هولاند في بيروت: ٣ ساعات ٣ ملفات
باريس – بسّام الطيارة
يحط الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم الأحد في العاصمة بيروت في زيارة مفاجئة لم تكن مبرمجة حتى قبل يومين، حاملاً معه ثلاثة ملفات: خطة وفاق وطني والملف السوري ومسألة الجهاديين. ومن المقرر أن يبقى هولاند في ربوع الأرز ساعات قليلة يمضيها في القصر الرئاسي في بعبدا، حيث يلتقي خلالها رئيس الجمهورية ميشال سليمان في جلسة مغلقة قبل غداء عمل يجمع حلقة ضيقة جداً، ثم يعقد الرئيسان مؤتمراً صحافياً مشتركاً، قبل أن يتوجه الرئيس الفرنسي إلى محطتة الثانية جدة في المملكة العربية السعودية في طريقه إلى لاوس للمشاركة في القمة الأوروبية – الآسيوية في العاصمة فينتيان.
ما أن أعلنت الزيارة-المفاجئة حتى تهافتت التفسيرات في لبنان لتفسير هذه الخطوة الفرنسية. البعض رأى فيها دعماً للبنان بعد اغتيال رئيس جهاز المعلومات اللواء وسام الحسن، والبعض الآخر رأى فيها دعماً لرئيس الجمهورية وموقفه من تداعيات عملية الاغتيال هذه، أما البعض الآخر فرأى فيها دعماً لمطل المحافظة على الحكومة وسد سبل حصول فراغ في البلاد في الوقت الذي تشهد الساحة السورية تغييرات دراماتيكية على صعد عديدة.
تقول مصادر فرنسية في باريس إن وراء الزيارة «كل هذه الأمور مجتمعة» إضافة إلى «تمسك باريس بدعم لبنان في كافة الأحوال» وترى هذه المصادر أن المنطقة تجتاز «مرحلة بالغة الخطورة» كما أن هولاند يبدو «حريصاً على حماية لبنان من عدوى الحرب الأهلية في سوريا».
بالطبع لا يغيب «الخلل السياسي القائم في لبنان» عن بال القيمين على الديبلوماسية الفرنسية. ويلاحظ اليوم أنه وبخلاف العهد الماضي حين كانت نظرة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي لا تتطابق مع نظرة من يقود الديبلوماسية في الكي دورسيه، ما فتح حينها الباب واسعاً أمام تأويلات متعددة مع تعدد مراكز القرار بين مستشاري ساركوزي وبين الديبلوماسيين، فاليوم الديبلوماسية الفرنسية «ممسوكة بحزم» وبتسيق تام بين الإليزيه وبشكل خاص مستشار هولاند الدبلوماسي «بول جان-اورتيز» والكي دورسيه، إضافة إلى كون السفير الفرنسي في بيروت المستعرب «باتريس باولي» كان مدير قسم الشرق الأوسط لسنوات عديدة.
إذا لن يكون هناك إمكانية لتأويل ما تبغيه الديبلوماسية الفرنسية: اغتيال اللواء الحسن مسألة خطيرة ولكن ليس إلى درجة إدخال لبنان في نفق معتم من دون حكومة بينما الحرب مستعرة على الجانب الآخر من الحدود مع سوريا، وبدأت المناوشات تطال الجانب اللبناني. ويفسر هذا «مسارعة باولي» للتوجه إلى القصر الجمهوري بعد بدء المطالبة باستقالة حكومة الرئيس ميقاتي، قبل أن يصدر ما بات يسمى «نداء سفراء القوى العظمى» لتجنيب لبنان الفراغ والفوضى.
يقول مصدر ديبلوماسي لـ«برس نت» تابعنا ما حصل في بيروت دقيقة بدقيقة، وحذرنا من الفراغ السياسي وصعوبة تأليف حكومة في هذه الظروف، خصوصاً إذا تم إسقاط الحكومة في الشارع. وباريس حسب المصدر «مع حكومة جديدة على أن تكون توافقية» أي بمثابة «حكومة وحدة وطنية مماثلة لحكومة حرب» تطبق سياسة «النأي بالنفس».
وكشف المصدر أن فرانسوا هولاند يحمل في جعبته «بعض الأفكار» لإيجاد مخرح لجو التأزم الذي يعيش فيه لبنان حالياً ويصف هذه الأفكار بأنها «أقل من دوحة وأكثر من طاولة حوار» ينبغي في حال موافقة الأفرقاء، أن تقود إلى توافق القوى السياسية اللبنانية على «تأليف حكومة وحدة وطنية» تقود البلاد حتى الانتخابات. ويقول المصدر أن «تواصلاً حصل بين باريس والرئيس سليمان عبر عدة قنوات» تم خلاله نسج الخيوط الكبرى لهذه الأفكار التي من المنتظر أن يلعب السفير باولي دوراً كبيراً في بلورتها عبر زيارات مكوكية بين الأطراف، تمهيداً لـ«لقاءات على طاولة الحوار» تخرج منها الخطوط العريضة للحكومة العتيدة. ويتجنب المصدر الإجابة عن «الأسماء المطروحة لترؤس الحكومة» إلا أنه لا يخفى «حرجاً ما في استبعاد نجيب ميقاتي» ويشرح بأن استبعاد ميقاتي يمكن أن يفسر بـ«التهم التي سيقت ضدها عقب الاغتيال» وهو ما يمكن أن يعقد الأمور عوضاً عن حلحلتها، إلا أنه لا يستبعد حلاً وسطاً بأن يكون رئيس الحكومة المقبل «مقبولاً من ميقاتي بشكل قوي ولا يحمل أي إلتباس».
الساعات الثلاث التي سوف يقضيها هولاند في بيروت لن تكون كافية للتطرق لكافة الملفات التي تشغل بال العاصمتين. بالطبع يوجد ملف الحرب في سوريا، وضرورة «تطبيق سياسة النأي بالنفس بدقة وتصميم ومن دون مواربة»، ولكن يوجد أيضاً «ملف الجهاديين»، إذ أن القلق من تواجد الجهاديين في لبنان يقلق بشكل كبير الأجهزة الأمنية الفرنسية وخصوصاً تواتر أخبار عن «توافد هؤلاء من شتى البلدان إلى بلاد الأرز قبل أن يعبروا إلى سوريا». والقلق الفرنسي مبني ليس فقط على تأثير تواجد الجهاديين في صفوف المعارضة المسلحة السورية، خصوصاً في هذه المرحلة التي تقوم فيها باريس بدعم «المقاومة المدنية واللجان المحلية» بالمال والمعدات الطبية، بل تتخوف من التوجه السلفي الجهادي على مسيحيي الشرق وخصوصاً في لبنان وسوريا، وهي تدرك أن «الخوف من الجهاديين» هي الورقة القوية في أيدي النظام السوري.