صواريخ «الزوتشية» تفشل في اقتحام الفضاء
ليست المرة الأولى التي تقوم فيها كوريا الشمالية بتجربة صاروخيّة فاشلة سواء كانت أرضية أم فضائية، فلطالما كانت تجارب الدولة الشيوعية محل شك لدى المراقبين الأجانب، رغم نجاحها في صناعة وفي تطوير منظومات صواريخ متعددة الاستخدامات.
وربما كان الجديد في عملية إطلاق الصاروخ «أونها3» الفاشلة الشهر الماضي (13 نيسان 2012) أن هدفه يقتصر على وضع قمر اصطناعي في المدار لمراقبة المناخ، حسبما أعلنت بيونغ يانغ.
فرغم كل ما تعرضّت له من حصار وضغوط وعقوبات دولية انعكست سلباً على حياة المواطن ولقمة عيشه ورفاهيته، استطاعت «جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية» كما سمّاها مؤسسها كيم إيل تسونغ، أن تحقق انجازات هامّة على الصعيد العسكري بفضل صبر الكوريين الذين لا قدرة لهم على معارضة سياسة النظام الحديدي، وبسبب العقيدة الصارمة التي تعتمد سياسة الاشتراكية والاعتماد على النفس لتحقيق الاكتفاء الذاتي، اي «الزوتشية» وتعني ان «الإنسان هو سيد كل شيء ومقرر كل شيء».
ولم تكن التجربة الجديدة على صاروخ «أونها 3» هي الأولى الفاشلة في مسيرة اطلاق الصواريخ بعيدة المدى في كوريا الشمالية، فقد سبقتها على صعيد الصواريخ الفضائية تجربتان، الأولى كانت لصاروخ «تيبودونغ-1» تمت في آب 1998فوق اليابان لكنه انفجر قبل ان يتمكن من وضع قمر اصطناعي صغير في المدار.
والثانية كانت في الخامس من نيسان 2009حين أطلقت صاروخ «أونها-2» البعيد المدى لوضع قمر اصطناعي في المدار.
المسألة الأهم في الموضوع هي تلك العلاقة الحميمة بين النظام «الزوتشي» والصواريخ بشكل عام، تلك العلاقة قديمة تعود الى أواخر الستينات من القرن الماضي ووصلت الى مرحلة متطورة ضاهت فيها عدوتها الجنوبية التي يعيش مواطنوها في رخاء اقتصادي ومناخات ديموقراطية لا يتمتع أقرانهم في الجزء الشمالي بحدّها الأدنى. لكن إصرار قادة الشمال على دخول التاريخ من بوابة الصناعات الحربيّة جعل الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية متألقاً في هذا المجال، بينما برع الجنوب في الصناعات التكنولوجية المدنية ودخل العالم الافتراضي من أبوابه الواسعة (نموذج روما واسبارطة).
أما قصة الصاروخ الشيوعي الكوري فقد بدأت في العام 1969حين قدّم لبيونغ يانغ حليف النظام الكوري آنذاك في وجه الامبريالية الغربية، الاتحاد السوفياتي السابق، صواريخ أرض- أرض من طراز الضفدعة يبلغ مداها 60كيلومتراً. منذ تلك اللحظة بدأ الكوريون الشماليون في ظل «الأب الروحي» كيم ايل تسونغ (15 نيسان 1912- 8 تموز 1994) التفكير في الاعتماد على النفس بما يتعلق بتطوير وصناعة الصواريخ، إلا أنهم بدأوا التطوير الحقيقي في سنة 1976.
واللافت أن الحافز يومها كان حرب تشرين سنة 1973. فبعد أن وضعت الحرب أوزارها بثلاث سنوات حصلت كوريا الشمالية على صواريخ «سكود- بي»، ومداه 300كيلومتر، من الاتحاد السوفياتي السابق مقابل دعمها لمصر في حربها ضد اسرائيل.
هذه الصواريخ كانت مجال الاختبار الأول للتطوير، تبعها تطوير صواريخ «سكود – سي» ذات المدى البعيد (500 كيلومتر) وصواريخ باليستية ذات مدى متوسط (آي آر بي ام) المعروفة باسم «رودونغ» بمدى 1300 كيلومتر، والصواريخ ذات الدفع متعددة المراحل المعروفة باسم « تيبودونغ». والأخيرة قادرة على ضرب أهداف في اليابان والولايات المتحدة كما يقدّر خبراء الصواريخ.
وبحسب تقرير الدفاع الكوري الجنوبي للعام 2006الذي نشره موقع راديو «KBS» في سيول، فإن فترة ما بين العامين 1976و1981، شهدت مشاركة بيونغ يانغ في المشروع الصيني لتطوير الصواريخ، وحصلت حليفة التنين الأصفر على تكنولوجيا صناعة الصواريخ.
إلاّ أن التجربة الأولى لإطلاق صاروخ «سكود بي مطوّر» كانت في نيسان العام 1984. لحقتها تجربة ثانية لصاروخ «سكود سي» في ايار 1986، في حين كان التطوير الأهم لصواريخ سكود «بي» و«سي» في العام 1988.
بعد هذه المرحلة بدأت تظهر صواريخ جديدة بأسماء كورية خاصة. هنا تجلّت فكرة «الزوتشية» عسكريّاً بوضوح، ففي شهر أيار من العام 1990، ظهرت التجربة الأولى لإطلاق صواريخ «رودونغ». بعد نحو سنة أطلق النظام الكوري صاروخ «سكود سي»، لكنه عاد في أيار 1993 لإطلاق «رودونغ».
وقبل وفاة مؤسس كوريا الشمالية بأشهر قليلة عام 1994، تم تحديد هوية صاروخ «ديبودونغ -1» ومداه يصل الى 2500 كيلومتراً. لكن تطوير هذا الصاروخ تأخر قليلاً ليخضع في آب العام 1998 لتجربة إطلاق أعقبتها مناخات هادئة مهدّت للتفاوض مع كوريا الجنوبية ومن ثم مع الولايات المتحدة.
وبدا أن قبول النظام الستاليني بالمفاوضات السداسية التي انطلقت في آب 2003، بمشاركة الكوريتين والولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان، قد ساهمت في تجميد التجارب الصاروخية حتى تموز 2006. في ذاك العام قامت كوريا بتجارب إطلاق لصواريخ «ديبودونغ -2» ومداه 6700 كيلومتر، و«رودونغ» و«سكود».
كما قامت بأول تجربة نووية من نوعها في تشرين الأول من العام 2006، في حين كانت التجربة النووية الثانية في العام 2009.
فيما يتعلق بالصاروخ الأخير «أونها3»، الذي لم يبلغ هدفه، فإن طول هذا الصاروخ يبلغ 30 متراً ويزن 80 الى 85 طناً بحسب تحليل يعود الى 2009 اجراه العالمان ديفيد رايت وثيودور بوستول.
وفي نشرة «علماء الذرة» وصف العالمان هذا الصاروخ بأنه «متقدم كثيراً» مقارنة مع الصواريخ الأخرى، وان نسخة معدلة منه قد تبلغ الولايات المتحدة.
الأمر الآخر في القضية يتعلق بهواجس بعض الدول ليست فقد تلك المعادية لنظام بيونغ يانغ، بل حتى الدول الصديقة مثل الصين (حدودها مع كوريا تبلغ 1.353.2كيلومتراً)، وروسيا (لها حدود قصيرة مع كوريا لا تتجاوز 16.2 كيلومتر) تجاه طموحات الشماليين النووية والاستراتجية. ففيما يعتقد العلماء الذريّون بأن لكوريا الشمالية كمية كافية من البلوتونيوم لإنتاج ست أو ثماني قنابل صغيرة، تشير واشنطن وحلفاؤها في سيول وطوكيو الى أن مشروع اطلاق صاروخ لوضع قمر اصطناعي مخصص للمناخ في المدار، ما هو إلاّ ستار لاطلاق صاروخ بعيد المدى يمكن أن تليه تجربة نووية. هذا الهاجس أكدته مصادر عسكرية كورية جنوبية، رغم أن عدوتها الشمالية وافقت في شباط الماضي على اتفاق يقضي بأن تعلّق برنامجها لتخصيب اليورانيوم وتجارب اطلاق الصواريخ والتجارب النووية لقاء الحصول على مساعدات غذائية من الولايات المتحدة.
هذا التعبير الكلاسيكي عن «القلق» وإثارة الغبار حول القضية، كرّسه مسؤول في الاستخبارات الكورية الجنوبية، حين ذهب أبعد من غيره في شرح التفاصيل بقوله لوكالة «يونهاب» من العاصمة سيول، إن «كوريا الشمالية تجري تحضيرات سرية لتجربة نووية ثالثة في موقع «بونغي ـ ري» في إقليم هامكيونغ الشمالي، حيث أجرت تجربتين نوويتين سابقاً».
في أي حال تثبت هذه التجربة الفاشلة، أن النظام الستاليني الحديدي الذي بدأ تطوير صواريخ صينية وروسية ووصل الى صناعتها بنفسه بعد حين، يواصل مسيرته الصاروخية منذ كيم ايل تسونغ مروراً بإبنه كيم يونغ إيل وصولاً الى حفيده كيم يونغ أون، رغم ما يعانيه شعبه من فقر وجوع وستار حديدي يعزله عن العالم. المرحلة المقبلة ستحمل الكثير من المفاجآت بخصوص مستقبل هذا البلد الذي توفي زعيمه إيل في كانون الأول 2011 ، فيما كان الشهر الماضي (نيسان) الذي صادف ذكرى مرور مئة عام على ميلاد تسونغ حافلاً باستحقاقات رسمية تمثلت في قيام «حزب العمال الكوري» الحاكم والوحيد، بتعيين أون، أميناً عاماً له في اجتماع استثنائي مما يكرسه على رأس السلطة في هذه البلاد.