المجلس الوطني السوري يستمع لباريس بأذن واحدة لأن المفتاح في يد أميركا
باريس – بسّام الطيارة
«بانتظار الانتخابات» باتت اللازمة التي تسبق أي تحليل للملف السوري أو حديث حول الاحتمالات التي يمكن أن تقود إليها الأوضاع أو العمليات العسكرية المتصاعدة على الأرض.
«بانتظار الانتخابات» تحمل معانٍ سياسية لا تخفى على أي لبيب في أن «المفتاح في يد أميركا» وأن الحديث اليوم والتحركات بما فيها حركة المبعوث الدولي «المشترك للأمم المتحدة وللجامعة العربية»، هي فقط لـ«تقطيع الوقت» بانتظار أوباما أو رومني.
حتى الديبلوماسية الفرنسية تعمل وتتحرك ولكن تحمل في بواطن تحركاتها مسألة ضبط الإيقاع على نهاية الفاصل الانتخابي الأميركي. وفي الدعوة للمشاركة في الإجتماع الوزاري لمجلس الأمن والمقرر عقده في أواخر الشهر الجاري، فعنوانه البحث في المساعدات الإنسانية إلى سوريا، إذ لفت فابيوس إلى أن «حضور روسيا والصين وحتى الولايات المتحدة، الإجتماع الوزاري لا يزال غير أكيد». وجدد التأكيد بأن فرنسا لن تقبل بأي تدخّل عسكري في سوريا إلا في إطار الشرعية الدولية، وكأن جملته جاءت معلقة وينقصها تحديد شروط التوقيت.
ولكن لا يمنع من أن الفرنسيين يعملون بشكل منهجي على الاستعداد لهذا الفاصل الزمني الآتي والقريب في منظور الملف السوري الذي يتفاعل منذ أكثر من سنة ونصف. وبالطبع فإن «رافعة العمل» الفرنسية هي المجلس الوطني السوري، إلا أن هذه الرافعة كما قال مصدر مقرب «متهاوية» ولم تعد بالقوة التي أرادها الفرنسييون للإبقاء على دور فاعل لهم في «سوريا الغد». ومن هنا اللقاءات التي نظمت مع «قيادات المجلس الجديدة والقديمة» والتي تمت على أعلى مستوى باستقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لوفد خماسي ضم إلى جانب الرئيس الحالي عبد الباسط سيدا الرئيس السابق برهان غليون ودعاهم في بيان أعقب اللقاء لـ«إنشاء تجمع يضم كل قوى المعارضة»، وهو ما ردده وزير خارجيته لوران فابيوس بعد ذلك في لقاء مماثل، وهي دعوة تقول بشكل غير مباشر بضرورة «إعادة نسج استراتيجية جديدة لعمل المجلس» بعد أن أعطت الخلافات الداخلية صورة ضعيفة جداً لمجلس اعتبره الفرنسيون في البداية «الحاكم المقبل لسوريا ما بعد بشار» في محاكاة للمجلس الوطني في ليبيا الذي أمسك بالحكم على الأرض من دون أي انشقاق في مرحلة إسقاط النظام.
إلا أنه يبدو أن القوى الفاعلة في المجلس الوطني كانت تستمع إلى المسؤولين الفرنسيين بـ«أذن واحدة» كما قال مصدر مقرب. ففي حين يقول سيدا بأنه يسعى لتأليف «حكومة مؤقتة في المنفى ولكن الأمر يتطلب وقتاً» فإن غليون يقترح تشكيل لجنة حكماء تضم شخصيات معارضة من خارج المجلس تكلف تسمية الحكومة المؤقتة.
وقد علمت «برس – نت» أن لائحة الحكماء لم تكتمل بعد وهي تضم في مرحلتها هذه «إلى جانب برهان غليون، ميشال كيلو ، وأسامة الرفاعي، ومحمد معاز الخطيب وعارف دليلة، ومنتهى الأطرش ورياض الترك وصدر الدين البيانوني وهيثم المالح ورياض سيف». ويرى أحد المراقبين أن مسألة طرح فكرة مجلس حكماء تحمل إشارة إلى الانقسامات التي تتفاعل داخل المجلس الوطني وكأنها تسحب من يد رئيس المجلس سيدا والمكتب التنفيذي حصرية مسألة الحكومة المؤقتة التي طالب بها فابيوس حال وصوله إلى الكي دورسيه. ولكن يرى مراقب آخر أن غليون أراد سحب سجادة «موضة تشكيل الحكومات من الذين انشقوا عن المجلس» في إشارة إلى جهد بسمة قضماني لإطلاق حكومة يرأسها رياض سيف منذ «خروجها أو إخراجها» من المكتب التنفيذي، والبعض يقول من المجلس الوطني. ووضع اسم سيف إلى جانب اسم المالحي يذهب في هذا الاتجاه، فهذا الأخير مكلف من قبل «الإئتلاف الوطني السوري» بتأليف حكومة إنتقالية أيضاً. من هنا من غير المستبعد أن يكون معروف الدواليبي أيضاً على لائحة الحكماء.
السؤال يدور اليوم حول «الأسماء الناقصة على لائحة غليون» أو غير المعلنة. فهل تحمل اللائحة أسماء شخصيات من صلب النظام منشقة حديثاً؟ سيدا أعلن من على درج الإليزيه أن مناف طلاس ورياض حجاب لن يكونا في الحكومة المؤقتة التي يعمل المجلس الوطني السوري على تأليفها «لعدم انشقاقهما منذ البداية». إلا أن مصادر مقربة من الملف في العاصمة الفرنسية تقول إن مناف طلاس «يحظى بدعم قوي في الدوائر الفرنسية» وإن هذه الدوائر تريد من مناف أن يلعب دوراً في «طمأنة موسكو». ومن هنا لا يستبعد المصدر أن يتوجه طلاس في الأيام القليلة المقبلة إلى العاصمة الروسية في محاولة لـ«إعادة تدوير عملية انشقاقه» التي غطت عليها «عطلته الصيفية على الكوت دازور» كما يقول معارض سوري.
ومن ظواهر «حركة انتظار الانتخابات الأميركية» الصمت الذي يلف تحرك قضماني المعروفة بعلاقاتها القوية مع الفرنسيين ولكن أيضاً مع الأميركيين، وكذلك حركة سمير نشار المقرب جداً من رياض الترك الذي أعلن «العودة إلى الوطن» في محاولة لتصليب مواقع المعارضة الخارجية في الداخل. ولكن يرى البعض في عودتة تحضيرآً لانتخابات رئاسة المجلس الوطني القريبة، ويذكر هؤلاء بأن «سمير نشار خرج من دمشق حين سقط اسم جورج صبرا إبان انتخاب الرئيس» واعتبر أنذاك مرشحاً لخلافة غليون لولا معارضة الإسلاميين في المجلس. وعودته إلى حلب مسقط رأسه قد تكون إشارة إلى رغبة تيار واسع من المجلس بعدم الاكتفاء بـ«لقاءات الفنادق» حسب وصف لأحد أعضاء المجلس ولعب دور أقوى على الأرض ينافس السلفيين، وإن دلّ ذلك على شيء فهو أن الأميركيين عندما تحين ساعة الفصل يودون أن يكون محاورهم مزروعاً في الداخل ويستطيع أن يضمن أن مرحلة ما بعد بشار لن تكون «سلفية».