سقوط الأسد المؤجل
جاد عويدات
لم تقدم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الجديد حول الأزمة السورية خلال زيارتها إلى تركيا، حيث شددت على ضرورة الانتقال الديموقراطي للسلطة في سورية وعلى دعم المعارضة بما هو “غير فتاك”، ودعم اللاجئين السوريين. أما جوهر السياسة الخارجية الأميركية فيتمثل في تصريح لهيلاري كلينتون، خلال جولتها الإفريقية ويُعد الأول من نوعه وسبق زيارتها إلى تركيا، حيث حذرت من يستغلون المحنة السورية “إما بإرسال عملاء أو مقاتلين إرهابيين عليهم بأن يدركوا أنه لن يتم التسامح مع هذا الأمر “.
لا شك أن هذا التصريح موجه إلى إيران، المتهمة بإرسال عناصر من الحرس الثوري للقتال إلى جانب القوات النظامية، وحزب الله وحزب العمال الكردستاني، لكنه يحمل أيضاً في طياته رسائل عدة. أولاً إعتراف ضمني من الوزيرة بنقاط قوة ما زال النظام السوري يمتلكها من خلال حلفائه. ثانيا، هناك إشارة إلى حالة الفوضى التي تسود في صفوف المعارضة المسلحة التي تتخذ من تركيا مقرا لها والمخترقة امنيا من قبل الجهاديين وعناصر القاعدة. على الأرجح، أنها بداية التخلي الدولي عن المعارضة المسلحة وبالتالي بات إسقاط الأسد مؤجلا إلى وقت لاحق على غرار ما حصل مع صدام حسين بعد حرب “عاصفة الصحراء” التي انتهت بتحرير الكويت من الجيش العراقي وببقاء صدام حسين في السلطة لأكثر من ثلاثة عشر عاما إضافيا.
هذا سيناريو الانتصار في “الحرب الكونية” على القوى المعادية يتكرر في سورية بعدما أطبق الجيش السوري النظامي على حلب وحسم الأمور جزئيا، على اعتبار انه ليس من المستحيل على بعض المسلحين إنشاء جيوب للمقاومة عبر إطلاق النار أمام عدسات الكاميرا وإصدار البيانات للقول بسيطرتهم على ستين أو سبعين بالمائة من المدينة. تمكن الجيش السوري من استعادة بعضاً من هيبته وحضوره. بالطبع التوازن العسكري بينه وبين المعارضة المسلحة غير موجود. الأول يملك ترسانة أسلحة وإمكانات هائلة من الجو والبحر والبر وفي المقابل هناك عناصر مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة ربما تملك من العزيمة ما يمكنها من الاستمرار اعتقادا منها بالدفاع عن الشعب السوري تلك العقيدة التي انتشرت بين المسلحين والمنشقين منذ بداية الأعمال العسكرية.
لا نتحدث هنا عن “الجيش السوري الحر” بسبب عدم وجود جيش بكل ما للكلمة من معنى بما في ذلك هيئة أركان وقيادة وتحكُّم، فالألوية والكتائب وغرفة العمليات ما هي إلا تسميات تأتي في سياق الحرب الإعلامية والنفسية (الإعلام نصف المعركة)، يحاول من خلالها المعارضون إيجاد “شرعنة” ما لوجودهم ولا ننسى صفة “المتمردين” التي تطلقها عليهم العديد من وسائل الإعلام الغربية. وقد أثبتت الوقائع الميدانية عدم قدرة مقاتلي المعارضة على التنسيق فيما بينها وسط الفوضى والتشرذم، أضف إلى ذلك وجود العديد من المقاتلين التابعين لجماعات كالإخوان المسلمين، بحسب ما أعلنه مسؤول كبير في الحركة، وكذلك السلفيين الجهاديين المنتشرين في أنحاء عدة من سورية. هؤلاء المقاتلين لا يخضعون بأي حال من الأحوال إلى قيادة ما يعرف بقيادة الجيش السوري الحر.
لن يسقط نظام الأسد في المستقبل القريب، من دون قرار دولي بالحسم، على الأقل لسنة أو سنتين أو ربما أكثر. التدخل الغربي عبر الغارات الجوية ستؤدي إلى تدمير البنية العسكرية وتقطع أوصال الجيش السوري عدا ذلك لن يتمكن بضعة مسلحين يسمون أنفسهم لواء وكتيبة من إسقاط النظام أو حتى السيطرة على حي ما بشكل دائم. وهنا أيضا معضلة جديدة تكمن في تدخل عسكري أجنبي آخر في بلد عربي وتبعاتها أيضا وأيضا ستكون كارثية على العالم العربي.
نوجز بعضا من الحجج ونقاط القوة التي تمكَِّن النظام السوري من الاستمرارية:
العامل الأول هو بالتأكيد الدعم الروسي والإيراني الكامل والواضح الذي لا لبس فيه حتى الآن لدمشق. الجانب الروسي له ثقله خصوصا امتلاكه لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي.
العامل الثاني هو امتلاك النظام السوري لمؤسسات أثبتت قوتها ومناعتها كالسلك الديبلوماسي والجيش والقوى الأمنية ولم تنهار عندما قتل بعض كبار القادة الأمنيين في عملية غامضة استهدفتهم، صحيح أن الأسد هو القائد الأوحد لهذا النظام ولكن عمليا هو جزءٌ من تسلسل هرمي مؤسساتي قائم منذ أربعين عاما.
والعامل الثالث، يعود إلى ضعف المعارضة السياسية والعسكرية وتشرذمها وخضوعها لأجندة دولية، مع العلم بأنه من غير المستحيل عدم اختلاف هذه القوى الداعمة فيما بينها في المستقبل كل بحسب مصالحه، لأن ما يجمعهم الآن هو العدو المشترك ورأس بشار الأسد وليس الرؤية المستقبلية لسورية. أقر باراك أوباما مساعدات مالية للمعارضة، واعترفت بسمة قضماني، المتحدثة باسم المجلس الوطني السوري، صراحةً بمساعدة قطر والسعودية للمعارضة بالمال والسلاح، وأنشأت تركيا معسكرات للمعارضة المسلحة على أراضيها كل هذا الدعم بات له دور تخريبي وتدميري لأنه يؤمن استمرارية الصراع المسلح وفي الوقت نفسه لا يحسم الأمور.
نقاط القوى هذه التي أوردناها لا تحصّن النظام السوري الهش من الآن فصاعدا. ما هي العوامل التي قد تضعفه وتسقطه بعد تحقيق “انتصار” وجيز واعتقاده العبور إلى بر الأمان؟
لم تعد سورية بلدا آمنا، بكل تأكيد باتت مخروقة امنيا وعسكريا، فتواجد الأجهزة الإستخباراتية العربية والدولية في داخلها وعلى حدودها كافة تذكرنا ببيروت العام ١٩٨٢. وانطلاقا من ذلك وبعد تحول الثورة الشعبية إلى انتفاضة مسلحة تحول الدعم الدولي إلى دور تخريبي هدّام أكثر منه دعما خيِّرا يدفع ثمنه المدنيين العزل الواقعين بين نارين وكذلك المسلحين أبناء المناطق إضافة إلى الآلاف من الجنود النظاميين، الحرب الأهلية القائمة في سورية هي ككل الحروب والكلام عن الحرب النظيفة لتحييد المدنيين هو من الهراء والسذاجة.
حتى لو افترضنا أن الأسد انتصر في هذه الجولة وانكفأ المجتمع الدولي عن فكرة إسقاط النظام لبضع سنوات. فوحدها إعادة إعمار البلد ستكون مكلفة جداً اقتصاديا. سينهك الحصار والعقوبات الاقتصادية وتبعات الحرب سورية اقتصاديا وستحرمها من مداخيل التجارة والصناعة والسياحة وهذا الأمر يمثل نقطة حيوية وإستراتيجية لاستمرارية النظام والدولة وكذلك الجيش. وفي نهاية المطاف لكل دعم دولي وإقليمي مقابل، وحتى السلاح الروسي له ثمنه. أما بالنسبة للمصالحة الوطنية وإعادة إعمار “البشر” ووقف القتل على الهوية فتلك نقاش مؤجل.