جهاديون بريطانيون يتدفقون على سوريا
لماذا تجذب الحرب في سوريا البريطانيين؟
سؤال طرحته صحيفة «تايمز» البريطانية في تقرير لها استهلته بأن بين الذين يقاتلون نظام الرئيس بشار الأسد عشرات البريطانيين، ومن ضمنهم الطبيب والمهندس والمصرفي. وتقول الصحيفة إن جل هؤلاء- كما هو متوقع- من دول جنوب آسيا وأيضا المغرب العربي الكبير، وقد بدأت طلائعهم القتال في سوريا منذ العام الماضي.
وتقول الصحيفة إن أنباء انخراط هؤلاء البريطانيين تأتى في وقت صارت فيه الحرب السورية “تربة خصبة لتجنيد المتعاطفين مع مختلف الشبكات الأصولية الإرهابية”. ومن هذه، وفقا للصحيفة، تنظيم «القاعدة» الذي يسعى جاهدا لفرد جناحه ووصايته على «الجيش السوري الحر»، أكبر الفصائل المسلحة الثائرة على نظام الرئيس الأسد.
وتلفت الصحيفة أن هذه الأنباء تأتي أيضا في أعقاب تحذير وجهه في يونيو/ حزيران الماضي المدير العام لهيئة الاستخبارات البريطانية الداخلية MI5 «إم آي 5»، جوناثان ايفانز، وقال فيه إن اولئك الذين يسمون «الجهادييين» الذين توجهوا للقتال في صفوف الثوار السوريين «سيعودون الى بريطانيا مشبّعين على الأرجح بخطر قيامهم بهجمات إرهابية على بلادهم هذه وعلى أهلها»، على غرار هجمات 7/7 التي استهدفت شبكة المواصلات اللندنية في السابع من يوليو/ تموز 2005.
ورغم ان افغانستان والصومال صارا من أبرز الجهات المفضلة للجهاديين البريطانيين، فقد صارت لسوريا جاذبية خاصة. وهذا بسبب السهولة النسبية في دخول أراضيها سواء عبر تركيا أو لبنان بشكل رئيسي. لكن هناك أيضا حقيقة أن “الحرب السورية ظلت تستحوذ على الأضواء الإعلامية الباهرة واكتسبت ذلك بريقا جذابا بالنسبة لأولئك المقاتلين”.
ويقول مصدر أمني بهذا الصدد: «ثمة انطباع قوي وسط العديد من هؤلاء المقاتلين يكتسي ظلالا رومانسية في ما يعتبرونه حربا جهادية لخدمة الإسلام والمسلمين. لكن هناك مشكلة أخرى، وهي أن بين هؤلاء من يذهب الى سوريا من أجل «جهاد قصير الأمد». لكنهم سرعان ما يكتشفون إن إعلان نواياهم عودتهم مبكرا يثير الشكوك في أنهم جواسيس في واقع الأمر».
«تايمز» تنقل عمّن تسميه مالك العبدة، ويعرّف نفسه بأنه إعلامي وناشط في صفوف المعارضة السورية بمدينة بيرمنغهام، قوله إنه على علم مؤكد بحالة 10 جهاديين بريطانيين على الأقل، بين 20 و40 سنة من العمر، توجهوا الى بلاده من أجل القتال فيها. وقال إن هؤلاء في سوادهم الأعظم من أصول باكستانية وجزائرية وشيشانية، وإن باكستانيا منهم كان يشغل وظيفة محترمة لسنوات عدة في بنك HSBC «إتش إس بي سي» لكنه هجرها فجأة وتوجه الى سوريا في بداية العام الحالي.
ويقول العبدة إنه بينما يعود سوريون للقتال في صفوف المعارضة المسلحة مدفوعين بغيرتهم على وطنهم، فإن البريطانيين الذين يفعلون الشي نفسه ينطلقون بدافع الحرص على ترقية سجلّهم الجهادي. وهذا لأن قمة الحديث في أوساط المقاتلين البريطانيين هو التفاخر بالقتال على هذا المسرح الجهادي أو ذاك.
يضيف العبدة: «يخامرني كل الشك في أن هؤلاء يتلقون أي نوع من التدريب المنتظم الجاد على استخدام السلاح عندما يصلون الى جبهة القتال بسبب أنها بعرض البلاد. وهم يجدون الترحيب الى صفوف المقاتلين السوريين لأن هناك حاجة دائمة لمجندين جدد ولا وقت لتدريبهم كما ينبغي. وبالتالي تصبح المسألة كلها «خذ هذه البندقية وامنياتنا بحظ سعيد»!
ويتفق خبراء عسكريون مع رأي العبدة الذي يذهب الى القول إن الجهاديين البريطانيين يتوجهون الى سوريا بدون خبرة قتالية سابقة أو دراية باستخدام السلاح. ويقولون إن المقاتلين المدربين «هم فقط اولئك الذين ترسلهم الشبكات الإرهابية العاملة في العراق المجاور».
من جهته يعرب خالد محمود، النائب البرلماني العمالي عن دائرة بيرمنغهام بيري بار، عن قلقه إزاء أن عددا كبيرا من المقاتلين البريطانيين يقعون فريسة للماكينة الدعائية الأصولية في سوريا رغم أن دافعهم الأساسي للتوجه الى سوريا هو «مقاتلة نظام دكتاتوري».
ويقول محمود- وهو من أصل باكستاني- إن العديد من الآباء وأولياء أمور الأسر الباكستانية اتصلوا به طالبين اليه فعل شيء ما لوقف ما نشهده حاليا وهو أن المزيد والمزيد من الباكستانيين البريطانيين يرغبون في التوجه الى الجبهات السورية للمشاركة في قتال قوات الأسد.
تتحدث “تايمز” عن أحد المشار اليهم وهو باكستاني كان يعمل الى حين سفره الى سوريا طبيبا في صفوف «الخدمات الصحية القومية» الحكومية NHS . وقد نشأ هذا الرجل في بريطانيا منذ مولده ويتحدث بلكنة جنوب لندن.
لكنه صار، مع عشرات آخرين، «جهاديا» في الجماعة الأصولية التي اختطفت في يوليو/ تموز الماضي المصور الفوتوغرافي البريطاني العامل لصحيفة «صنداي تايمز»، جون كانتايل، والمصور الهولندي يوروين اورليمانز، وحررتهما عناصر من «الجيش السوري الحر» من معسكر تدريب جهادي في شمال غرب سوريا.
وعُلم أن هذا الطبيب، الذي يتمنطق مدفع «إيه كيه-47» الرشاش، كان قد تولى علاج الأسيرين الغربيين من جراح أصيبا بها أثناء محاولة لهما الفرار من المعسكر. ومع ذلك فقد كان أحد الذين أبدوا امتعاضهم العميق إزاء أن جماعته امتنعت عن تنفيذ الحكم بقطع الرأس في حق اثنين من أسراها السوريين أنفسهم.