فرنسا: جوبيه بديلاً عن ساركوزي لمواجهة هولاند؟
بسّام الطيارة
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وتراجع شعبية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يستعد للترشح لدورة ثانية في الـ”إليزيه”، وهو ما يخيف اليمين ويسعد المعارضة، بات السؤال الأول المطروح اليوم هو: “هل حانت ساعة الانتقام السياسي لوزير الخارجية آلان جوبيه”؟
كل استفتاءات الرأي تشير إلى أن الاشتراكي فرانسوا هولاند سوف يربح جولة الترشيح داخل الحزب، وأنه سوف يهزم ساركوزي بفارق كبير. وكانت بعض الاستفتاءات والتحليلات تشير إلى أن قاطن الـ”إليزيه” يمكن أن يحل ثالثاً وراء مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبن، أي أن لا يكون حاضراً في الدورة الثانية، ما يمكن أن يجبر يمين الوسط والديغوليين للتصويت إلى جانب أي مشرح يواجه لوبن كما حصل بشكل معاكس العام ٢٠٠٢، حين وصل جان ماري لوبن إلى الدورة الثانية، أمام الاشتراكي ليونيل جوسبان، فحصد جاك شيراك آنذاك ٨٢ في المئة من الأصوات.
ويفسر هذا قلق اليمين الفرنسي، والحديث، الذي بدأ يرتفع بشكل علني، حول “البحث عن بديل” لساركوزي. ومن الأسماء التي بدأت تفرض نفسها: آلان جوبيه. وبدأت المقارنات بين هولاند وجوبيه تقلق أصدقاء ساركوزي لأنها تعاكس تيار الاستفتاءات وتشير إلى أن لجوبيه حظوظاً بدحر مرشح اليسار. فهولاند لم يحتل أي مقعد وزاري رغم ثلاثين سنة في عالم السياسة، على عكس جوبيه، الذي كان وزيراً للمال ووزيراً للخارجية، قبل أن يحتل مركز رئاسة الوزراء في عهد شيراك. هولاند احتل لمدة عشر سنوات منصب السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، فشهد حزبه ثلاث هزائم متتالية في الانتخابات الرئاسية وترك الانقسامات تتطور فيه إلى درجة الصراع على الترشح في العام ٢٠٠٧، الذي قاد إلى هزيمة زوجته السابقة وأم أولاده، سيغولين رويال، وإلى إقرار “انتخابات داخلية داخل الحزب”، هذه المرة لاختيار مرشح للرئاسة.
وبالمقابل يدرك المواطن الفرنسي، من اليمين الى اليسار، أن ابتعاد جوبيه، الذي كان “النجم الصاعد للشيراكية”، عن السياسة في نهاية عهد شيراك كان “نوعاً من التضحية، لحماية الرئيس في مسألة الوظائف الوهمية في بلدية باريس، مع وجود الكثير من الشبهات التي تتحدث عن دور لمحيط ساركوزي في تحريك هذه الملفات لإزاحة منافس جدي، وهو ما حصل. إلا أن جوبيه، الذي ترأس الحزب الديغولي، استطاع ضم الوسط وأسس حزباً شعبياً كبيراً هو “اتحاد الأكثرية الشعبية”، الذي أوصل شيراك مرة ثانية إلى الإليزيه، وفتح الطريق لوصول ساركوزي. في حين أن ساركوزي قد تسبب بعودة انفصال الوسط، وانهيار شعبية الحزب، وترك الباب واسعاً أمام عودة اليمين المتطرف ليقضم من شعبيته.
يبحث اليمين عن مرشح آخر “من دون أن يبوح بذلك خوفاً من غضب القصر”، كما قال لـ«أخبار بووم» أحد أقطاب اليمين، ويستطرد “إن فرانسوا فييون قد ارتبط اسمه كثيراً بعهد ساركوزي ولن يستطيع نقد وانتقاد ما قام به كرئيس وزراء طيلة خمس سنوات”، مضيفاً أن شعبيته هي “شعبية تقنية”، أي ان المواطن يعترف بكفاءته، إلا أنه يراه من دون “كاريزما شعبية” يمكن أن توصله إلى الـ”إليزيه”. وقد بات البحث ملحاً بعد خسارة اليمين لأول مرة مجلس الشيوخ، هو ما عكسه عدد من استفتاءات الرأي التي بدأت «تحشر» اسم جوبيه بين أسماء المرشحين، رغم إصراره على «أنه سوف يساعد ساركوزي» في الانتخابات الرئاسية. وقد «تحسست» الصحافة الأجنبية هذا التوجه، وخرج عدد من الصحف العالمية بتحقيقات عن جوبيه «تلمع» محاسنه السياسية، وكان آخرها صحيفة «نيويورك تايمز» التي وصفته بأنه «جدي ومهذب وذكي وعامل دؤوب»، وكأنها تقول بأن هذه الصفات هي عكس ما يمكن وصف ساركوزي بها.
إلا أن جعبة ساركوزي ومؤيديه في الحزب لا تزال مليئة ولدى الرئيس قدرة غير محدودة على المناورة، أضف إلى أن صفته كـ«حيوان سياسي» قادر على قلب المعادلات يمكنها أن تساعده بشكل حاسم. وشكل إعلان الوسطي «جان لوي بورلوو» انسحابه من السباق الرئاسي دفعة إيجابية لحظوظ ساركوزي وابتعدت إمكانية انقسام أصوات اليمين لصالح لوبن. وحسب أكثر من مصدر مقرب، فإن هذا الانسحاب جاء نتيجة «مفاوضات وبازار سياسي»، ووعد برئاسة الوزراء في حال كسب ساركوزي السبق الرئاسي. كما أن ساركوزي، رغم عدم إعلانه ترشحه، فإنه، كما أشارت عدة صحف فرنسية، «بات في حملة انتخابية». وذكرت صحيفة “لوموند” أنه يكفي متابعة أجندة تنقلاته اليومية في كافة مقاطعات فرنسا لمعرفة أنه يقوم بحملة انتخابية. وفي الواقع، فهو يزور المصانع ويخاطب العمال في دغدغة لمشاعر «شعبوية» لكسب أصوات اليمين المتطرف. كما أن كل القرارات التي تصدر منذ شهر تشكل نوعاً من «الهدايا الانتخابية» التي من الممكن أن يقبض ثمنها في الأسابيع المقبلة ارتفاعاً في شعبيته في الاستفتاءات المقبلة، ما يمكن أن يُسكت المطالبين بتغييره.
في جميع الأحوال، وحتى قبل انقلاب الأدوار وترشيح جوبيه، فإن مرشحي الحرب الاشتراكي بدأوا تغيير استراتيجيهم الانتخابية بشكل كامل لأن كافة الاستراتيجيات السابقة كانت مبنية على «مجابهة ساركوزي الضعيف»، وها هم يتحضرون لاحتمال آخر، لعل هذا ما يبحث عنه ساركوزي.