ناشطو الانترنت السوريون: عالم من السرية والغليان… والأمل
إميلي حصروتي ــ خاص “أخبار بووم”
في جوّ من التناقض والثبات، بين الإيمان العميق والتشكيك المطلق، ومن رحم الثورة السورية ومعاناة أبنائها، خرج الى النور جيل من الناشطين الإلكترونيين الذين يجنّدون طاقاتهم الفكرية والأكاديمية، ليلا و نهارا، لخدمة انتفاضتهم. هذه الإنتفاضة التي لا تزال حتى اليوم قائمة في أجواء من عدم التصديق السياسي إقليميا وعالميا، ولاسيّما أن كثراً لا يزالون يعتقدون أن الشعب السوري قد تمّ ترويضه الى الأبد على أيدي الأذرع الأمنية المتعددة التي أرست حكم الأسد في سوريا أباً وابناً.
الأسماء الواردة في هذه المقابلة جميعها حَرَكية اختارها أصحابها الموجودون في أوروبا غطاء لنشاطهم السياسي والإعلامي، الذي يعتبرونه مكمّلاً لما يجري على الأرض في سوريا. وقد سعى موقع “أخبا ربووم” للدخول الى فكر وعمل هؤلاء الناشطين والوقوف على أسرار وتقنيات نضالهم الثوري، فيما تفصلهم عن الثورة الحقيقية آلاف الكيلومترات.
البداية كانت من صفحة جريدة “حريات” على الفايسبوك، حيث يمكن للزائر أن يستدلّ على هويتها، فهي “اسبوعية سياسية مستقلة، معارضة للنظام السوري وتعنى بالثورة السورية”. وضوح واختصار تجلّى أيضا في أجوبة الفريق الذي ينشط لإصدارها. أسابيع طويلة فصلتنا عن موعد لإجراء هذا اللقاء: “الشباب مشغولون والأربع والعشرون ساعة تكاد لا تكفي”، هكذا يجيب “كريم ليلى”، رئيس تحرير “حريات”، على من يريد أن يتكلم معه عن الجريدة، “نحن هنا نعمل من أجل الثورة، من أجل سوريا حرة”. ابن حمص، الذي يتكتم على هويته خوفا على سلامته وسلامة أهله هناك، لا يستطيع أن يكبت حماسته عندما يتعلق الأمر بمعارضة النظام السوري وكشف ممارساته بحق أبنائه المطالبين برحيله. خواطر عديدة تجول ببال “كريم ليلى” فيغرّدها على حسابه على تويتر أو يضيفها الى صفحة “حريات” على الفايسبوك، بينما عمله الأهم كما يقول يكمن في إيصال صوت الثورة و صورها الى أعلى المنابر الإعلامية.
ـ ما هو تقويمك للنضال الإلكتروني السوري؟ هل يوازي دينامية النضال الثوري الإلكتروني التونسي أو المصري في حينه؟
كريم ليلى: النضال لا يتجزأ، فهي ثورة في كافة الميادين، ونظراً لتغييب الإعلام الحيادي بكافة أشكاله عن تغطية الأحداث، برزت أهمية ناشطي الانترنت في التواصل مع الثوار على الأرض ونقل أخبارهم وما يجري في سوريا بكل دقّة للإعلام العالمي والعربي كي لا تضيع دماء الشهداء وأرواح الثوار هباء. هذا بالإضافة إلى العمل جنباً إلى جنب مع المنظّمات الحقوقية لتوثيق جرائم النظام وحماية أرواح المدنيين المعتقلين من جهة، وللضغط على المجتمع الدولي والرأي العام العالمي للتحرك لوقف حمامات الدم والجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها النظام القعمي السوري بحق الشعب الأعزل من جهة أخرى. لذا ما يسمى بثورة الانترنت أتى مكمّلاً للثورة داخل سوريا، فكِلا النشاطَين مطلوب ويكمّل أحدهما الآخر. في الحقيقة، إننا كناشطين حقوقيين قد اكتسبنا بعض الخبرات أثناء الثورة في تونس ومصر، غير أن ذلك لم يشكل إلا جزءاً بسيطاً مما نقوم به في ثورة الشعب السوري، كونها الأطول مدةً والأبشع على الإطلاق حيث هناك دائماً ما يدعونا للتحرك بسرعة، فقد عشنا أياماً قدمنا فيها شهيداً في كل ساعة، الأمر الذي دفعنا لوصل الليل بالنهار لأسابيع و تنظيم ورشات عمل يتخصص كل منها بجانب معين و وفق مناوبات زمنية متعاقبة.
ـ ما هي الوسائط الإلكترونية التي تستعملونها لإيصال المعلومة؟ وكيف يتم التواصل مع الناشطين داخل سوريا؟
كريم ليلى: لإيصال المعلومة نرتكز بشكل كبير على شبكات التواصل الاجتماعي لتسهيل الاتصال وسرعته كفايسبوك و تويتر. فقد قمنا بإنشاء تنسيقيات الكترونية لتبادل المعلومات و توزيع المهام بين جمع الأخبار والتحقّق من صحتها، و خاصة ما يتعلق بالفيديوهات و تحميلها على شبكة الانترنت وإيصالها للشبكات الإخبارية العربية و لعالمية بعدّة لغات، بالإضافة لإصدار بيانات توضيحية عند الحاجة. بالنسبة للتواصل مع الناشطين داخل سوريا سأكتفي بذكر برامج الرسائل الفورية والماسنجر بكافة أنواعها والتي تختلف في السرعة ومستوى الأمان، إضافة إلى هواتف الثريا في حال قطع الاتصالات العادية عن المناطق المحاصرة.
ـ كيف يتم التأكد من صحة الأخبار والفيديوهات؟
كريم ليلى: كل تنسيقية مسؤولة عن التحقق من صحة المعلومات الوادرة منها، ويتم اختيار أفراد التنسيقية بعناية من أبناء المناطق التي تنشط فيها، خاصة في الأمور التي تتعلق بتأكيد مكان وزمان تصوير الفيديوهات التي تصلنا ومطابقة المعلومات التوصيفية مع الواقع من قبل أشخاص موثوقين على دراية كاملة وممتازة بالمنطقة بأكملها. بعض الفرق لديها مختصين بالغرافيك وبرامج تحرير الفيديو للتحقيق بشكل قاطع في الفيديوهات لتمييزها عن تلك التي ينشرها النظام بدوافع الإيقاع بالناشطين وتكذيب رواياتهم أمام الإعلام، وقد حققنا في ذلك نجاحاً كبيراً أربك النظام رغم امتلاكه أجهزة متطورة جداً تفوق تلك التي لدينا بكثير.
ـ ما هو الجيش الالكتروني السوري وما هي تحدياتكم معه؟
كريم ليلى: هو عبارة عن مرتزقة جنّدها النظام ووضع في تصرّفها كافة الإمكانات المادية والتقنية، وزوّدها بخبراء تقنيين هدفهم الرئيسي التشويش على ما يقوم به نشطاء الثورة، من خلال نشر أخبار كاذبة وفيديوهات مفبركة تحتوي على مقاطع تسيء للثورة و الثوار وتسعى يائسة لنشر الفتنة وإثارة النعرات الطائفية، الأمر الذي فشل بامتياز حتى الآن وسيفشل. يحاول هؤلاء ايضا اختراق حسابات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام أسمائهم للإيقاع ببقية أعضاء التنسيقية أو اختراق صفحات الثورة و مواقعها، الأمر الذي لم يحدث على نحو يذكر، على العكس تماماً، فقد تمكننا مراراً من اختراق مواقع هذه الهيئة المزعومة التي عجزت عن حماية نفسها والمواقع الحكومية، وكان اختراقها أسهل من احتساء فنجان القهوة، حتى تلك التي يفترض أن تكون محمية على نحو معقد كموقع مجلس الشعب السوري وموقع “أسماء الأسد” و القائمة تطول.
ـ ما هي الصعوبات التي تحول بينكم و بين إيصال صوت الثورة السورية الى الضمير العالمي؟
نزار الخطيب: الصعوبة الحقيقية هي ضعف صوتنا. أحس أحياناً أنني أصرخ وحيداً في شارع مكتظ ولا احد يسمع ومن يسمع، يبتسم ويكمل سيره بدون اهتمام.
ساعات النوم القليلة و تراجع الأداء في العمل و الدراسة هما سمتين تجمعان غالبية الناشطين السوريين و لا يشذّ فريق تحرير “حريات” عنهما، و لكن كما تقول الناشطة “رنيم حداد”: “نحن نضع انفسنا و حاجاتنا اليومية والشخصية في المرتبة الثانية، ففي المرتبة الأولى تأتي الثورة”. وعن الرؤية التي يحملها هؤلاء الناشطون لسوريا ما بعد الثورة، تلتقي الآمال عند كلمات الناشط “كريم ليلى”: “نريد سوريا الدولة المدنية التي تضم جميع أبنائها تحت سقف المواطنة الحقيقية، حيث الواحد للكل والكل للواحد في جو حرّ يضمن الحق للجميع، بعيداً عن سلطة الرمز الأوحد وسطوة القمع. دولة تلتغي فيها الأنانية وتستحيل فيها السجون جامعات تعمل على بناء جيل واعي قادر على رفع سوريا الإنسان وشأنه بين جميع الشعوب”.
لا شك أن التاريخ سيأتي على سيرة ربيع العرب الذي هبّ واستطاب السكنى في رحابهم، سيذكر أسماء رؤساء خلعوا وأسماء من خلفوهم ولكن في صفحات ذلك التاريخ سيقرأ قلّة فقط حقيقة ما جرى وحقيقة من حرّك المياه الراكدة لعقود.