تجاذبات دولية على انقاض سوريا
جاد عويدات
المعضلة السورية باتت كرة تتقاذفها الدول الكبرى فيما بينها. أصبحت سوريا عنوانا للحرب الباردة بين الدول الغربية من جهة وبين إيران والصين وبوتين العائد إلى الكرملين من جهة أخرى وهو يملك الان ما يستطيع من خلاله قلب المعادلة ولكن في مقابل غالي الثمن. الملف السوري اذا ورقة بورصة غالية الثمن لم يستطع الغرب دفع ثمنها حتى الان.
هل وصل التخبط الدولي حيال سوريا ذروته عن سابق تصور وتصميم ؟ عجز المراقبون والمحللون خلال الأشهر الماضية عن فهم ماهية الحل في سوريا وكيف ستنتهي الأمور في هذا البلد. أهو حلٌ يمني، ليبي أم تونسي ألخ ؟ وصلتنا إجابة من وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ، اعتبر فيها أنه لا مجال للتدخل العسكري في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا “حيث قمنا بتدخل ناجح لإنقاذ الناس من القتل”، لكن وليم هيغ أضاف أن التدخل الغربي وارد كالذي حصل في البوسنة. ويعزو الوزير هذا الامر لان الوضع في سوريا يشبه كثيراً ما حصل البوسنة في التسعينات، فالبلد على شفير الحرب أهلية طائفية حيث “تتبادل قرى مجاورة الهجوم وتتقاتل في ما بينها”. في قراءة هيغ للاحداث تناقض فاضح. لا نرى فرقا بين هذا التدخل او ذاك حتى ولو كانت أهدافه نبيلة ومبررة.
تصريحات هيغ وغيره من المسؤولين الدوليين تفتقد للمصداقية لأنها تصب في خانة تأجيج الصراع الداخلي الدولي حول سوريا. الحل ربما يكون كما حصل في البوسنة. ولكن هل الحل على الطريقة البوسنية في سوريا هو حل مناسب ؟ هل هو بالحل الناجع والسريع لبناء وطن على أسس جديدة وصلبة ؟ وما هي عواقبه على سوريا وبلاد الجوار؟ نذكر بان هذا المنطق يعني أن التدخل العسكري قد يتم بعد سنتين او ثلاث سنوات من تاريخ إعلان دخول البلاد في آتون الحرب الاهلية أي بعد سقوط حوالي مئة ألف قتيل.
المقارنة مع البوسنة قد تكون زلة لسان، هل سوريا تسير في اتجاه التقسيم الى دويلات قائمة على عنصر العرق والطائفة.؟ هل هذا ما يقصده الوزير البريطاني ؟ في هذا السياق، كرر الامين العام لحلف شمال الاطلسي (الناتو) عدم نية الحلف التدخل عسكريا في سوريا. ولا ننسى الجار التركي، فهناك تريث مفاجئ وغامض ظهر في الموقف التركي. هناك صمت وهدوء على مستوى ديبلوماسيتها. لم نعد نسمع رجب طيب أردوغان يطالب الأسد بالتنحي لأنه يخاف من اندلاع حرب أهلية في سوريا وبالتالي من حراك كردي على أراضيها. على الرغم مما يواجهه النظام السوري من انزلاق وفقدان السيطرة على بعض الأحياء والمناطق. ما زال لدى الأسد العديد من الاوراق.
الرئيس السوري بشار الأسد أيضاً يسير في تناقض صارخ يطول شرحه عندما يتحدث عنالإصلاح والسياسة فيما الأوضاع الميدانية تناقض أقواله وخطاباته، لأنه ببساطة يريد العودة إلى ما قبل آذار ٢٠١١ حفاظا على النظام القائم منذ عقود على ذات العقيدة في سوريا لكنه بات أيضاً أسيرا للمِزاج الروسي. روسيا شريك ايضا في ما يحصل ميدانيا. حصيلة ضحايا السلطات السورية لن تشفع لها المواقف الداعمة من إيران وكذلك الدعم للامتناهي من روسيا. لقد أسدت الأزمة السورية لروسيا ورقة للتفاوض على المسائل الحساسة بين الولايات المتحدة وروسيا عاجلا أم آجلا لن تتردد في استخدامها.
أما في العودة إلى إصدار عدة دول، منها فرنسا والولايات المتحدة، بيانات تحذر فيها من وقوع مجازر محتملة في مناطق حمص والحفة وغيرها، فما الغاية من ذلك ؟ لو كان لدى هذه الدول معلومات مؤكدة وموثقة، هل كانت ستحمي بياناتها الشعب السوري؟ إذا لما لا تتدخل هذه الدول عسكريا وقواعدها العسكرية مرابطة على بعد بضعة كيلومترات ؟ من هنا الشك في نية الدول الغربية لحسم الامور في سوريا التي تتلطى وراء الفيتو الروسي والصيني الذي يمنع التدخل العسكري. أو لما لا تدفع بالأمور نحو الحل السلمي؟ إنه تناقض دولي على أنقاض سوريا، الغرب يحارب القاعدة في افغانستان ويؤمن البيئة الخصبة لها في سوريا (الغارديان 11 حزيران 2012).
هذا التذبذب الغربي في عدم حسم الأمور أوصل سوريا الى مراحل الحرب الاهلية قد تستمر لسنوات. سوريا في خطر، الخطر يأتيها من الداخل ومن الخارج. في الداخل، نظام مصرٌ على التشبث بالسلطة حتى الرمق الاخير وبالمقابل تجاذب دولي وإصرار على ترك الأمور تسير في اتجاه الحرب الأهلية من خلال التهديد والوعيد بإسقاط النظام عبر تسليح المعارضة أو التدخل العسكري عبر الضربات الجوية وأن النظام فقد شرعيته وعليه أن يرحل وكل هذه التصريحات تبقى في اطار الفرقعات الاعلامية. والمستغرب انه منذ بداية الأزمة في سوريا، لم يتطرق أحدٌ إلى إمكانية الحل السلمي، أُنشأ المجلس الوطني السوري كإطار معارض من خارج سوريا من دون أن يتطور إلى ممثل شرعي وحيد للشعب السوري رغم الدعم الدولي!
خطوة تعيين رئيس جديد للمجلس السوري المعارض الديموقراطية تستحق الثناء من حيث الشكل أما في الجوهر فبيت القصيد هو الخطر المحدق بسوريا والحرب الاهلية التي دخلت فيها رسميا بحسب مسؤول عمليات حفظ السلام في الامم المتحدة هيرفيه لاسو. الرئيس الجديد للمجلس الوطني السوري تحدث عن “سوريا المستقبل التي ستكون مدنية ديموقراطية تعددية…” خطاب رنان سمعناه في ليبيا والعراق من قبل وفي حال سقط الاسد مستقبلا سيكون هناك أحاديث عن حصة لهذه الطائفة أو تلك، لهذه الفئة أو هذه المنطقة. عبد الباسط سَيْدا دعا الامم المتحدة للتدخل في سوريا تحت الفصل السابع وطمأن الأقليات العلوية والمسيحية. وهل هو مخول بالحديث باسم الشعب السوري للطلب صراحة بالتدخل العسكري؟
تحاول المعارضة السورية استثمار الاعمال الإجرامية الاخيرة التي راح ضحيتها المئات من المدنيين لفتح أعين الرأي العام العالمي على مجازر النظام السوري. تصعيدٌ مشروع في سبيل تأمين الحماية للشعب السوري لو بقي في إطار السياسة ولكن يبقى من الخطأ الدعوة الصريحة للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا لأنه على ما يبدو لم يستفد القياديون في المعارضة من قراءة تاريخ التدخلات الغربية في دول عربية وغيرعربية.
يبقى الشعب السوري الضحية للعبة الامم. أما الضمير العالمي التي تحدثت عنه هيلاري كلينتون فهو غير صادق. الدول الكبرى المعادية للنظام السوري تدرك بان النظام السوري يملك الكثير من الاوراق وأن سقوطه سيأتي بنتائج كارثية على سوريا وكافة الدول المحيطة ولهذا السبب لقد أوصلوا الشعب السوري الى “نصف البير” وقطعوا به الحبل والسُبل. لابد من الاستفادة من عبر التاريخ بعضها ليس ببعيد وطرح حل سلمي للازمة السورية عبر مؤتمر دولي. عدد الضحايا يزداد يوميا، قتلى وجرحى من العسكريين والمنشقين والمدنيين أطفالا ونساءً، هذا الامر الوحيد لا تناقض فيه إنها الحقيقة المرة الآتية من سوريا.