سوريا: شهادة السفير اللبناني بطرس عساكر أمام مجلس الشيوخ الفرنسي ١/٣
باريس – «برس نت»
اهتمام فرنسا بلبنان لازمة تاريخية لا جدال فيها. ولكن فرنسا تهتم أيضاً بسوريا وإن كانت «مراحل الانقلابات» في التاريخ السوري الحديث قد غطت على العلاقة التاريخية بينهما. ما أن بدأت سياسة النأي بالنفس المطبقة في لبنان تتهاوى رويداً رويداً وبدأت معها حدة التوتر تزداد عبر الحدود السورية اللبنانية حتى سعى الفرنسيون إلى تلمس «واقعية» سياسة النأي بالنفس ومفاعيلها الحقيقية على الأرض كما ذكر مصدر مقرب من هذا الملف، خصوصاً وأن الاهتمام الأول كان قبل أن تطال القذائف الأراضي اللبنانية منصباً على «دفع لبنان لاستقبال اللاجئين» وعدم إعادة الفارين من الجيش السوري الحر أو الثوار إلى الأراضي السورية.
إلا أن ارتفاع حرارة الاشتباكات على الحدود والحديث عن تدخل مباشر لحزب الله في القتال، وبعد عمليات الاختطاف المتبادلة، حاولت باريس الضغط على المجلس السوري الوطني لتخفيف التوتر عبر الحدود والابتعاد عن سياسات الاستفزاز تجاه القوى اللبنانية التي تؤيد نظام بشار وعدم تحميل القوى التي لا تخفي تأييدها للمعارضة أكثر من طاقتها.
وفي هذه الأجواء التأمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي في عدة جلسات متتابعة للبحث في الملف السوري والاستماع إلى عدد من سفراء الدول القريبة من هذا النزاع بشكل أو بآخر.
وقد استمعت اللجنة لسبع مداخلات قدمها سبعة سفراء وأعقب كل مداخلة «تمرين» سؤال وجواب بين أعضاء اللجنة والسفراء.
في التاسع من شهر تشرين الأول- أكتوبر استمعت اللجنة لمداخلة السفير اللبناني بطرس عساكر، وفي اليوم التالي لسفيرة الأردن دينا قعوار وسفير روسيا أكسندر أورلوف وسفير أنكلترا بيتر ريكت وسفيرة ألمانيا سوزان واسمان رينير، في ١١ عشر من الشهر نفسه استمعت إلى تحسين بوركو سفير تركيا. وقد حصلت «برس نت» على محاضر هذه الجلسات. ومن المفترض أن اللجنة استمعت أيضاً إلى سفيري الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقد قدم السفير عساكر عرضاً تاريخياً لأعضاء اللجنة أعاد فيها «الوضع اللبناني الحرج والمقلق على المستوى السياسي والاقتاصدي والاجتماعي إلى عشر سنوات إلى الوراء»، ورأى السفير أن لبنان بسبب نسيجه الطائفي وموقعه الجغرافي يتلقى ردات فعل «أربع مجابهات في المنطقة متشابكة ومتأثرة بعضها ببعض».
وعددها بأنها ١- النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بسبب فشل مسار السلام، ٢- المجابهة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى عى خلفية البرنامج النووي الإيراني، ٣- المجابهة بين السنة والشيعة التي تمتد من البحرين إلى لبنان، ٤- الشق السوري هو الملف الأكثر تأثيراً على لبنان بسبب عنفه وخطورته وهو ما يمكن أن يؤثر على أمن لبنان وتماسكه السياسي والاجتماعي.
من هنا تطرق عساكر إلى العلاقات بين لبنان وسوريا وقال «إن ظل سوريا يحلق دائماً فوق لبنان، وأن نفوذه بارز لأسباب تاريخية وجعرافية وبسبب الارتباطات العائلية بين اللبنانيين والسوريين». وأضاف بأن سوريا «رفضت حتى عام ٢٠٠٩ لأسباب إيديولوجية الاعتراف بسيادة لبنان» وأن سوريا كان لها دائما «علاقات نزاعية مع بلاد الأرز» وشدد على أن السلطات السورية «كانت دائما وبشكل صريح تعلن أنها لن تقبل البتة بحكومة تشكل خطراً على أمنها أي حكومة تحت نفوذ الغرب» وأعطى تأكيداً على ذلك بتذكيره بشعار سوري رفع بعد وقبل الطائف يقول «إن أمن سوريا مرتبط بأمن لبنان والعكس بالعكس».
وشرح عساكر عندما بدأت الثورة السورية في ١٥ آذار عام ٢٠١١ كان لبنان منقسماً «منذ اغتيال رئيس الوزرآء السابق رفيق الحريري»إلى فريقين فريق ١٤ آذار الذي يجمع «معظم القوى المسيحية ،الأكثرية السنية وهي القوى التي قامت بثورة الأرز وأخرجت القوات السورية من لبنان بفضل الدور الذي لعبته فرنسا في مجلس الأمن آنذاك» وأشار إلى أن هذه القوى «لم تتردد في الوقوف إلى جانب المعارضة والجهر بموقفها».
وأشار إلى الفريق الثاني بأنه «حزب الله وأكثرية الطائفة الشيعية والتيار الوطني الحر التابع للجنرال ميشال عون» أي ما يسمى تجمع ٨ آذار والذين هم «حلفاء بشار الأسد». ولكن عساكر استطرد ليوضح أن «خطاب التيار العوني يعبر عن رأي يقول بأن مسيحيي الشرق، خصوصاً في سوريا، سوف يكونوا مهددين في حال سقوط النظام البعثي الذي ينظر إليه على أنه علماني، ويحذر من وصول الإسلاميين إلى الحكم».
وتابع عساكر بأن انتساع نطاق الاقتتال ساهم في رفع حدة التوتر في لبنان بين مؤيدين ومعارضيت للنظام السوري وأن اشتباكات حصت في الشمال بين سلفيين سنة وعلويين ما وضع على المحك أمن واستقرار البلاد.
ثم شرح السفير اللبناني سياسة «النأي بالنفس» (politique de distanciation) التي وضعها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بالتوافق مع رئيس الجمهورية وكافة الأحزاب، وهو ما انعكس بحيادية مواقف لبنان في مجلس الأمن وفي إطار الجامعة اللبنانية عند التصويت على قرارات تعلقت بسوريا. وأشار إلى أن هذه السياسة عادت وحظيت بدعم دولي بعد فترة تردد، خصوصاً أنها مبنية على الاسس التالية: المحافظة على أمن لبنان ، والابتعاد عن التحالفات الإقليمية و«تجنيبه تأثيرات الصراع إلا في ما يتعلق باحترام قرارات الشرعية الدولية» والسيطرة على الحدود اللبنانية السورية ومنع إقامة منطقة عازلة في لبنان زو استعمال أراضيه كككقواعد خلفية لتهريب السلاح أو المقاتلين، من دون أن يوِير ذلك على مبادئ التضامن الإنسانية مع المواطنين السوريين واحترام حرية الرأي التي يضمنها الدستور اللبناني.
وبعد أن شدد عساكر على أن «سوريا هي جارة لبنان الوحيدة» أشار إلى أن «الشعب السوري أيضاً هو جار لبنان» ومن هنا أعرب عن أمل بـ«انتقال نحو الديموقراطية بأسرع وقت ممكن عبر الحوار بعيداً عن العنف وأي تدخل خارجي» ونوه بطلب الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام (من مداخلة السفير) «وقف تسليح الفرقاء» ودعوته الجميع إلى طاولة تفاوض.
وبعد أن عرض ما يقدمه لبنان للاجئين السوريين الذين قدر عددهم بـ ٨٠ ألف، أشار إلى أن «لبنان يطبق العقوبات التي أقرها المجتمع الدولي حرفياً» وأن المصارف اللبنانية «حذرة وتسعى للمحافظة على سمعتها، خصوصاً مع السلطات الأوروبية والأميركية».
وكشف السفير عن استعداد رئيس الوزراء لتنظيم مؤتمر مانحين لتجهيز الجيش اللبناني بالمعدات التي تؤهله للقيام بمهماته في الشمال والجنوب بمؤازرة اليونيفيل.
ثم حذر من أن النزاع يمكن أن يدفع المنطقة كلها في الفوضى،
ورداً على سؤال من «نتالي غولي» (Nathalie Goulet) حول المخاطر في الشمال لم يتردد السفير من الإفصاح عن «اشتباكات يومية على الحدود مع سوريا يعب تحديد من يقف وراءها» كما تحدث عن «حوادث بعضها مصدره سوريا وبعضها الآخر مصدره لبنان».
وشدد عساكر بعد أن كشفت النائبة عن توقيع اتفاقية تعاون في مجال الأمن الداخلي، على أن الجيش يبقى الضمان الوحيد لوحدة واستقرار لبنان. ولكنه حذر بأن «الجيش حافظ حتى الآن على شعور وطني، إلا أن استمرار القتال في سوريا من دون التوصل لحل سريع، يمكن أن يجر تبعات مضرة للبنان».
(يتبع…)