«ما يجب أن يُقال» لـ«غنتر غراس» قصيدة تنتقد إسرائيل
القصيدة الإعصار
عميد الأدب ألألماني يقول في قصيدته ما لا تحب أسرائيل سماعه: إسرائيل تهدد السلام العالمي باسلحتها النووية وتحارب نقادها باتهامهم باللاسامية
بقلم: حكم عبد الهادي*
أخيرا قال جنتر غراس الأديب الألماني الحائز على جائزة نوبل للأدب في عام 1999 ما يجب أن يقال في قصيدته التي نشرت في 4/أبريل 2012 . قال إن أسرائيل تهدد السلام العالمي بترسانتها النووية. غراس قال أكثر من ذلك مما أثار ضجة في وسائل الإعلام الألمانية والعالمية وفي أروقة الدولة الألمانية ومؤسساتها. كما تفاعل الجمهور بشكل كبير سواء سلبا أو أيجابا بما ورد في القصيدة من آراء ناقدة لإسرائيل لم نتعود على سماعها من مثل هذه الشخصيات المرموقة. القصيدة طويلة وستساهم بالتأكيد في كسر حاجز الخوف من فضح إسرائيل وهذا هو نصها الكامل، الذي ورد تحت عنوان: ” ما يجب أن يُقال ”
” ما يجب أن يُقال ”
لماذا أصمتُ، لماذا لا أقول طيلة هذا الوقت،
ما هو معروف وأجريت عليه الإختبارات،
لنبقى بعد نهايتها في أحسن الأحوال مجرد هوامش.
ألكلام هنا عن الحق في الإقدام على الضربة الأولى،
التي قد تفني الشعب الأيراني الذي يضطهده بطل المزايدات
ويرغمه على الاحتفالات المنظمة، هذا الشعب
الذي قد يُسحق بسبب مجرد الشك
في صناعة قنبلة ذرية واحدة فوق أراضيه.
لماذا لا اسمح لنفسي بذكر إسم الدولة الأخرى،
هذا البلد الذي يملك منذ سنوات – ولو تحت غطاء السرية –
ترسانة نووية متعاظمة ولكن دون أي رقابة لأن فحصها
والوصول اليها غير وارد؟
الصمت الشامل على هذه الحقيقة الذي
يندرج في اسفل إطاره صمتي،
أشعر أنه كذبة تعذبني
وكشئ مفروض علي يسفر تجاهله عن
عقوبة محتملة…عقوبة الإتهام
باللاسامية وما أكثر المرات التي توجه فيها هذه التهمةا.
ولكن الآن ولأن بلادي، حيث نفذت جرائم غير قابلة
للمقارنة في بربريتها ولا نخفيها عن أحد،
بلدي هذا يقوم بصفقة مدعيا بلسان لجوج
تقديم تعويض في قالب غواصة أخرى لإسرائيل
غواصة متخصصة بتوجيه رؤوس نووية
قادرة على تحطيم الأخضر واليابس إلى حيث لم يُثبت
بعد أمر وجود قنبلة ذرية واحدة
ولأنني أخشى قوة هذا الإثبات سأقول
ما يجب أن يُقال.
لماذا أصمت حتى الآن؟
لأنني اعتقدت أن أصولي
المشوهة بمعالم لا يمكن إزالتها
تمنعني عن قول الحقيقة لإسرائيل
هذا البلد الذي اغبطه وساظل مرتبطا به.
لماذا سأقول الحقيقة كلها الآن
في هذا العمر المتأخر
وبآخر حبري :
إسرائيل تملك ترسانة نووية تهدد بها
السلام العالمي المتأرجح أصلا ؟!
حان الأوان أن يُقال
ما قد يكون قد فات أوانه غدا
ولأننا – كألمان نحمل ما فيه الكفاية من أثقال-
لأننا قد نصبح من مصدري الجريمة المتوقعة
وعندئذ لن نستطيع بالحُجج الواهنة والدارجة أن
نتخلص من كاهل تحمل حصتنا من المسؤولية.
أعترف أيضا: لن استمر في صمتي
لأنني لم أعد أتحمل رياء الغرب
وآملا ان يتحرر الكثير من الآخرين من الصمت
على مطالبة مسبب الخطر الداهم بالكف عن
استعمال العنف والإصرار على رقابة دولية مستمرة
وغير متعثرة للترسانة النووية الإسرائيلية
وللإنشاءات النووية الأيرانية وأن تسمح حكومتا
البلدين بذلك.
فقط هكذا يمكن تقديم يد العون للإسرائيليين والفلسطينيين
ولكل الناس الذين يعيشون في منطقة يحتلها الجنون
والعداء المكثف
في نهاية المطاف سنقدم لأنفسنا يد العون.
من المعروف أن الأديب الألماني جنتر غراس الذي ولد في عام 1927من الأدباء الذين يتدخلون بشكل سافر في السياسة وبالتحديد عندما يتعلق الأمر بالسلام الدولي. كان غراس إلى جانب الأديب الراحل هاينريش بول الحائز أيضا على جائزة نوبل للأدب (في عام 1972 ) على رأس قائمة الأدباء الذين وقفوا في صف المستشار فيلي براندت عندما وضع حجر الأساس للسلام ونزع فتيل الخلافات الحدودية مع بولندة وحيث ركع في وارسو أمام تمثال ضحايا الحرب العالمية والنازية. كما كان غراس قد أعلن منذ سنوات إدانته العارمة لإقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كثر في السنوات الأخيرة عدد الألمان الذين لم يعودوا يتحملون الصمت فمنذ عدة سنوات كتب الصحفي والكاتب المعروف روبرت نويديك كتابا عنوانه : ” لا أستطيع الإستمرار في الصمت” وأضاف : بعد ما رايت في الخليل من تمييز عنصري ضد الفلسطينيين. أيضا الأمين العام للحزب الأشتراكي الديمقراطي زيجما جبرائيل لم يصمت – كما قال في الفيسبوك – بعد ما شاهده في الخليل، قال: ” إسرائيل دولة تمييز عنصري كأفريقيا الجنوبية سابقا” . قامت الدنيا عليهما ولم تقعد.
والأن جاء جنتر غراس قائلا ” ما يجب أن يُقال” وقامت الدنيا عليه ولم تقعد.
أصوات معادية تعودنا عليها وأصوات مؤيدة لم نتعود عليها
من الذين قاموا ولم يقعدوا هذه المرة: إنها الوجوه التي تعودنا على مشاهدتها وسماعها في وسائل الإعلام وهي تتهم من ينتقد إسرائيل باللاسامية، هذه التهمة يعتبرها معظم الناس هنا ضربة هراوة قاتلة. اليهود هنا خاصة رئيس المجلس المركزي اليهودي أحد أبواق إسرائيل بالإضافة إلى بعض الأساتذه الجامعيين من أمثال فولفزون وبروملك والصحفي برودر المعروف باتصالاته الوثيقة بالسفارة الإسرائيلية وتمتعه بمضغ لحوم العرب والمسلمين. لم يتورع هؤلاء عن اتهام الشاعر والكاتب جنتر غراس بالنازية فقط لأنه خدم في جيش هتلر في مطلع شبابه عندما لم يكن عمره يتجاوز السابعة عشر.
السلطة العليا في الحكومة الألمانية لم تتورط هذه المرة في كيل التهم لأحد فقد أعلن زايبرت الناطق الرسمي بلسان المستشارة ميركل: لا نتدخل بحرية تعبير الفانين وحرية الرد عليهم.
ثم دخل ما يسمى برجال الدولة ونسائها على الخط:
”ناليس” القيادية في الحزب الإشتراكي الديمقراطي قالت أن غراس ثقُل العيار أكثر من اللازم ولحقها بقية ممثلي الأحزاب الأخرى. أحد ممثلي حزب الخضر تلطف وصد عن غراس تهمة اللاسامية ولكنه أكد أن الأديب ليس على صواب. أيضا بآتي كلارسفيلد المرشحة الفاشلة لحزب اليسار لرئاسة الجمهورية، هذه السيدة الألمانية قح والتي تتفاخر أن إبنها يخدم في الجيش الأسرائيلي، لم تتردد في كيل قنطار من تهم اللاسامية لجنتر جرس… وكأن هذه التهمة القاتلة لا تكفي فقد أضافت أن قصيدة غراس تذكرها بخطابات هتلر التي طالب فيها بالقضاء على اليهود.
غراس رد على هؤلاء وقال: لن أتراجع. ثم ثقل العيار وبحق حين طالب إسرائيل مجددا ليس فقط بالكف عن عرقلة جهود السلام وعن بناء المسوطنات بل بإخلائها بالكامل لأنها غير شرعية.
يتوجب أيضا الا نتجاهل اليهود المعارضين للتوسع الإسرائيلي وعلى رأسهم “الصوت اليهودي الآخر” والصحفية اليهودية المعروفة جالينسكي التي قالت إن النازية كانت شنت أيضا حملة خطيرة على توماس مان الحائز أيضا على جائزة نوبل في عام 1929 عندما غادر ألمانيا وهاجم النازية البربرية.
سمعنا أصوات لم نتعود على سماعها في وسائل إعلام مرموقة ومنتشرة، أصوات صحفيين كبار يقولون: صمتنا ما فيه الكفاية، كُفي يا إسرائيل عن انتهاك حقوق الفلسطينيين وعلى رأسها إقامة دولتهم المستقلة، كُفي عن قتل الأطفال وتهديم البيوت والفتك بالمواطنين في غزة بالقنابل الفسفورية … كفي يا أسرائيل ..كفي.
قصيدة غراس تساهم في يقظة الضمير الألماني
ما من شك أن هذه القصيدة ستساهم في كسر حاجز الخوف في صفوف الشعب الألماني من انتقاد إسرائيل. في اللقاءات الخاصة المغلقة ترتفع الأصوات التي تطالب بوقف بناء المستوطنات والخ ولكن في المحافل العامة ووسائل الإعلام يصمت هؤلاء بل يشيدون أحيانا لأسباب إنتهازية بإسرائيل. من الواضح أيضا أن الرأي العام الألماني تغير إزاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي فبينما كان حتى بداية الإنتفاضة الأولى يميل لصالح إسرائيل اصبح الآن كما تفيد أستطلاعات الرأي يؤيد الشعب الفلسطيني في نضاله المدني المقاوم للاحتلال. رجال الدولة يفكرون في برلين عشر مرات قبل أن ينتقدوا أسرائيل خوفا من شيئين: تهمة اللاسامية التدميرية والضغوط الأمريكية الناجمة عن ضغوط اللوبي الإسرائيلي الأمريكي.
إلى متى سيصمت رجال الدولة. بعضهم قال ما في قلبه بعد سن التقاعد وبعضهم قال القليل وبحرص ما في القلب والقادم أعظم.
على العرب والمسلمين أن يرفعوا عماماتهم وكوفياتهم إحتراما لجنتر غراس وقصيدته “ما يجب أن يُقال” لأن الكثيرين سيقولون في العالم ما يجب أن يقال ، سيقولون: يسقط الإحتلال، نعم وبالفم الملآن :… يسقط الإحتلال.
* صحفي وكاتب عربي يقيم في المانيا