جر لبنان نحو الصراع: مصلحة مشتركة بين المعارضة والنظام السوري
بيروت – «برس نت»
أثبتت «المعارك» التي اندلعت أمس في شتى أنحاء لبنان أن الحكومة اللبنانية، في ما يتعلق بالملف السوري، لا تستطيع أن تكون حيادية كما يريدها البعض، كما أن البعض لا يريدها أن تكون حيادية وأن سياسة «النأي بالنفس» لا يريدها أي من الطرفين المنقسمين حول الثورة السورية. ذلك أن عودة شبح الصراع بين الفئات اللبنانية وبروز شبح غياب الدولة وتربص شبح أزمة اقتصادية قاسية، هي مؤشرات انزلاق لبنان إلى مستنقع الحرب الأهلية السورية.
يقول ديبلوماسي غربي في بيروت «إن توسع بؤرة التوتر في الشمال كانت منتظرة منذ اسبوعين» ويربطها مباشرة بالوضع السوري. ويتابع، شرط كتم هويته، إن الطرفين في سوريا يرغبان بجر لبنان نحو الصراع، ويؤكد بأن ذلك هو «أقرب طريق لتدويل المسألة السورية» إذ يعتقد الطرفان، أي المعارضة السورية بشتى أطيافها والنظام السوري، أن المجتمع الدولي لن يقوم بأي خطوة لتحريك الوضع نحو نهاية النفق والخروج من مأزق «مقاومة النظام غير المنتظرة» من جهة المعارضة و«تكالب قوى إقليمية مع المعارضة لمنعها من الانهيار» من جهة النظام، ما لم يتوسع الصراع نحو لبنان.
ويتوسع الديبلوماسي بالشرح بأن النظام السوري رأى في البداية مؤشرآً جيداً بتكليف كوفي عنان بمهمة «لا حدود زمنية لها وغير مرتبطة بأي رادع دولي» واعتقد بأنه «تحت عباءة عمل لجنة المراقبين الدولية يستطيع أن يصفي المعارضة». ويتابع الديبلوماسي الذي يعرف جيداً البلدين بأن المعارضة «المشتتة بشكل لا يمكن لأي عقل أن يتصوره» أعتبرت أيضاً أن وجود لجنة كوفي عنان سوف يسمح لها بالعمل على الأرض بالقيام بتظاهرات جرارة إلى جانب بعض الأعمال العسكرية المدروسة» لتسقط النظام.
ويشرح الديبلوماسي بأن قراءة سريعة للأحداث تشير إلى أن الطرفين ولأسباب غير متقاطعة، فشلا في توجيه الأحداث حسب ما اعتبرا: إذ أن النظام السوري تابع قمع المعارضة بقوة غير آبه بوجود المراقبين متحججا بوجود «أصول إرهابية للانتفاضة» بينما اندفعت فرق من المعارضة نحو الأعمال العسكرية للرد على هذا القمع باستعمال أساليب غذت وتغذي يومياً الحلقة المفرغة من الاتهامات التي تقود إلى موجات عنف دامية.
يقول الديبلوماسي إن «لبنان يمثل باب التدويل» وهذا التدويل بات مطلوباً ليس فقط من النظام السوري الذي يرى أنه يعيد محاكاة شريط سنوات الحرب اللبنانية والأزمات المتتابعة حيث لعبت دمشق دور «الضامن للوضع اللبناني» ما جلب لنظامها «أمناً ذاتياً مبنياً على تجميد الوضع اللبناني»، ولكن أيضاً من قبل قوى إقليمية تدعم المعارضة رأت أن «الباب التركي قد انسد بوجه المعارضة».
ويتابع الديلوماسي أن الدول الخليجية ترى بأن تركيا جمدت نشاطها في الشمال السوري وأن ذلك يعود (بحسب رأي الديبلوماسي) إلى ثلاثة عوامل: ١- تحريك النظام السوري لبعض الفرق الكردية. ٢- النشاط الديبلوماسي الإيراني عبر العراق لـ«دعم صلابة موقف النظام السوري» ٣- خوف السلطات التركية من «النشاط المتزايد للسلفيين في داخل المعارضة السورية» والتحذيرات التي صدرت من عدة جهات غربية في هذا الشأن.
ومن هنا فإن المعارضة والنظام إلتفتا نحو لبنان.
يشكل لبنان بالنسبة للمعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة «رئة تنفس حرة بعكس رئة التنفس التركية التي هي اصطناعية تحت أوامر صارمة»، ولا يشك الديبلوماسي من تواجد مسلح سوري في شمال لبنان وإن هو اعتبر «أنه يشكل مواكبة لعمليات تهريب السلاح»، إلا أنه يقول إن «الفريق الذي يؤيد المعارضة السورية يفعل ذلك انطلاقاً من عدائه للنظام السوري لا أكثر ولا أقل» ويتكئ على هذا «العداء ودعم المعارضة» لتقوية موقفه السياسي الداخلي. وبالنسبة لمؤيدي النظام السوري في الداخل اللبناني فإن قسمآً بسيطاً يدعم هذا النظام «إيديولوجيا» أما الأكثرية من مؤيديه فهم يغذون هذا الدعم «لأسباب هي استراتيجية إقليميا وتكتيكية محلياً»، ما يجعل من خيارات القوى السياسية اللبنانية «خليطاً متفجراً».
ويرى الديبلوماسي مع عدد من «الزملاء» حسب قوله في إشارة إلى ديبلوماسيين غربيين اجتمعوا في عطلة نهاية الاسبوع، بأن خيار النظام والمعارضة السورية بنقل المعركة إلى لبنان هو خيار خطر جداً بسبب الطابع المذهبي الذي يمكن أن يصبغ أي صراع مبني على التركيبة الحالية للقوى السياسية في لبنان. ويشير إلى المذهبية التي طبعت الاشتباكات في طرابلس «بين سنة باب التبانة وعلويي جبل محسن» وكيف أتت بالتوازي مع هجوم قوات النظام السوري على قرى سنية قرب حماة وأخرى في درعا.
ويشير الديبلوماسي إلى أنه بعد مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد المعروف بمواقفه المنتقدة لنظام الأسد والداعمة للاحتجاجات في سوريا برصاص الجيش اللبناني عند حاجز عسكري في منطقة عكار شمال لبنان، فإن «لسان نار الاحتجاجات لعق خطوط تماس مذهبية» من الشمال إلى الجنوب مروراً في بيروت والأحياء المشتركة.
ويشدد الديبلوماسي على أن «الرغبة بنقل الصراع إلى لبنان ظاهرة لدى الفريقين» ويلفت الانتباه إلى أن النظام السوري «وجه رسالة إلى الأمم المتحدة يتهم لبنان بإيواء الإهابيين» فيما دعا «المجلس الوطني السوري» السلطات اللبنانية إلى الالتزام بالعقوبات العربية والدولية المفروضة على النظام السوري الذي يقوم «بالاحتيال المالي بالتعاون مع حلفائه في لبنان». أما القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة فقد لفت الانتباه دعوة ثلاث دول خليجية رعاياها إلي عدم التوجه إلى لبنان وهو أبرز «إشارة سيئة» تدل إلى تدهور الوضع.
وفي «الرسالتين» دعوة صريحة لتدويل الوضع في لبنان وصولاً إلى تدويله في سوريا، إلا أنه بحسب رأي الديبلوماسي فإن حسابات الطرفين خاطئة مئة في المئة، إذ أن العالم يعيش أزمة مالية رهيبة ولديه اهتمامات تتجاوز الاهتمام بوضعي لبنان وسوريا إذا توسعت حرب أهلية لتشمل الدولتين، وأقصى ما يمكن أن يحصل هو «تفويض» قوى إقليمية إدارة الصراع، وبما أن هذه الدول التي يمكن تفويضها «منغمسة في الصراع» فإن ذلك يعني «أقلمة الصراع مع تلوين مذهبي» يتوسع شرقاً وغرباً.