“الهرطوقي الكبير ـ حوار مع كمال الصليبي”: لا شيء أسوأ من الغرب
في الحوار الذي اجراه صقر ابو فخر مع المؤرخ الراحل الدكتور كمال الصليبي، قال الصليبي ان الغرب ليس مثالا يحتذيه العرب في مجال التطور وإن سكان منطقة رأس بيروت في العاصمة اللبنانية احسن من الغرب.
وتحت عنوان “العرب والدولة الدينية والحداثة” قال الصليبي، ردا على سؤال لصقر ابو فخر، “ان طراز الغرب ليس بالضرورة نمطا يحتذى للتطور ولطريقة الحكم. لنفترض انه يجب ان يكون لدينا نهضة على الطريقة الاوروبية وكذلك اصلاح ديني..الخ لكن ليس بالضرورة ان يكون الغرب معيارا للتقدم والتحضر. فقد دفع الغرب في اي حال ثمنا كبيرا للحصول على ذلك وكان متوحشا تماما في هذا المسار الى ان استقرت الامور على ما نعرفه من الغرب.”
جاء ذلك في حوار اجراه المؤلف مع المؤرخ الشهير قبل وفاته السنة الحالية ونشر في كتاب بعنوان “الهرطوقي الكبير ـ حوار مع كمال الصليبي”، ورد في 193 صفحة متوسطة القطع وصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر من خلال سلسلة “حوارات”.
اضاف الصليبي يقول “إننا نحن العرب لدينا بغض غير صحيح للنفس. كنا ننتقد انفسنا اكثر من اللازم وليس بالضرورة حيث يجب ان يكون الانتقاد.”
ورأى ان سكان منطقة رأس بيروت حيث تقع الجامعة الاميركية في بيروت هم افضل من الغربيين. وزاد على ذلك قوله “انا اعتقد ان اهل رأس بيروت احسن من سكان الغرب. هؤلاء عشت معهم في اثناء الحرب الاهلية اي عندما كانوا يستطيعون القول لي: “انت غريب” ولم يحدث بيننا الا كل ما هو جيد. هل نيويورك مقياس الحضارة؟ اذا انقطعت الكهرباء لساعات تنهب المدينة كلها بشكل همجي.”
وعما اذا كان الوضع العربي سليما قال “لا اعتقد انه وضع سيء الى هذه الدرجة التي يتحدث عنها المثقفون. لن اتمثل بأميركا فأميركا الشر المطلق.”
وقال له صقر ابو فخر “ولكن عندنا في العالم العربي أسوأ منهم” فرد عليه بقوله “عندنا اشياء سيئة كثيرا بالتأكيد. لكن اميركا التي تريد منا ان نكون مثلها (هي) مصيبة.”
وتحت عنوان “نحن والغرب” قال الصليبي “حتى دول اسكندينافيا ليست احسن من اميركا وفرنسا وانجلترا. عندما تقول دول اسكندينافيا يتبادر الى اذهاننا ان هذه المجتمعات هي في منتهى الرقي. دعك من ذلك. زعران مثلهم مثل غيرهم من المجتمعات الغربية. انا اشعر بأننا نحن العرب مساكين. مرة قال عنا السناتور الاميركي وليام فولبرايت جملته المشهورة “انهم غزلان في عالم من الذئاب”.”
الصليبي المؤرخ والباحث في الحضارات واللغات المشرقية القديمة خلص الى القول “لا شيء أسوأ من الغرب. منذ زمن طويل اتخذت موقفا من الحضارة الغربية والحضارة لا يمكن ان تدوم الى ما لا نهاية… وهذه خلاصة ما وجدته في تاريخ القوى السياسية التي لا يمكن ان يستمر هذا العالم على منوالها. ستنهار اخيرا بلا شك. وهذا العالم سيكسر نفسه.”
وتحت عنوان “رأس بيروت والحداثة” قال الصليبي “اعتقد ان الحرب الاهلية اللبنانية كما تبين من نتائجها كانت ضرورية. ان اعظم دول العالم التي نتمثل بها احيانا لم تكن لتوجد في الواقع لو لم تقع فيها حروب اهلية مثل فرنسا او بلغاريا او انكلترا وحتى الولايات المتحدة واسبانيا.”
اضاف “انا من المتفائلين. احاول دائما ان افتش عن مدخل للتفاؤل او مخرج من المشكلات. وحياتي كلها عشتها مع الطلاب وعلمت في الجامعة الامريكية في بيروت من سنة 1952 حتى الثمانينات من القرن المنصرم. واكتشفت ان الاجيال التي درستها بعد الحرب الاهلية احسن بكثير من الاجيال السابقة… انهم يحتاجون الى القليل من الصقل وقليل من التعليم لكن القماشة ممتازة. وأسأل نفسي لماذا؟ لان هؤلاء هم ابناء الحرب الاهلية وإذا لم يكونوا هم ابناء الحرب الاهلية فإن اهلهم هم ابناء الحرب الاهلية.”
وقد قام الصليبي بالتدريس في الجامعة الامريكية في بيروت وجامعات في بريطانيا وامريكا والاردن.
وقال ابو فخر في مقدمة الكتاب “كمال الصليبي احد ابرز المؤرخين العرب وأكثرهم ألمعية وتألقا. قوض بجدارة علمية المسلمات العتيقة الرابضة على رؤوسنا منذ ألفي عام على الاقل… حين صاغ نظرية متماسكة برهن فيها ان احداث التوراة وقعت في جنوب شبه الجزيرة العربية لا في فلسطين.
“وهذه النظرية المتينة والخطيرة لم يتجرأ احد حتى الان على نقضها علميا فاستحق ان تقوم عليه قيامة العالم القديم كله بكهنته وشياطينه… كان قليل الكلام لكنه مثير للزوابع.”
ولعل كلام الناشر على دفة الكتاب يختصر كثيرا من سيرة الصليبي ومحتويات الكتاب. وقد جاء فيه “هذا الحوار مثير للجدل ايما اثارة وهو يستدرج مساجلات تاريخية وفكرية صاخبة في الموضوعات التي اثارها الصليبي هنا.
“فهو يفرق اليهودية عن بني اسرائيل ويقول ان المسيح لم يكن يهوديا… وان هناك ثلاث شخصيات تحمل اسم يسوع.”
ويعتقدالصليبي ان “لبنان هو مشروع تجاري رسمه كاثوليك دمشق وتجارها وان لا شيء يربط لبنان بالفينيقيين.”