البابا في لبنان: توازنكم نموذج للعالم
دعا البابا بنديكتوس السادس عشر في ارشاد رسولي الى الشرق الاوسط وقعه مساء الجمعة في اليوم الاول من زيارته للبنان المسيحيين والمسلمين واليهود الى “استئصال الاصولية الدينية”، في وقت تشهد المنطقة اضطرابات واحتجاجات على فيلم مسيء للاسلام انتج في الولايات المتحدة.
وتزامن وصول البابا الى بيروت مع مقتل شخص واصابة 25 آخرين بجروح في مواجهات في شمال لبنان بين قوى الامن واسلاميين احرقوا مطعما اميركيا للوجبات السريعة احتجاجا على فيلم مسيء للاسلام، واطلقوا هتافات ضد زيارة البابا.
وكان البابا اكد قبيل وصوله الى بيروت بعد ظهر الجمعة ان المسيحيين “يرحبون بالربيع العربي”، واصفا اياه “بالامر الايجابي”، انما رافضا العنف وداعيا الى التسامح بين المجموعات المختلفة في الشرق الاوسط.
وكتب البابا في الارشاد الرسولي الذي هو الهدف الاول لزيارته والذي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منه “اوجه دعوة ملحة الى كل المسؤولين الدينيين اليهود والمسيحيين والمسلمين في المنطقة لكي يسعوا، بالمثال والتعليم، الى بذل كل الجهود لاستئصال هذا التهديد الذي يطال بدون تفرقة وبشكل قاتل المؤمنين من كل الاديان”.
ويتضمن الارشاد الرسولي توصيات السينودوس حول الشرق الاوسط الذي عقد في تشرين الاول/اكتوبر 2010 في الفاتيكان. وقد وقعه البابا في كنيسة القديس بولس في حريصا (شمال بيروت) الملاصقة للسفارة البابوية حيث سيكون مقره خلال زيارته التي تستغرق ثلاثة ايام.
واعتبر البابا ان الاصولية “تصيب بالالم كل المجموعات الدينية وتنكر العيش المشترك العلماني” الذي طبع بايجابية دولا مثل لبنان.
ويتطرق البابا، بحسب ملخص عن الارشاد وزعه الفاتيكان، الى الهجرة المسيحية من الشرق الاوسط التي وصفها ب”النزيف” ما يضع المسيحيين “في موقف حساس، واحيانا من دون امل ويتحسسون النتائج السلبية للنزاعات ويشعرون احيانا بالذل، رغم مشاركتهم عبر العصور ببناء دولهم”.
وقال البابا ان “شرق اوسط من دون مسيحيين او مع مسيحيين قلائل لا يعود الشرق الاوسط”.
وتابع الارشاد ان البابا “يدعو المسؤولين السياسيين والدينيين الى تجنب سياسات واستراتيجيات توصل الى شرق اوسط من لون واحد لا يعكس حقيقته الانسانية والتاريخية”.
كما شدد على ان “مسيحييي الشرق الاوسط لديهم الحق والواجب في المشاركة الكاملة في الحياة المدنية ولا يجب ان يعاملوا كمواطنين درجة ثانية”.
وفي كلمة وجهها الى الاساقفة المجتمعين في حفل التوقيع الذي جرى في كاتدرائية القديس بولس في حريصا (شمال شرق بيروت)، قال البابا “بغرض تطبيق مثمر للارشاد، ادعوكم جميعا الا تخافوا وان تقيموا في الحقيقة وان تفعلوا طهارة الايمان”.
وشدد بطريرك طائفة الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام في كلمته خلال الاحتفال على اهمية التوصل الى حل للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني والاعتراف بدولة فلسطين، معتبرا ان “الاعتراف بفلسطين هو أثمن هدية تقدم للمشرق العربي بجميع طوائفه مسيحيين ومسلمين. وهذا ما يضمن تحقيق أهداف السينودس لأجل الشرق الأوسط، وأهداف الإرشاد الرسولي”.
وللمرة الاولى منذ بدء الانتفاضات الشعبية في العالم العربي التي اثارت مخاوف لدى الاقليات المسيحية في المنطقة من تصاعد نفوذ الاسلاميين، اعلن البابا موقفا واضحا مما جرى ويجري في بعض الدول العربية. وقال للصحافيين على متن الطائرة التي اقلته من روما ان “الربيع العربي امر ايجابي، انه رغبة بالمزيد من الديموقراطية والحرية والتعاون وبهوية عربية متجددة”.
واضاف ان “صرخة الحرية هذه (…) كانت موضع ترحيب تحديدا من قبلنا كمسيحيين”.
لكن الحبر الاعظم حذر من ان “صرخة الحرية بمثل هذه الاهمية والايجابية تواجه مخاطر ان تغفل شقا جوهريا من الحرية وهو التسامح مع الاخر”.
وتعتبر زيارة البابا الى المنطقة شديدة الحساسية نتيجة الاضطرابات القائمة في سوريا المجاورة والتي حصدت على مدى اكثر من 18 شهرا اكثر من 27 الف قتيل.
ودعا البابا الى وقف امداد الاطراف في سوريا بالسلاح. وقال ان “ارسال الاسلحة يجب ان يتوقف نهائيا. من دون ارسال الاسلحة لا يمكن للحرب ان تستمر”.
ورأى البابا في الكلمة التي القاها في المطار ان التعايش اللبناني يمكن ان يشكل نموذجا لكل الشرق الاوسط وللعالم باسره.
ولكن في طرابلس، المدينة ذات الغالبية السنية على بعد اكثر من ثمانين كيلومترا من بيروت، أقدم حوالى 300 متظاهر انطلقوا من مسجد في وسط المدينة حاملين الاعلام السوداء على احراق مطعم من سلسلة “كاي اف سي” احتجاجا على فيلم “براءة المسلمين” الذي انتج في الولايات المتحدة واثار ضجة في العالم الاسلامي.
وتلت الحادث مواجهات مع قوى الامن تسببت بمقتل شخص واصابة 25 آخرين بجروح.
وقال مراسل وكالة فرانس برس ان المتظاهرين رددوا هتافات “المسلم يرفع يده، البابا لا نريده” و”اميركا عدوة الله” و”اسلامية، اسلامية وليس دولة صليبية”.
بعيدا عن هذه الصورة، كان لبنان الرسمي والديني بكل اطيافه وطوائفه ممثلا في استقبال البابا الذي ما إن أطل بثوبه الابيض حتى اشتعل عشرات الشبان والشابات والاطفال المتجمعين ايضا على مدرج المطار باللباس ابيض بالتصفيق والهتاف باسمه.
وقال سليمان في كلمته الترحيبية “شئتم من زيارتكم للبنان ان تعلنوا للعالم مدى اهمية وطننا كنموذج ومثال في تنوعه ووحدته ورغم حجم المخاطر، لتؤكدوا مدى اهمية الوجود المسيحي الاسلامي للحفاظ على دعوة لبنان التاريخية في خضم التحولات الكبرى التي تطاول عالمنا العربي والتي تفرض توضيح الرؤى وتوحيد الصفوف لبناء مجتمع قائم على الحرية والعدالة والمساواة”.
وشاركت في الاستقبال شخصيات دينية وسياسية من كل الطوائف الاسلامية والمسيحية.
ويلتقي البابا السبت الرئيس اللبناني ورئيسي مجلس النواب والحكومة، ثم رؤساء الطوائف الاسلامية، واعضاء الحكومة ومؤسسات الدولة والهيئات الدبلوماسية.
وسيكون على موعد مع شبيبة لبنان بعد ظهر السبت في باحة مقر البطريركية المارونية في بكركي القريبة من حريصا.
ويتوج البابا زيارته الاحد بقداس يترأسه عند الواجهة البحرية لبيروت.