طوباوية أنان وخبث الديبلوماسية الدولية
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
رغم الضباب الذي يلف الاتفاق الذي أقرته مجموعة الاتصال حول سوريا في جنيف أمس، ورغم الضجة الإعلامية التي رافقت إعلان «التوصل إلى حل»، الضجة تراوحت بين منتقد ورافض لما يحويه الاتفاق، فإن العواصم المؤثرة تنفست الصعداء لمجرد إعلان الاتفاق وذلك لأسباب خاصة بكل دولة.
رأى البعض أن الاتفاق هو القبول بأن تقود موسكو خط حل الأزمة فانتقدت المعارضة وبعض الدول المتشددة الاتفاق. رأى البعض الآخر أن الاتفاق يشير إلى تدخل خارجي في الشأن السوري فرفض النظام الاتفاق. واشنطن سارعت إلى الدعوة لجعل هذا الاتفاق تحت «رعاية» مجلس الأمن، باريس ولندن طالبت بوضع الاتفاق تحت البند السابع لـ«تسهيل» تطبيقه بينما موسكو رأت أن هذا الاتفاق «مثالي» يساعد السوريين على حل مشاكلهم بين بعضهم البعض. وخلال هذا الوقت الضرب والقصف والخطف والتفجيرات قائمة ولائحة القتلى والجرحى تزداد طولاً والتهجير على قدم وساق وعدد الهاربين إلى الدول المجاورة بارتفاع مستمر.
ماذا يقول الاتفاق الذي هو في الواقع خطة انتقالية لا أكثر ولا أقل (يصعب تطبيقها) لمعالجة الأزمة السورية؟
ننشر هنا أبرز نقاط هذه «آلورقة» (كما أوردتها وكالة الأنباء الفرنسية) مع تفسيرات لا يقولها الاتفاق تبرز ضعف إحتمال أن يشكل الاتفاق حلاً:
– وجوب تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية.
* يعني هذا تنحي بشار الأسد عن السلطة، وهو من أسباب رفض النظام للاتفاق. ولكنه يؤسس أيضاً لبقاء النظام عبر استمرارية دستورية وهو ما ترفضه المعارضة وإن كان يثلج قلب موسكو التي أقنعت واشنطن بضرورة سد باب الفوضى في بلاد الشام لمنع الأصوليين من الاستفادة من الفراغ.
– على الحكومة السورية أن تسمي محاورا فعليا عندما يطلب المبعوث الدولي (كوفي انان) ذلك، للعمل على تنفيذ خطة النقاط الست والخطة الانتقالية.
* بما أن تشكيل حكومة جديدة مرفوض أصلاً من المعارضة وكذلك من النظام (للأسباب المعروضة أعلاه لكلا الفريقين وبسبب البند التالي للمعارضة) فإن طلب كوفي أنان لن يلقى أي جواب عملي.
– يمكن للحكومة الانتقالية أن تضم أعضاء في الحكومة الحالية والمعارضة، وسيتم تشكيلها على قاعدة التفاهم المتبادل بين الأطراف.
* مرة أخرى في ترديد ممل ومكرر يعرض الاتفاق تعاون المعارضة والنظام و«تفاهم متبادل» وهو لو وجد لما كان هناك أي ضرورة لتدخل خارجي ولما كانت الحرب ولغة الموت هي المهيمنة على العلاقة بين المعارضة والنظام.
– على جميع مجموعات وأطياف المجتمع السوري التمكن من المشاركة في عملية الحوار الوطني.
* كيف يمكن إجبار من يرفض من المعارضة المشاركة في عملية الحوار وكيف يمكن إجبار النظام على قبول محاورة من يشير إليهم بالإرهابيين؟ علماً بأن المعارضة ترفض مشاركة النظام بأي شكل من أشكال الحوار.
– من الممكن البدء بمراجعة للدستور، إضافة إلى إصلاحات قانونية. أما نتيجة المراجعة الدستورية فيجب أن تخضع لموافقة الشعب. وحالما يتم الانتهاء من المراجعة الدستورية، يجب الإعداد لانتخابات حرة ومفتوحة أمام كل الأحزاب.
* عندما تتحدث المجموعة عن «مراجعة الدستور» أو «الإعداد لانتخابات حرة» تبدو وكأنها في المريخ «لا تصلها أي برقية» عما يحدث على الأرض من حرب أهلية وقتل ودمار، ناهيك عن أن الفرقاء المتقاتلين يرفضون مبدأ «مخاطبة الآخر» ولا يرفعون سوى شعار «الإلغاء»: النظام يريد «إنهاء تمرد والقضاء على إرهابيين» حسب قوله، بينما المعارضة تريد «خلع النظام الموجود» والتخلص من كل المستفيدين منه وسوقهم إلى المحكمة الدولية.
– يجب أن تحظى النساء بتمثيل كامل في كل جوانب العملية الانتقالية.
* هذه إشارة ترضي الجمعيات الحقوقية الناشطة وتعطي بعض الدول «عربونا» يفيد أن «الإسلاميين لن يسيطروا على مستقبل سوريا» ولكن ما هي التطبيقات الفعلية لمثل هذه النقطة في الظروف الحالية؟
– يجب التمكن من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر تضررا، وان يتم إطلاق سراح المعتقلين.
* ألم يكن من الأجدى أن يكون هذا البند هو الأول إذ أنه يسمح للشعب بالتنفس والنظر إلى البنود الأخرى، فيما يشكل إطلاق المعتقلين، لدى الطرفين رغم عدم تساوي الأعداد حيث المعتقلين لدى النظام يعدون بالآلاف، بادرة نوايا حسنة.
– يجب تأمين استمرارية المرفق العام أو ترميمه. هذا يشمل الجيش والأجهزة الأمنية. يجب أن تحترم كل المؤسسات الحكومية حقوق الإنسان.
* هذه النقطة يمكن تطبيقها في كل دول العالم. ولكن االنظام يسعى عبر القوة مستعملاً الجيش والأجهزة الأمنية لقمع المعارضة التي تسعى بدورها لإضعاف «أدوات النظام هذه» عبر هجمات يومية تستهدف كل رموزها. أما «حقوق الإنسان» فهي ضائعة بين الفريقين.
– يجب أن يتمكن ضحايا النزاع الدائر حاليا من الحصول على تعويضات أمام القضاء.
* رغم أنه من حق السوريين الذين تم تدمير منازلهم والذين قتل معيلهم أو قريب عزيز الحصول على تعويضات، إلا أن مجرد وضع هذه النقطة في اتفاق معظم بنوده مرفوضة مبشدة من الأطراف المتقاتلة تجعل هذا البند بلا معنى في الوضع الحالي. ولكن يججب التنبيه هنا إلى أن هذا البند يبدو وكأنه يسعى إلى التلويح لمؤيدي المعارضة أكثر من مؤيدي النظام بأن «وقف القتال يمكن أن يأتي بتعويضات».
– يجب وضع حد لإراقة الدماء. كل الافرقاء يجب أن يجددوا دعمهم لخطة النقاط الست التي قدمها انان، خصوصا على وقف إطلاق النار. على جميع الافرقاء احترام بعثة مراقبي الأمم المتحدة والتعاون معها.
* هذا هو الهدف الذي يجب أن يسعى إليه المجتمع الدولي «وقف القتال» أي وضع حد لإراقة الدماء. عندما يتطرق هذا البند إلى كلمة «تجديد» للحديث عن «خطة أنان» فهو يشير بحياء شديد إلى «رفض هذه الخطة ورفض تطبيقها» من الفريقين، وإلا لما كانت هناك ضرورة للدعوة لوقف إطلاق النار للمرة الألف. إلا إذا كان هذا البند موضوع للدعوة لعدم «المس بالمراقبين الدوليين» القابعين في فندقهم.
– مجموعة الاتصال على استعداد لتقديم دعم فاعل لأي اتفاق يتم التوصل إليه بين الأطراف. يمكن لهذا الدعم أن يتخذ شكل مساعدة دولية بتفويض من الأمم المتحدة.
* يفيد هذا البند أن المجموعة الدولية تدرك بأن الاتفاق المعروض أعلاه لن يرضى القرقاء وتحاول فتح باب لا مفتاح له: «دخول مجلس الأمن على الخط» (مطلب فرنسي وأميركي وقطري) ولكن بموافقة «الأطراف» (شرط روسي) أي جمود في الوضع.
– سيتم تخصيص إمكانات مادية مهمة لإعادة اعمار البلاد.
* بالطبع تظل المساعدات المالية ضرورية بعد الصراع المدمر ولكنها تظل قبل كل شيء باب تدخل القوى المؤثرة. وهذا البند ليس جديد …كما أنه يكلل كل الااتفاقات الدولية.
– يعارض أعضاء مجموعة الاتصال أي عسكرة إضافية للنزاع.
* يظهر هنا «الخبث الديبلوماسي» جلياً عبر كلمة «عسكرة إضافية». تشير إلى «اعتراف» المجموعة الدولية بأن بعض الدول (التي لا تخفي ذلك أصلاً) تدعم المعارضة عسكرياً. موسكو من جهتها أفهمت العالم أنها سوف تواصل مد النظام بعتاد دفاعي، قطر والسعودية ودول أخرى تمد المعارضة بعتاد عسكري وبمقاتلين. هل يعني هذا البند أن موسكو ستكتفي بـ«إصلاح المعدات وإعادتها إلى النظام» كما حصل مع طائرات الهليكوبتر؟ أم أن قطر والسعودية لن تشحنا معدات جديدة وسوف تكتفيا بمد ذخيرة للأسلحة المقدمة سابقاً ؟
– على المعارضة تدعيم تماسكها بهدف تسمية ممثلين فعليين للعمل على خطة النقاط الست والخطة الانتقالية.
* بند يشير إلى ضعف المعارضة ومشاركتها في مسؤولية فشل خطة أنان بسبب «عدم تسمية ممثليين فعليين»، ويفيد أيضاً بأنه انتظار توحيد المعارضة فإن العمل على الخطة مجمد.
– يمكن لمجموعة الاتصال أن تلتئم مجددا بطلب من المبعوث الخاص.
* بند لشد أزر المبعوث الدولي ولإبقاء شعلة الأمل بزن له دور يلعبه ولن يتم التخلي عن مهمته في القريب العاجل.
يتبين من هذه المقاربة السريعة للخطة الانتقالية ليس فقط صعوبة تطبيقها إذ أنها «ولدت ميتة» ولكن خبث الديبلوماسية الدولية وعبثية لقاءات دولية بين أطراف تسلح المتحاربين فيما هي تبتسم للصحافة العالمية بانتظار تغيير في موازين القوى يسمح لها بفرض أهداف لم تبح بها خلال اللقاء.
بانتظار الانتخابات الأميركية سوف تسيل الدماء في بلاد الشام.