدقاء الرئيس المنتهية ولايته هما قيد التحقيق في ملف «تفجير كراتشي» الذي ذهب ضحيته ١١ موظفاً من إدارة البناء البحري الفرنسي «دي سي ان» تييي غوبير (Thierry Gaubert) ونيكولا بازير (Nicolas Bazire) بعد ربط هذا الملف بقرار الرئيس جاك شيراك وقف دفع العمولات المتفق عليها سابقاً لمسؤولين باكستانيين في عملية بيع غواصات «أغوسطا»، لأنها ساهمت في تمويل حملة منافسه إدواربلادور التي لم يكن نيكولا ساركوزي الناطق الرسمي باسمه فقط، بل أيضاً وزير المال. وهنا يمكن أن تكون لساركوزي مسؤولية مباشرة في تأسيس شركة في اللوكسمبورغ لدفع العمولات والشيكات. إن «قسما من هذه العمولات عاد إلى فرنسا لتمويل الحملة المذكورة»، خصوصاً أن بالادور فرض وسيطين بين الـ«دي سي ان» والجهات الباكستانية المعنية، هما رجلا الأعمال اللبنانيان المليونير تاجر الأسلحة زياد تقي الدين إلى جانب عميل الأسلحة عبد الرحمن الأسير، وتم هذا كله تحت إشراف ساركوزي المسؤول عن أموال الدولة آنذاك.
ويشمل هذا الملف أيضاً «كومسيون» صفقة «سواري ٢» للسعودية. ونجد في الملفين اسم المليونير اللبناني تاجر الأسلحة زياد تقي الدين الذي كان وسيطاً في هذه العقود، وحسب شهادة زوجة غوبير فإن زوجها كان يرافقه إلى سويسرا ويعود بحقائب مليئة بالاوراق المالية. ومعروف أن نيكولا بازير كان مقرباً جداً من ساركوزي، وكان شاهداً على زواجه من كارلا بروني، إلى كونه مدير حملة بلادور المذكورة، هو الذي يتسلم هذه «الحقائب» في فرنسا بيما كان غوبير مدير مكتب ساركوزي في بلدية نيويي سور سين.
وقد نفى بالادور وساركوزي مرات عديدة «أي تمويل غير قانوني». ووصفا التسريبات بأنها «أساطير»، إلا أن التسريبات تتوافق مع التحقفيقات بأنه تمّ الاتفاق على دفع عمولة، نحو ٥١ مليون يورو للمسؤولين الباكستانيين، وبينهم الرئيس الحالي آصف علي زرداري، وأن توقف الدفع حصل «قبل أشهر قليلة من تفجير كراتشي في ٨ أيار/ مايو٢٠٠٢»، ما يرجّح أن يكون التفجير انتقامياً، وهي الفرضية التي عمل عليها القاضي الفرنسي مارك تريفيديك الذي تسلّم دعوى رفعها أهالي الضحايا الفرنسيين ضد «من يظهره التحقيق».
نقلت صحيفة لوموند عن القاضي الشهير رينو فان رينمبك» (Renaud Van Ruymbeke)« أنه ينتظر بفارغ الصبر الاستماع إلى ساركوزي »لأنه يعتبر أن عقدي سواري وأغوسطا ساهما بتمويل حملة بالادور ويريد «فكفكة الخيوط المالية لهذه القضية». بعد أن ثبت أن تقي الدين على علاقة «حميمة» بكل من وزير الداخلية الحالي كلود غيان (Claude Guéant) ووزير الداخلية السابق بريس هوتوفو (Brice Hortefeux)وهما من المقربين من ساركوزي، وتعود أسماؤهما في عدد من الملفات التي تتطرق إلى الرئيس المنتهية ولايته.
محامي العائلات أوليفييه موريس، قال إنه ينتظر أن “يستمع القاضي إلى كل المشاركين في هذا الملف” ولم يتردد في اتهام قاطن الإليزيه مباشرة. وقال “إن هذا التقرير يكشف بأن ساركوزي كان في وسط حلقة الفساد وأنه يكذب على العائلات”، وأن ما يصدر من هنا وهناك “ليس أسطورة، بل كذب الدولة”. وأنهى بقوله إن العائلات “تطالب اليوم برفع صفة السرية عن الملف” وهو ما وعد به هولاند عندما قابل عائلات الضحايا، الذين هم ”نخبة من مهندسي السلاح الفرنسي” المتخرجين من أهم كليات فرنسا، وهم ينتمون إلى “روابط جد متماسكة ومؤثرة” لها تأثيرها في الدوائر السياسية وتؤدي دور لوبي لن يتغاضى عن كشف ما وراء التفجيرالإرهابي.
ملف ليليان بيتانكور (Lilaine Bettencourt) وريثة الشركة العملاقة “لوريال”(Loréal ) لمستحضرات التجميل إذ أن اتهامات “محاسبة العائلة” كلير تيبو (Claire Thibout)، التي أكدت لقضاة التحقيق أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كان من الذين يزورون منزل المليونيرة. وأكدت أن الوزير السابق “إيريك وورث”(Eric Woerth)، المدير المالي لحملة ساركوزي الانتخابية عام ٢٠٠٧، حضر يوماً ما وأخذ ملفاً يحوي ٥٠ ألف يورو.
وتبين أن وورث قلّد مسؤول صندوق ثروة «باتريس دو مايستر» (Patrice de Maistre) الموقوف حالياً رهن التحقيق، وسام الشرف، بعد أيام من توظيف زوجته لتثمير ثروة الميليارديرة بيتناكور. وقد قررالقضاء فتح تحقيق مع الوزير في “ظروف حصول امرأته على مركزها »وتهمة «تضارب مصالح” بسبب عمل زوجته، عندما كان يشغل وزارة الخزانة، التي تدير مصلحة الضرائب، وكان مسؤولاً عن ادارة ملفها الضريبي، مع تهم بالمحاباة خلال التحقيقات عن احتمال تهربها من دفع الضرائب، إلى جانب التحقيق في تمويل غير شرعي لانتخابات عام ٢٠٠٧.
ملف التجسس على صحيفة ”لوموند”
وهذا الملف مرتبط مباشرة بقضية بيتناكور إذ تبين أن “بعض أجهزةالسلطة” حاولت خلال التحقيقات معها “ردع” المحاسبة تيبو وتغييرالإفادة المتعلقة بساركوزي ووورث وصفت كيف “ضغط عليها المدعي العام المقرب جداً من الرئيس الفرنسي فيليب كوروا» ( Philippe Courroye) قبل أن تسحب القضية من يده وتغَرَّب إلى بوردو لإبعادهاعن ضغوطه.
ولكن تبين أيضاً أن تلك الأجهزة “تنصتت” على صحيفة لوموند بعد أن كشفت الصحيفة بعض خفايا التحقيق، وتم ذلك بناء على طلب رئيس أجهزة أمن الدولة “المقرب جداً من ساركوزي” برنار سكارسيني«Bernard Squarcini» وقد طلب المدعي العام فتح تحقيق بتهمة “خرق سر الصحافة والتعدي على الحريات”.
ملف استطلاعات الرأي المدفوعة من الإليزيه
كسفت السنوات الأخيرة أن فريق العمل في الإليزيه وقع عقداً من دون مناقصة مع شركة «موبلي فاكت» (Publifact) التي يملكها «بارتيكبويسون» (Patrick Buisson) الذي هو في نفس الوقت مستشار ساركوزي الرسمي في الإليزيه. صحيح أن ساركوزي يتمتع بحصانة كاملة لكل ما قام به خلال فترة حكمه إلا أن السؤال اليوم هو هل يتمتع مستشاروه بحصانة؟ ولا يبدو أن أحداً من حلقة ساركوزي سوف يدافع عن بويسون الذي يتهمه مقربون بأنه كان وراء «حرف حملة ساركوزي نحو اليمين المتطرف» مع النتائج التي نراها اليوم، مذكرين بأنه كان «يرأس مجلة مينوت (Minute) المقربة من لوبن».
ملف تمويل القذافي لحملة ساركوزي
فتحت الصحيفة الإلكترونية هذا الملف عندما نشرت وثيقة حصلت عليها من «أرشيف المخابرات السرية» باسطة «بعض كبار النظام السابق الهاربين»، وهو ما سبق وهدد به العقيد القذافي قبل مقتله وابنه سيف الإسلام بفضح ساركوزي مطالبينه بـ«رد الأموال».
وتشير الوثيقة التي تحمل توقيع موسى كوسا إلى أن النظام الليبي كان قد قرر منذ عام ٢٠٠٦ دعم ساركوزي في الانتخابات وتم الاتفاق مع المقرب جداً من ساركوزي بريس هورتفو وبحضور تاجر السلاح اللبناني المليونير زياد تقي الدين، وقد كلف بالإشراف على عمليات الدفع «بشير صلاح» مدير مكتب القذافي ورئيس صندوق الاستثمارات الأفريقية.
ووصفت «ميديا بارت» تقي الدين بأنه «رجل شهر العسل بين النظام الليبي وفرنسا» وأنه كان «مستشار وزير الداخلية كلود غيان لغاية أيام قبل بدء الحرب على ليبيا». ورغم نفي تقي الدين وجوده إلا أن الوثائق التي بحوذة القضاء تثبت أنه كان في ليبيا في ٢٠ و٢١ تشرين الثاني/ نوفمبر من عام ٢٠٠٦ بعد أيام من توقيع الوثيقة. كما حضر إلى ليبيا في ٩ كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه.
ومن المعروف أن حملة ساركوزي قد كلفت حوالي الـ٢٠ مليون يورو.
وقد نفى الرئيس المنتهية ولايته، نيكولا ساركوزي، بقوة أن يكون العقيد الليبي الراحل معمر القذافي قد سعى الى تمويل حملته الرئاسية السابقة عام ٢٠٠٧، ووصف هذا الادعاء بأنه حيلة من معارضيه لصرف الانتباه.
وقد ردت الصحيفة الإلكترونية «مديا بارت» التي كانت وراء نشر هذه الوثيقة بأنها «تعيد تأكيد صحة ما ورد فيها»، وطالبت بتحقيق على أساس أن هذه الوثيقة تظهر تدخل قوة خارجية في السياسة الداخلية الفرنسية، و”محاولات رشى لوزير سابق أصبح رئيساً للجمهورية”.
وما يزيد من الضغوط على ساركوزي واتهامات تقي الدين للسلطات الفرنسية بأنها حاولت قتل سيف الإسلام وأن هذا الأخير لم ينشر هذه الوثائق «لأنه لم يكن يظن أن ساركوزي سوف يذهب إلى الحد الحرب المعلنة» حسب قوله، وكشف أن غيان وزير الداخلية عند عودته من ليبيا قبل اندلاع الحرب في المطار «لأنه اعتقد أن هذه الوثائق معي». وقد عثر مع تقي الدين على مبلغ مليوني دولار وقد فتحت السلطات تحقيقاً بتهمة تهريب أموال غير معلنة.
ويرى تقي الدين أن ساركوزي تركه «يسقط» وبالتالي يعتقد المراقبون بأن تاجر السلاح الخاضع لعدد من التحقيقات القضائية سوف يحاول الانتقام من فريق ساركوزي خصوصاً وأنه لفترة خمس عشر سنة كان في قلب نظام بيع السلاح في فرنسا وعالم الكوميسيونات. ويذكر أن تقي الدين لمح في مقابلة مع صحيفة ليبراسيون (Libération) إلى «إمكانية إخراج أوراق أخرى من جعبته في حال تخلى عنه ساركوزي وفريق عمله» وهو ما حصل بالفعل قبل الانتخابات وبالقوة بعد خروج ساركوزي من الحكم.