مشروع الشاعر الجريفاني فكري نهضوي يدور حول المرأة
ياريس – «برس نت» يقيم معهد العالم العربي ندوة احتفالية في ٦ تشرين الأول/ أوكتوبر بمناسبة مرور ٢٥ سنة على إنطلاقته. الدعوة للمشاركة وجهت للعديد، بينهم ئيس اتحاد كتاب تونس محمد بدوي والناشط الثقافي أسامة الخليل والشاعر جورج رجي، إلى جانب سفير المملكة العربية السعودية في الأونيسكو زياد إدريس.
الحدث يأخذ طابعاً شعريا وفنيا بوجود الشاعر السعودي ابراهيم الجريفاني الذي سيوقع «ديوانه الجديد-القديم» (صدر في نهاية ٢٠١١ وكان قد وقعه قبل سنة في فندق فينيسيا في بيروت) «ترائبُ نورانية»، ولكن يبدو الديوان في حلة وطبعة جديدتين حافظتا على نوعية «الورق الأصفر الجميل» مع إعطاء رونق للوحات الفنية التي «ترافق القصائد»، في كراس وسطي من الورق اللماع الأبيض.
مثل الحفل السابق، سوف يواكب حفل التوقيع حضور فني تشكيلي للفنانات اللواتي شاركن في «تطعيم» الديوان برسومهن. من الكويت نوال العجمي ومن البحرين كادي مطر ومن لبنان باسكال مسعود وأحلام عباس ومن السعودية ريم الديني.
مثل حفل بيروت، «الفنانات التشكيليات» حاضرات حول الديوان وإن غابت بعضهن لتحل محلهن أخريات. ديوان «ترائب نورانية» عمل يجمع إلى جانب ١٦ لوحة تشكيلية نصوصاً باللغة الفرنسية ترجمتها زهرة نابلي ونصوصاً بالإنكليزية ترجمة نزار سرطاوي. وشارك فنانان في «تركيب» الغلاف الذي يجمع بين لوحة تشكيلية لـ«مهدية آل طالب» وخطوط جميلة موشومة بالذهب لـ«مصطفى عرب».
كان لـ«برس نت» لقاء مع الشاعر الذي يصعب تعريفه؛ هل هو إعلامي يعرف قوة التواصل؟ أم مبدع جديد في عالم القصيدة العربية من حيث الشكل؟ أو مدغدغ للمجتمع السعودي من حيث المضمون؟
الجريفاني جاء إلى عالم الشعر «بعد التقاعد» رغم أنه ما زال في «عز الشباب». يضحك كثيراً عندما نحاول طرح سؤال يدور حول «لماذا؟». أول «كتاب خواطر» له صدر عام ١٩٩٦ (بوح مشاعر) وأعقبته سلسلة دواوين تدور كلها حول … المرأة!
لماذا المرأة يا حضرة الشاعر؟
للجريفاني «فلسفة» مبنية على تمرد المرأة الذي يراه نوعين: سلبي وإيجابي، ولا يتردد من مقارنة نفسه بـ… نزار قباني… فقباني برأيه «خاطب جسد المرأة» بينما هو يخاطب عقلها حسب قوله. كان الشاعر قد شرح فلسفته حول التمرد بقوله وجود نوعين من التمرّد الأول سلبي الذي يرفضه، وإيجابي الذي يدعو إليه، فالمرأة الشرقية في رأيه ترى نفسها عنصراً مظلوماً ومضطهداً وبرأيه أنها استسلمت لهذه الصورة ويرى دوره «إعادة تشكيل فكرها واستنهاض حضورها في سياق متكامل مع الرجل» ويرى في «أنانية المرأة لنيل سعادتها إيجابية» لأنها «تعطي أكثر وتسعد من حولها وبالتالي تفيد المجتمع» .
نسأل: «ولكنك تتحدث عن المرأة السعودية…». يقاطع الجريفاني ليؤكد أن «الشاعر مؤثر في مجتمعنا …وأن المرأة في السعودية لها نفس معاناة المرأة في العالم العربي»، إنه «التمرد الإيجابي» ويضيف «لأجل سعادتها وسعادة أهلها».
نريد أن نسأل ونستوضح الفارق بين مكان وآخر. يقاطع الجريفاني مرة ثانية مؤكداً أنه يتحدث من ضمن معرفة واقعية: «إن المرأة السعودية تعاني نفس المشاكل وظلم الرجل هو واحد» ويضيف «ما ينطبق على المرأة في بقية الدول العربية هو نفسه ما ينطبق على المرأة السعودية». ويوضح «المرأة في القرية العربية تعيش مثل المرأة السعودية».
نقاطعه بسؤال: ولكن في بيروت في عمان…؟ يقاطعنا «إنه قناع الحرية والديموقراطية…وفي الواقع الظروف متشابهة».
نحاول «حصار الجريفاني» فنتصفح ديوانه: في الصفحة ٩٥ وتحت عنوان «نوارنية الحقيقة» نقرأ شعراً «حديثاً» في الشكل يملأ فراغ الأوراق الصفراء الثمينة بكلمة على كل سطر إنها حداثة الشعر ولكنها تحمل أيضاً «تناقضات غامضة» لتفسيرات الجريفاني. نقرأ:
أنهرب .. من أنفسنا .. نهرب .. أنهرب .. للكتابة.. بحثاً عن من يسكنُنا.. روحاً .. وداً .. حباً .. نمارسُ .. إثم الكتابة .. نعترف لأنفسنا.. إننا نعاني الضعف .. نعاني الخوف .. أمام الاعتراف .. نقف .. نقف عراة..
هل يعترف الشاعر في القصيدة التي تبدو وكأنها «شكوى» من واقع لا يريد الاعتراف به مباشرة؟
كل القصائد «تداعب» وضع المرأة «الحاضرة الغائبة» وإن هو لا يعترف (صفحة ٢٠٣) يقول «أنا السابح في مجراتك.. بين أفلاكك .. أبحث عنك وعنّي .. يا قرينة .. يا قرينة روحي..». عنوان قصيدة صفحة ١٤٩ «نشوة الاشتياق .. للخطيئة» تؤسس لسؤال جديد، خصوصاً وأن الشاعر يجاور بحوث «يوهان جوس» في بحثه حول «أفق التلقي» عندما يتحدث عن «المتلقي»: نسأل لمن هذه الكتابات؟ وأين هو «اللقاء» مع المتلقي؟ الشاعر يحاور متلقيه ومتلقياته عبر «فيسبوك».
سؤال يفرض نفسه: «هل تدخل كتبك المملكة؟». يجيب مباشرة بصراحة «لا». وبعد فترة تردد حملها معان حول نشر أو عدم نشر ما يقول، يتابع «في الواقع في آخر السنة تدخل كتبي…سوف يسمحون بها». السبب؟ «التطورات الأخيرة في المنطقة بدأت تعطي ثمارها على صعيد تطور الأفكار في المملكة…إنها المتغيرات في العالم العربي».
«الكتاب-الديوان» جميل. مضمونه كثير من الخواطر التي ألبست هندام الشعر الحديث مع «هدر في استعمال الورق الفاخر بكتابة كلمة على كل سطر» وإن كانت قراءتها ممتعة ولطيفة. ولكنك لا تستطيع إلا أن تطرح سؤالا: هل يوجد ريع تجاري وراء بيع مثل هذه الدواوين؟ الجريفاني صريح كعادته وابتسامته ترفع كل الشكوك: «نبيع الكتاب بـ ١٥ دولار… ولكني أقدمه هدية للعديد من المحبين والأصدقاء». بالطبع فهو مالك لدار نشر أسسها قبل سنتين… بعد التقاعد.
من هنا ندرك أن مشروع الجريفاني هو مشروع فكري نهضوي أكثر منه مشروع شعري. إن الرمزية بدعوة فنانات عربيات من عالم الفن التشكيلي لمواكبة ديوانه ليست فقط «فكرة تجميلية». نرى أن الجريفاني يحمل في رأسه أفكاراً لا يبوحها. يحاول مناورة واقع لا يريد أن يشير إليه إلا مواربة بانتظار «الفسح» الآتي من المملكة لبيع (أو توزيع) كتابه هناك.
تزيين مداخل كتبه بآيات قرآنية: («آل عمران – ٦٤» تفتتح ديوانه الأخير بثلاث لغات) لا تنم عن تناقض بين المضمون والشكل. الجريفاني يبحث عن شيء لا يستطيع البوح به رغم فيسبوك. ولكن كل آتٍ قريب.