لماذا يكره الجيش السوري الحر الصحافيين؟
باريس – بسّام الطيارة
من المعروف أن للصحافة دوراً كبيراً في كل الحروب والثورات منذ أن بدأت الوسائل الإعلامية بالانتشار. من المعروف أيضاً أنه لا يمكن لأي ثورة أن «تنتصر» إذا كان الإعلام والرأي العام الصحافي ضدها أو ليس معها. أهم الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى كانت حرب فيتنام، ولم يتغير موقف الشعب الأميركي والغرب من هذه الحرب رغم وقوف كل العالم الثالث والكتلة الشيوعية وراء الفيتكونغ وحرية الفيتنام، إلا بعد أن نشرت صورة «الفتاة لام الهاربة من قنابل النابالم» قبل حوالي الأربعين سنة (في ٨ حزيران ١٩٧٢). وقد هزت هذه الصورة مشاعر العالم وخصوصاً المجتمعات الغربية، وانقلبت قوة «السحر الإعلامي على الساحر الأميريكي» ونعرف النهاية.
في ما يسمى «الربيع العربي» لعب الإعلام بدوره في دعم الانتفاضات العربية من مسيرات تونس إلى ساحة التحرير في القاهرة مروراً بمسيرات طرابلس وبنغازي. وسمح دعم الإعلام لهذه الثورات ووقوفه ضد الديكتاتوريين، بـ«تمرير قرار مجلس الأمن منع طيران وتحويله إلى قصف مدمر» في ليبيا. في الربيع العربي دخل «الإعلام الرقمي الشعبي» عبر المواقع الاجتماعية (فيسبوك وتويتر مثلاً) على الخط وساهم في توريد لقطات الفيديو عبر الهواتف ونقلها إلى القنوات العالمية .
حصل هذا في الثورة السورية، ولكن بعد مرور سنة ونصف على انطلاق الثورة يبدو وكأن النظام تعلم من الثورات الأخرى فهو يستعمل بقوة «الإعلام الرقمي الشعبي» وهو ما يجعلنا أمام زخم إعلامي ضخم في تناقضات ما يحمله من أخبار بشكل «إغراقي للخبر» ما يجعل من الصعب تمييز خيط الحقيقة الأبيض من خيط الكذب الأسود. ولكن ظل الإعلام الغربي بشكل عام مع ثوار سوريا. وهذا مكسب كبير لثوار سوريا.
إلا أنه يجب علينا طرح سؤال رهيب: لماذا يكره قسم كبير من «المعارضة السورية المتشتتة» الإعلام؟ وينطبق هذا على المعارضات في الداخل وفي الخارج، وخصوصاً الجيش السوري الحر أو المتكلمين باسمه.
يعرف الجميع أن الإعلام العربي منقسم بين مؤيد للثورة السورية وبين من يرى في الأمر «موامرة» وبين من ينظر فقط إلى «ليبيا والعراق»، ولكن يعرف الجميع أن الإعلام الغربي بشكل عام مع المعارضة رغم أخبار هيمنة السلفيين على قواعدها المقاتلة. ما زال الإعلام الغربي يبث صور الثوار «دون التشديد على اللحى والزبيبة الظاهرة في وسط جبينهم».
السوال لماذا يعمل الجيش الحر على قلب هذه المعادلة الرابحة للمعارضة بتعامل «خشن» مع الصحافيين ليصطف إلى جانب النظام الذي (في خطأ مميت سببه تركيبته الديكتاتورية) يمنع الصحافة من تغطية الأحداث؟
أخر هذه القصص المتعددة ما صدر عن مسؤول الاعلام المركزي في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل «فهد المصري» في حديث لقناة «أخبار المستقبل» والذي في سياق الحديث عن «خلية تجسس حاولت التسلل في الجيش الحر» أشار إلى «وجود أحد أنصار النائب ميشال عون من حمص بعدما دخل الى سوريا من تركيا بصفة إعلامي».
وتجدر الإشارة إلى أن نفس الناطق باسم الجيش السوري الحر المدعو فهد المصري كان قد شهر بالزميل محمد بلوط مراسل قناة «البي بي سي» ومراسل «السفير اللبنانية» عندما حصلت «حادثة مقتل الصحافي الفرنسي جيل جاكيه» بسبب قوله إن قصف الثوار في حمص تسبب في مقتله، وهو ما أثبتته التحقيقات الفرنسية لاحقاً.
في الواقع كلام المصري أي مسؤول الاعلام المركزي في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر كان بمثابة «إشارة» إلى وجود الإعلامي اللبناني «شادي شلالا» مبعوثاً خاصاً لقناة «فرانس ٢٤» والذي كانت ترافقه «قوة من الجيش السوري الحر».
وبالفعل التقط «فريق آخر من الجيش السوري الحر» الإشارة وتوجه للقبض على الزميل شلالا. وصدق أو لا تصدق حصل اشتباك بين أفراد «نفس الجيش» فريق يريد اعتقال الإعلامي وفريق يريد الدفاع عنه.
وبالطبع قطع مبعوث «فرانس ٢٤» مهمته وتمت إعادته إلى تركيا بحماية الجيش السوري الحر الذي اعتذر عما قام به بعض أفراد الجيش لسوري الحر.
قبل أيام تبنت «جبهة النصرة» التي سبق ان اعلنت مسؤوليتها عن عمليات تفجير عدة في سوريا عملية قتل «المذيع في التلفزيون السوري الرسمي محمد السعيد» بعد أن اختطف في منتصف تموز/يوليو، ونشرت صورته قبل إعدامه على موقع «شبكة أنصار الشام». هل ينفع هذا الثورة السورية؟ بالأمس خطفت مجموعة مسلحة الزميل المصور طلال جنبكلي في دمشق.
قبل يومين نشرت وكالة الأنباء الفرنسية «أ ف ب» تحقيقاً تحت عنوان « الصحافيون المستقلون في سوريا بين الحماس والاحباط» يسلط الضوء في بعض جوانبه على معاملة «الثوار» للصحافيين.
وإذ يندد التحقيق بـ«رفض النظام السوري السماح لوسائل الاعلام بتغطية النزاع الجاري على اراضيها منذ قرابة عام ونصف العام» فهو يشدد على «عمل الصحافيين المستقلين الذين يتحدون المخاطر والمحظورات لتادية عملهم» عبر مجموعة مقابلات مع بعض ممن دخل الحدود خلسة لنقل «حقيقة ما يحصل».
من المعروف أن السلطات السورية تفرض قيودا صارمة على وسائل الاعلام، في تدبير دفع الصحافيين الى تأمين تغطية خاصة للثورة السورية. وقد نددت «مراسلون بلا حدود» في مرات عديدة بمقتل صحافيين سوريين أثناء قيامهم بعملهم وتصنف المنظمة الرئيس السوري بشار الاسد ضمن قائمة الـ٣٨ شخصية «صيادي حرية الصحافة»، فهل يسعى الجيش السوري الحر إلى أن يكون رقم ٣٩ على هذه اللائحة؟