أين الأسد؟
رغم ان سوريا تنزلق باطراد باتجاه حرب اهلية وتعصف بها اعمال العنف والتفجيرات والاغتيالات الا ان رئيس البلاد لا يظهر للعلن.
فمنذ خطاب الرئيس السوري بشار الاسد امام البرلمان اوائل شهر حزيران/يونيو وهو اخر ظهور علني له في مناسبة كبيرة رغم انتقال القتال للاطاحة به الى المدينتين الرئيسيتين العاصمة وحلب مع سيطرة المعارضة على مساحات من الريف، إلى جانب عملية قتل اربعة من كبار مسؤوليه الامنيين. وفي ظل مواجهة مثل هذه الانتكاسات كان كثير من الزعماء – وأول من يرد على الذهن منهم الزعيم الليبي القتيل معمر القذافي- سيبادرون بالظهور علانية لطمأنة مؤيدي النظام على أنهم ما زالوا موجودين وما زالوا يمسكون بزمام الامور وعلى استعداد للقيادة.
وباستثناء لقطتي فيديو صامتتين عرضهما التلفزيون ورسالة مكتوبة لقواته المسلحة نشرت الاربعاء، ظل الأسد بعيدا عن الاعين منذ أسبوعين بعدما تزايد التهديد لحكمه وسلطته واصبح متواصلا بدرجة اكبر.
وأثار صمته بعد تفجير 18 تموز/ يوليو، الذي قتل أربعة من المقربين منه بينهم صهره، الشائعات بشأن مكان وجوده ومدى قبضته على السلطة وهي التكهنات التي يسعد خصومه باذكائها. وتقول الولايات المتحدة انها لا تعرف مكان الأسد لكن “سيطرته تنحسر بصرف النظر عن مكانه.” وقال باتريك فينتريل المتحدث باسم الخارجية الاميركية يوم الاربعاء “نعتقد انه من الجبن وبكل صراحة أن يحض رجل مختبئ بعيدا عن الأنظار قواته المسلحة على الاستمرار في ذبح المدنيين في بلده.”
وفترات الصمت الطويلة من الزعيم البالغ من العمر 46 عاما ليست بالامر الجديد. فقد استغرق اسبوعين للرد حين اندلعت الانتفاضة ضد حكمه في مارس/ اذار العام الماضي. وظهر لمرات معدودة في مناسبات كبيرة منذ ذلك الحين. لكن أحدث غياب له عن الانظار امر غريب في وقت أزمة حادة. وقال دبلوماسي في دمشق “ربما يتطلب المنطق بسبب عدم اليقين في الوقت الراهن ان يكون اكثر حرصا على طمأنة جمهوره المحب ولكن ليس هذا هو المنطق السائد هنا.”
لكن الدبلوماسي ومحللين قالوا ان اختفاء الاسد لا يعني انه فقد السيطرة.
وقال جوليان بارنز داسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “انه ما يزال بكل الحسابات شخصية محورية جدا… كل التقارير التي رأيناها من اناس في النظام تشير الى ان الأسد يقبض على الامور.” واضاف “عرفنا منذ بعض الوقت أن مجموعة من المسؤولين وكثير منهم من أهله يوجهون ما يجري لكنه هو المتحكم والموجه لهذه الحملة.”
وجاءت الإشارة الأولى على أن الأسد لا يزال يمسك بزمام السلطة عندما عين وزيرا جديدا للدفاع بعد أربع ساعات فقط من التفجير الذي قتل اربعة من كبار مسؤوليه الأمنيين. وظهر الأسد شاحبا اثناء اداء الوزير الجديد اليمين الدستورية في وقت لاحق وكان هذا الظهور احد لقطتين بثهما التلفزيون السوري منذ وقوع التفجير.
ومنذ ذلك الحين اجرى تعديلات في “فريق الأزمة” الأمني ليشغل المواقع التي خلت بمقتل عدد من المسؤولين وقال لقواته يوم الاربعاء في رسالة نشرتها مجلة القوات المسلحة ان معركتهم مع المعارضين ستحدد مصير البلاد. وقال بارنز داسي “التركيز الوحيد لاهتمام الرئيس الأسد في هذه اللحظة هو كيفية سحق هذه الانتفاضة بالوسائل العسكرية.” واشار الى ان الاسد ربما التزم الصمت لانه ببساطة لا يملك ما يقوله للسوريين حاليا. واضاف “الكل يعلم على الأرض أنك إما مع النظام واما ضده وسيتضح النضال في ساحة المعركة وليس من خلال التصريحات.” وتابع “وإلى أن يشعر النظام بأن له اليد العليا لا أعتقد أننا سنراه مرة أخرى… اسلوبه وشخصيته من النمط الذي يتعامل -سواء مع شعبه أو المجتمع الدولي – من موقع قوة فقط.”
واذا كان الأسد ينتظر حتى يتمكن من الإعلان عن اخبار افضل فإن الاغتيالات المذهلة الشهر الماضي أظهرت ان عائلته ذاتها وبالتالي الرئيس نفسه معرضون شخصيا للهجوم من قبل المعارضين. ونظرا لعلمه بأن نجاح أي ضربة موجهة ضده قد يمنح النصر للمعارضين بضربة واحدة فإن الاسد سيفكر طويلا ومليا بشأن مخاطر أي ظهور علني.
ولم يشارك الاسد في جنازة صهره وقد يجبر على اتباع اسلوب العزلة الذي يتبعه حليفه اللبناني حسن نصر الله الامين العام لحزب الله. ونادرا ما يظهر نصر الله في العلن بعدما لجأ للاختفاء قبل ست سنوات لتجنب الاغتيال من قبل اسرائيل بعد الحرب التي استمرت شهرا مع حزب الله في 2006.
ويتناقض صمت الأسد بشكل صارخ مع النهج الذي اعتمده القذافي الذي ألقى خطابات عديدة تحمل رسائل تحد حين كانت الثورة الليبية تطبق عليه الى أن قتل العام الماضي.
وقال فواز جرجس مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد ان تفجير 18 يوليو “كان صدمة نفسية كبيرة. سيستغرق الأسد وقتا لاستعادة توازنه.” لكنه اضاف ان السرعة التي اعاد بها تشكيل فريقه من مساعديه المقربين أظهرت أن “الاجهزة الامنية بعيدة عن كونها قوة مستهلكة وانها لا تزال تعمل. وتابع “سنرى المزيد من العنف وستنشر قوة اكبر في حلب كي يكسب المعركة.” ويتفق تقييمه لصلابة الأسد غير المتوقعة مع ما قاله دبلوماسيون تابعوا استجابته للازمة السورية منذ بدايتها.
وقال دبلوماسي غربي في بيروت ان مسؤولا زار الأسد مؤخرا ذكر ان الرئيس قارن نفسه بقبطان السفينة وتعهد بالبقاء في موقع القيادة. ومن شأن هذا التحدي التأكيد على ان الاسد سيواصل القتال لفترة طويلة على الارجح بعدما ظن خصومه ان النصر بات في متناول أيديهم.
وقال جرجس “ليس لدي أي شك في ذهني انه اثبت انه أكثر مرونة وعنادا والتزاما واستعدادا لكسب معركة حياته… اعتقد انه حتى الأمريكيون والزعماء الاوروبيون الغربيون باتوا ينظرون له بطريقة اخرى.” واضاف “كل التحليلات قالت انه من النوع اللين ويفتقر الى العزيمة. لقد اثبت ان الجميع كانوا على خطأ طيلة الأشهر السبعة عشر الماضية.