الوضع في شمال لبنان: يمكن أن ينفجر في أي لحظة
صمتت البنادق واختفى المقاتلون من شوارع مدينة طرابلس في شمال لبنان لكن المعركة التي اشتعلت الشهر الماضي وأسفرت عن سقوط 16 قتيلا لم تنته بعد. فالاضطرابات في سوريا المجاورة حيث سقط 27 ألف قتيل في صراع يزيد طابعه الطائفي بشكل متصاعد تفاقم حدة التوتر بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية في طرابلس.
وينمكن القول إن وراء تراجع النشاط اليومي في المتاجر والمطاعم تزايد العداء بين الطائفتين والتي يرجع تاريخها إلى ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990 . ويخشى السكان أن تندلع مرة أخرى وفي أي وقت الاشتباكات التي أصابت المدينة بالشلل عدة مرات. وبعد أحدث جولة من الاشتباكات في أغسطس آب عقدت اجتماعات عديدة بين رجال دين ونواب محليين وقادة جماعات مسلحة محليين من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. لكن لم يبذل جهد يذكر لمنع تكرار الاشتباكات أو محاسبة أحد بسببها.
وقال أبو عماد وهو من الشخصيات المحلية البارزة ومقرب من المقاتلين “كل من يقاتل هنا لديه غطاء سياسي. كيف لا يعتقل أحد بعد كل معركة؟” وتابع قائلا وهو يشعل سيجارة وينظر ليرى ما إذا كان أحد يسمعه في المقهى المزدحم في طرابلس “لم نر أحدا يقدم للمحاكمة بسبب سقوط قتلى وبسبب القتال.”
وقال سالم وهو محام من المدينة إن من المحتمل أن يشتعل التوتر مرة أخرى بين السنة الذين يؤيد أغلبهم الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد والأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وقال “لم ينس أحد شيئا. الوضع هاديء الآن لكننا جميعا نتساءل .. إلى متى؟ نعلم أن هذه المعركة ليست الأخيرة.”
ويقول قادة عسكريون من القوى المتناحرة إن سياسيين يؤججون القتال بتقديمهم المال والسلاح للطرفين ويتهم السكان القوى المعارضة للأسد والمؤيدة له بإثارة الاضطرابات. ويقولون إن حلفاء سوريا في لبنان يريدون تفجير صراع لتخفيف الضغط عن الأسد بصرف الانتباه عنه في حين يأمل خصومه في أن يضعف القتال الحكومة اللبنانية التي يقودها حزب الله الشيعي المؤيد للأسد وحلفاؤه.
وحصلت المزاعم بشأن دور سوريا في التوترات على دعم من القبض على ميشيل سماحة وهو وزير سابق مؤيد لسوريا اتهم بتشكيل عصابة مسلحة لإثارة قتال طائفي في شمال لبنان. ووجهت اتهامات أيضا لاثنين من المسؤولين السوريين في القضية ذاتها.
وعلى الجانب الآخر من المواجهة تعد السعودية مؤيدا بارزا للسنة في لبنان ويقول سكان في طرابلس إن المقاتلين المتشددين السنة في المدينة يتمتعون بدعم سعودي.
وطالما نظرت الرياض لحكومة الأسد بعين الريبة مشيرة إلى تحالفها مع إيران التي تشتبه الرياض في أنها تثير الاضطرابات في البحرين وبين الأقلية الشيعة في السعودية.
ووراء هذا الصراع الطائفي يحتدم صراع على السلطة فيما بين السنة لقيادة الطائفة التي تتولى السلطة التنفيذية من خلال منصب رئيس الوزراء بموجب النظام الطائفي اللبناني.
وقال أبو عماد “الصراع سيكون صراعا سنيا-سنيا إن عاجلا أو آجلا. إنها مسألة وقت فقط.”
وكثير من السنة موالون لسعد الحريري رئيس وزراء لبنان السابق ونجل رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق الذي اغتيل. ويؤيد آخرون رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي الذي صعد إلى السلطة بعد أن أطاح حزب الله وحلفاؤه بسعد الحريري في خطوة ندد بها أنصار الحريري باعتبارها انقلابا سياسيا.
وبينما يعارض غالبية السنة الأسد يراه آخرون زعيما قوميا عربيا يقود المعركة ضد إسرائيل.
ويسهل تجنيد المقاتلين في طرابلس حيث ترك الحرمان ونقص الاستثمارات الناس ساخطين ويكافحون من أجل البقاء. والأمية مرتفعة وفي المعركة التي اندلعت في الآونة الأخيرة شوهد أطفال دون الثامنة عشر يحملون أسلحة تكاد تعادل طولهم.
وقال قائد عسكري علوي “الاستعدادات جارية للجولة التالية.” وتابع قائلا “ما لدينا هنا هو هدنة لا تعالج أسباب القتال” محملا المسؤولية لإسلاميين لديهم ما وصفها بجداول أعمال إقليمية وقال إنهم يسيطرون على طرابلس.
وأنحى قائد عسكري سني شارك في جميع المعارك التي اندلعت في شوارع طرابلس هذا العام باللائمة على السياسيين في تأجيج العنف.
وقال “نشعر بالخطر بسبب التوتر السياسي والطائفي ويتعين أن نحمل السلاح للدفاع عن أنفسنا.
“إذا منع السياسيون الأموال والأسلحة فلن يحارب أحد. لكنهم أصحاب مصلحة سياسية في إشعال الموقف.”
ويقول قادة إن مئات الآلاف من الدولارات انفقت على شراء أسلحة جديدة من بينها قذائف صاروخية وقذائف مورتر وبنادق قناصة بعضها جاء من ليبيا.
وقال أحد سكان المنطقة عرف نفسه باسم بسام “الجراح لا تزال مفتوحة. الناس لم تنس ولم تسامح.”
ومضى يقول “لن يتغير شيء إلى أن تحل الحكومة المسألة من خلال برامج للحوار بين الناس والتسامح فيما بينهم مثلما حدث في جنوب أفريقيا.”
وقال ناصر مراد الذي اضطر لإغلاق متجره لبيع الأحذية في شارع رئيسي في طرابلس في ذروة القتال الشهر الماضي إن اندلاع القتال مجددا مسألة وقت فحسب.
وقال “الجمر لا يزال متوهجا تحت الرماد وكل العوامل التي أدت إلى ذلك لا تزال قائمة .. الكراهية في القلوب.”