لقاء باريس: تصلب روسي في الملف السوري
باريس- بسّام الطيارة
انتقل التباين حول تفسيرات «اتفاق جنيف» العتيد إلى تحت السقف الذهبي في الكي دورسيه. ففي إطار «الشراكة الاستراتيجية» بين باريس وموسكو إلتقى وزراء الدفاع والخارجية الروسي « أناتولى سيرديوكوف» والفرنسي « جون إيف لودريان» للدفاع و«لوران فابيوس» و«سيرغي لاروف» للديبلوماسية حول طاولة كما هو الحال كل سنة، قبل أن يخرجوا إلى مؤتمر صحافي مختل التوازن بين «مسائل الدفاع المتفق عليها» حسب ما تبين وبين «المسألة السورية» المختلف حسب ما ظهر واضحاً.
دقيقة و١٥ ثانية كانت حصة وزير الدفاع الفرنسي الذي أكد أن باريس سوف «تبيع فرقطات ميسترال» من روسيا بينما أكد بدوره وزير الدفاع الروسي بكلمة استغرقت أقل من ٣ دقائق مع الترجمة الفورية أن روسيا «سوف تشتري» تلك الفرقاطات ومواربة تطرق الوزيرا الدفاع في نهاية الدقائق المعدودة إلى الدرع الصاروخي الأميركي ليقرا بأن لكل بلد بعض الاعتراضات شكلية بالنسبة لفرنسا وأساسية بالنسبة لروسيا.
ووقف الوزيران جانبا لتقتحم المسألة السورية القاعة وتنحصر في طياتها كافة أسئلة الصحافيين المتواجدين بكثافة ملأت القاعة.
حتى ما هو مفروض أن يكون من حصة وزراء الدفاع وقع في سلة الإجابات والزكزكة الديبلوماسية: فقد تلقف لافروف «سؤال بشكل تهمة» من صحافية سألت عن «قصف الميغ لأحياء دمشق»، فرد بأن الطائرات الأميركية والفرنسية، مثلها مثل الروسية، قصفت مناطق عدة في الشرق الأوسط، في إشارة واضحة لما تقوم به إسرائيل من دون أن يتحرك المجتمع الدولي.
ولكن بالطبع كان «اتفاق جنيف» لولب الأسئلة وسلطت الإجابات الضوء على التباين الواضح في تفسير ما وصفه ديبلوماسي أوروبي بـ«الاتفاق الوحيد الذي تقاطعت فيه موافقة الكبار حول الجل في سوريا». في الواقع التباين الظاهر يحمل تباين في مرامي الديبلوماسيتين الغربية والروسية. إذ يصر فابيوس «على رحيل الأسد» بينما يصر لافروف على «أن الشعب السورية يحدد مصير بلاده». وهي نقطة الاختلاف الأساسية في تفسير اتفاق جنيف أي من يقود المرحلة الانتقالية. اتفق فابيوس ولافروف على أن اتفاق جنيف حدد آلية الحكم في المرحلة الانتقالية وهوي ما يشار له بـ «هيئة تنفيذية» (ِexecutive body)، إلا أن الاختلاف هو «في اللحظة التي تلي» تأليف هذه الهيئة. فابيوس يتمسكك بأن مجرد إنشاء تلك الهيئة «بالتوافق بين الفرقاء» أي مع حق الفيتو لكل فريق على وجود أي طرف من قبل الفريق الآخر، يعني «رحيل الأسد». بالمقابل يرى لافروف أن «التوافق يطال فقط الهيئة التنفيذية» بينما الأسد يظل على رأس الدولة.
وتشبث فابيوس بتفسيره في المؤتمر«لا حل ممكن مع بقاء الأسد»، وذكر أن المجتمعين في جنيف تحدثوا في مسألة «من يحكم البلاد الآن عليه أن يرحل». عندها وافق لافروف أن الأمر تم تناوله ولكنه أشار إلى أن «هذه الجملة اختفت من الاتفاق النهائي».
وبعد دوران في حلقة مفرغة من التفسيرات المختلة لاتفاق جنيف شدد لافروف على أن «الغربيين أفشلوا تحويل هذا الاتفاق إلى قرار ملزم في مجلس الأمن». وأعتبر أن المعارضة التي ترفض التفاوض على أساس هذا الاتفاق تعتمد على هذا الموقف الغربي. وأنهى بالقول بأن على الغرب أن يغير سياسته لأن مواقفه إيديولوجية وغير عملية، وإلا «فإن حمام الدم سوف يستمر طويلاً في سوريا».
في حين أن فابيوس يرى في موقف الروس مسؤولية إطالة الحرب، وبالتالي «تطرف المعارضة» ووصول الغرباء إلى ساحة الحرب الأهلية «ما يعقد التآلف بين الطوائف» إلا أن فابيوس أكد على ضرورة عدم تكرار ما حدث في العراق ورأي أن ذلك يتم بالمحافظة على هيكلية الدولة ومؤسساتها. وشرح فابيوس المفهوم الفرنسي للتحضير لـ«ما بعد الأسد» عبر إرسال مساعدات إلى «المناطق المحررة».
وقد رفض لافروف تسمية «مناطق محررة» ورأى أنه «لتحرير مناطق يجب أن تكون محتلة والوضع ليس كذلك» بل يرى أنها «حرب أهلية ومرتزقة يتوافدون من مختلف الدول المجاورة».
معلم هذا المؤتمر الصحافي وتسريبات ما ورزاء الكواليس كان التأكيد على ارتفاع منسوب «التصلب الروسي» يقابله ارتفاع منسوب «الصبر الغربي» على إطالة الحرب. ويقول ديبلوماسي مقرب من هذا الملف بأن «المسأة ليست انتظاراً للانتهاء الانتخابات الأميركية»، بل أن كل ما في الأمر أن «توازن القوى على الأرض يفرض فترة انتظار»، مع الاعتراف بأن الشعب السورية يدفع الثمن وأن المستفيد الوحيد هم الجهاديون الذين يتدفقون على سوريا ما يجبر القوى الغربية على لجم تسليم السلاح للمعارضة خوفاً من وقوعها في أيد السلفيين. ويشير الديبلوماسي مواربة إلى نقطة أخرى تشكل إرباكاً للديبلوماسية الغربية وهي «مؤشرات على تباعد المصالح بين قطر والسعودية» وهما حليفان قويان في المسألة السورية، وقد انعكس ذلك مباشرة على المعارضة المشرذمة. وهنا يرى المصدر أن «حل الإشكال بين قطر والسعودية» ينتظر في الواقع نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية. ويضيف بأن «تصلب موسكو يدل على قراءة الخلاف السعودي القطري على خلفية الخوف الغربي من فلتان دعم البلدين لقوى المعارضة بشكل غوغائي يستفيد منه الجهاديون» وهو ما تتخوف منه القوى الغربية. وبالتالي فإن موسكو ترى أمامها مجالاً واسعاً لتقوية الأوراق التي بيدها بالانتظار «يوم التفاوض على سوريا».