ميانمار جهنم للمسلمين
في ليلة من ليالي الأحد الحارة بقرية نائية في ميانمار لكم تون نينغ زوجته وفتح أبواب جهنم..
كانت تريد أرزا لأبنائهما الثلاثة. وقال إن لا يمكنهم الحصول عليه. القيود الشبيهة باجراءات التمييز العنصري حالت دون قدرة المسلمين مثل تون نينغ على العمل عند البوذيين في ولاية الراخين على الحدود الغربية لميانمار مما أدى إلى فقدان تون العامل البالغ من العمر 38 عاما عمله.
وتعالى صوت الزوجين ولكم تون زوجته وتدخل الجيران لتهدئة الزوجين.
وأثار هذا الهياج بوذيين راخين عرقيين في القرية المجاورة الذين بدأوا يوجهون اهانات للمسلمين. والعلاقات بين المسلمين والبوذيين الراخين متوترة بالفعل لدرجة أنه جرى تمركز ستة جنود في الجوار. وعلى الفور حاصر مئات من الراخين قرية تون نينج وغرقت ميانمار في اسبوع من العنف الطائفي تشير تقديرات رسمية إلى أنه أسفر عن مقتل 89 شخصا وهو أسوأ عدد للقتلى خلال عقود من الزمان.
وتكشف التوترات عن الجانب المظلم من تاريخ ميانمار إذ أطلقت العنان للكراهية العرقية التي كانت مكبوتة خلال 49 عاما من الحكم العسكري.
وهذا اختبار صعب للحكومة الاصلاحية التي تشكلت قبل 18 شهرا في واحدة من أكثر الدول الآسيوية تنوعا من حيث العرق. أطلق سراح منشقين سجناء وجرت انتخابات حرة ورفعت الرقابة في تحول ديمقراطي سلس لدرجة أن الرئيس الأمريكي بارك أوباما من المقرر أن يقوم بزيارة لتهنئة البلاد في 19 نوفمبر تشرين الثاني.
وبرأت وسائل الاعلام الحكومية بشكل كبير السلطات من أي دور في التوترات التي وقعت في أكتوبر تشرين الأول مصورة إياها على أنها اندلاع عفوي للعنف كثيرا ما كان ينتهي بحرق المسلمين لمنازلهم.
إلا أن المقابلات التي تجريها رويترز ترسم صورة مقلقة بشكل أكبر.. قالت مصادر عسكرية بالحكومة المركزية لرويترز إن الهجمات كانت منظمة. قاد الهجمات راخين قوميون على صلة بحزب سياسي قوي في الدولة بتحريض من رهبان بوذيين وقال بعض شهود العيان إن الهجمات في بعض الأوقات كانت بتحريض من قوات أمن محلية.
نفى زعيم في حزب تنمية أقليات الراخين الإقليمي قيام الحزب بأي دور في تنظيم الهجمات إلا أنه اعترف بامكانية ضلوع أنصار له.
وقال أو هلا سو لرويترز في مقابلة “عندما يثور الناس بمشاعر قومية عرقية عالية يكون من الصعب ايقافهم.”
وشهدت بلدتا بوكتاو وكياوكفيو شبه طرد جماعي للسكان المسلمين فيما يمكن أن يكون بمثابة تطهير عرقي. وشهدت قرية مذبحة لعشرات المسلمين بينهم 21 إمرأة.
وتشير المقابلات التي جرت مع مسؤولين حكوميين وعسكريين ورجال شرطة وزعماء سياسيين وعشرات البوذيين والمسلمين على مساحة شاسعة من منطقة الصراع إلى أن ميانمار تدخل مرحلة أكثر عنفا من اضطهاد 800 ألف شخص معظمهم من مسلمي الروهينغا الذين يمثلون أقلية في دولة أغلب سكانها من البوذيين.
عاش مسلمو الروهينغا لأجيال في ولاية الراخين إلا أن الراخين وآخرين من سكان بورما ينظرون إليهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلادش المجاورة لا يستحقون حقوقا أو تعاطفا. ويرفض الراخين تعبير “الروهينغا” ويصفونه بأنه اختراع حديث ويشيرون إليهم بدلا من ذلك “بالبنغال” أو “كالار” وهو تعبير فيه تحقير للمسلمين أو للناس من أصل جنوب آسيوي.
وتصاعد العنف خلال شهر أكتوبر ضد مسلمي الروهينغا. وأسفرت موجة سابقة من الاضطرابات في يونيو حزيران عن مقتل 80 شخصا على الاقل. وبعد ذلك فرضت حكومة ولاية الراخين سياسية فصل بين المسلمين والبوذيين في منطقة في مثل مساحة سويسرا.
ووفقا لاحصاءات رسمية فان أكثر من 97 بالمئة من 36394 شخصا فروا خلال أعمال العنف الأخيرة من المسلمين. ويعيش كثيرون الآن في مخيمات لينضموا إلى 75 ألفا معظمهم من الروهينغا الذين شردوا في يونيو. وأبحر آخرون إلى بنجلاش وتايلاند وماليزيا على قوارب متداعية وتشير تقارير إلى أن قاربين انقلبا وعلى متنهما ما يصل إلى 150 شخصا يعتقد أنهم غرقوا.
وليست هناك أدلة تشير إلى أن الحكومة القومية التي يهيمن عليها البوذيون تعزز العنف. إلا أنها توقعت فيما يبدو وقوع اضطرابات ومن ثم نشرت قوات بين القرى المسلمة والبوذية قبل شهر بعد شائعات بهجمات.
وقال شوي هلي مونج (43 عاما) شيخ قرية بيك تاي حيث تتكدس الأسر المسلمة الفقيرة في منازل من القش دون كهرباء “هذه عنصرية… يمكن للحكومة أن تحل ذلك إذا أرادت في غضون خمس دقائق. ولكنها لا تفعل شيئا.”
وأعمال عنف الراخين اختبار أيضا لأونج سان سو كي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام وزعيمة المعارضة الآن في البرلمان والتي فشل حيادها في نزع فتيل التوترات ويخاطر باضعاف صورتها كقوة معنوية قادرة على التوحيد بين الأطراف. وتقول سو كي وهي بوذية إنها ترفض مساندة جانب على آخر.
واستقرار واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية تجاريا في ميانمار معرض للخطر وكذلك الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت مع تخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية. وعلقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات ولكن لم ترفعها تماما وجعلت حل الصراعات العرقية شرطا مسبقا لمزيد من المكافآت.
وامتد الصراع في ولاية الراخين وفي الآونة الأخيرة وصل إلى مناطق كان المسلمون يعيشون فيها بسلام جنبا لجنب مع البوذيين.
في بيك تاي ألقى بوذيو راخين قنابل حارقة على أكواخ خشبية في حين فر تون نينج وجيرانه. وقال محمد أمين (62 عاما) إنه ضرب بأنبوب معدني إلى أن شرخت جمجمته. وانتهت أعمال العنف الأولية بعد أن أطلق جنود نيران أسلحتهم في الهواء واعتقلوا أحد الراخين.
ولكن إراقة الدماء هذه كانت مجرد البداية..
في الصباح التالي.. في يوم الاثنين الموافق 22 أكتوبر تشرين الأول تجمع المئات من الراخين في المشارف الجنوبية لبلدة مروك او وهي عاصمة قديمة مليئة بالمعابد البوذية على بعد نحو 24 كيلومترا إلى الشمال من بايك تاي. بعد ذلك توجهوا إلى تا يت أوك وهي قرية صيد يسكنها مسلمون عددهم نحو 1100 نسمة وأضرموا النار في المنازل المصنوعة من الخيزران.
وقال كين سين اونج (65 عاما) وهو مزارع من الراخين من قرية بوذية مجاورة إن السكان المسلمين فروا من القرية باستخدام قوارب إلى قرية با رين المجاورة وتتبعهم الراخين الذين بلغ عددهم في نهاية الأمر نحو ألف شخص.
لم يتعرف على وجوه الأفراد في هذه المجموعة من الراخين ووصفهم بأنهم “دخلاء” وقال إنه يعتقد أنهم جاءوا من مروك أو. وذكر سكان قرى من البوذيين والمسلمين إن المئات يتدفقون عبر نهر صغير يفصل بين القريتين وجاء آخرون بالقوارب. وبحلول الظهيرة كان هناك نحو أربعة آلاف من الراخين.
وأوضح شهود أن أربعة جنود أطلقوا أعيرة نارية في الهواء لتفرقة الحشود لكن كان من السهل التغلب عليهم. وصد المسلمون الهجوم بالحراب والمناجل وأحرقوا مضربا للأرز وعددا من منازل الراخين. وأطلق الراخين النار من بنادق بدائية.
وقال ام.في كريم (63 عاما) وهو من الزعماء المسلمين في با رين إن ستة مسلمين قتلوا منهم امرأتان وهو عدد أكده الجيش. وقال هو وسكان قرى آخرون إنهم رأوا وجوها يعرفونها جيدا وأفراد شرطة يرتدون الزي الرسمي بين الحشد الغاضب.
وقال كريم الذي لديه أصدقاء في القرية البوذية “لا أعلم الآن لماذا حدث هذا.” شعر المزارع البوذي كين سين أونج بالحيرة أيضا.. إذ انه لسنوات ظل يعمل في حقول الأرز جنبا إلى جنب جيرانه المسلمين. وقال “لم تكن هناك مشكلات لدينا قبل ذلك.”
تجنبت مجتمعات مثل با رين العنف الذي شهدته البلاد في يونيو. لكن توترات جديدة ظهرت بعد الفصل الذي حدث لاحقا بين القرى المسلمة والبوذية وهو أمر فرضته الحكومة البوذية للولاية بهدف منع المزيد من العنف لكنه أتى بنتيجة عكسية.
لم يعد سكان القرى المسلمون من الفقراء يشترون الأرز وغيره من الإمدادات في بلدات بوذية. ويقول أشخاص أجريت معهم مقابلات في ست قرى مسلمة إن مخالفي هذه الأوامر كانوا أحيانا يضربون بعصي أو باليد ليكونوا عبرة للآخرين.. كما أن شباك الصيد كانت تصادر.
قال المزارع كين سين اونج إن الظروف زادت صعوبة مع تدني مخزون الأرز في الوقت الذي بلغ فيه موسم الأمطار الموسمية أوجه في أكتوبر تشرين الأول. سرق بعض سكان القرى الأرز من مزارعين بوذيين مما أدى إلى تفاقم الغضب.
وبحلول الساعة الرابعة والنصف عصرا في يوم الاثنين أيضا احتشد عدة آلاف من الراخين خارج قرية سام با لي الواقعة في بلدة مينبيا المجاورة. وفي هذه المرحلة كان نمط معين من المواقف تجاه المسلمين قد تكون.
قال أحد مشايخ القرية إن الراخين حاصروها وألقوا قنابل حارقة وأطلقوا النار من بنادق بدائية. رد المسلمون الهجوم وأحيانا كان ذلك باستخدام الحراب أو المناجل لكن عددهم كان أقل. أطلق جنود من القوات الحكومية أعيرة في الهواء. وبحلول الوقت الذي غادر فيه الحشد قرية سام با لي الساعة السادسة مساء كان رجل مسلم لقي حتفه وسوي ثلثا 331 منزلا بالأرض.
وبحلول الليل فرضت مروك او ومينبيا حظر تجول من الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي حتى الساعة الخامسة صباحا. ولكن الأسوأ وقع..
بدأ يوم الثلاثاء بمذبحة. زار مراسلو رويترز عشرات القرى في ولاية راخين. لكن كانت هناك قرية واحدة فقط منع الجنود والشرطة المراسلين من دخولها وهي قرية يين تي النائية المطلة على نهر والواقعة عند سفح جبل تشين.
ما حدث هناك يشير إلى وجود حشد أكثر جرأة وتنظيما بمساعدة من أفراد من الشرطة إما متواطئين وإما متقاعسين.
قال أحد السكان اتصلت بهم رويترز إنه بحلول السابعة من صباح يوم الثلاثاء كان المئات من الراخين قد وصلوا بقوارب لتطويق قرية يين تي. وبحلول عصر ذلك اليوم كان سكان القرية من المسلمين يصدون موجات من الهجمات. وقال الساكن إن أطفالا منهم اثنان صغار من أبناء عمه قتلوا على يد راخين يحملون سيوفا. وأحرقت أغلب المنازل.
قال موسى دولا وهو مزارع مسلم من قرية مجاورة إنه سمع أصداء نيران الساعة الخامسة مساء. اتصل أحد سكان يين تي هاتفيا بجيران موسى دولا وقال إن الشرطة تطلق النار عليهم. وأخذ مزارع آخر بدا عليه التوتر يروي لرويترز كيف أنه رأى من مكان بعيد أفراد الشرطة وهم يفتحون النار من الطرف الغربي للقرية وكان هذا أيضا الساعة الخامسة مساء تقريبا.
والعدد الذي أعلن رسميا للقتلى هو خمسة من الراخين و51 مسلما قتلوا في يين تي منهم 21 امرأة مسلمة طبقا لما قاله ضابط شرطة في نايبيداو العاصمة الجديدة لميانمار. ونفى أن تكون قوات الأمن فد فتحت النار أو تواطأت مع الحشود الغاضبة. تحدث الساكن في يين تي عن عدد أكبر من القتلى وذكر أن 62 شخصا دفنوا في قبور صغيرة ضمت كل منها عشر جثث.
ومع احتراق يين تي فر من تبقى من نحو أربعة آلاف من مسلمي الروهينغا من ميناء بوكتاو الكبير في فرار جماعي بحرا بدأوه قبل خمسة أيام.
وقال مصدر عسكري إن التوترات تصاعدت منذ 12 أكتوبر تشرين الأول عندما قتل أربعة صيادين من الروهينغا قبالة بوكتاو. بعد ذلك أمرت السلطات المحلية الروهينغا بالبقاء في قراهم حرصا على سلامتهم. ولا يمكن للرجال العمل في البلدة ولا يجرؤ كثيرون على الخروج للصيد.
قال نوم ماروت (48 عاما) “أعطتنا الحكومة طعاما لكن هذا لم يكن كافيا… لم نجرؤ على البقاء.”
بدأ الروهينغا في بوكتاو التدفق على القوارب للقيام برحلة تستغرق ساعتين إلى مدينة سيتوي عاصمة الولاية. منزل نوم ماروت الجديد لا يعدو كونه خيمة من التاربولين في مخيم متداع مزدحم بالفعل بعشرات الآلاف من الأشخاص الذين نزحوا مع أعمال العنف التي شهدتها البلاد في يونيو حزيران.
وبعد نحو 30 دقيقة من بدء القارب رحلته في البحر قال شهود إن النيران أشعلت في حيين للروهينغا في بوكتاو. ودمر 335 منزلا. غطت جدران المسجد المحترق الذي كان مزدحما يوما ولم يتبق منه سوى الأساسات عبارات تقول “الراخين سيشربون دم الكالار” في إشارة إلى الكلمة الدارجة المستخدمة للإشارة إلى المسلمين.
يصر كاي اي نائب رئيس بلدية بوكتاو على أن الروهينغا أضرموا النار في منازلهم ويلقي باللوم في المشكلات الطائفية على المسلمين الذين تضاعف عددهم خلال عشر سنوات. وقال “المسلمون يريدون كل الناس أن يصبحوا مسلمين. هذه هي مشكلة المسلمين… أغلب المسلمين هنا غير متعلمين لذلك فإنهم يميلون إلى الغلظة أكثر من الراخين.” حل ليل الثلاثاء وانفتحت بوابة جديدة للجحيم في كياوكفيو وهي بلدة هادئة على بعد 105 كيلومترات جنوب شرقي سيتوي ولها أهمية استراتيجية اذ تخرج أنابيب للغاز والنفط من هذه البلدة عبر ميانمار الى شمال غرب الصين المتعطش للطاقة.
وحتى الآن تستهدف أعمال العنف مسلمي الروهينغا. ونحو خمس سكان كياوكفيو البالغ عددهم 24 الف نسمة من المسلمين وكثير منهم من جماعة كامان العرقية. وتعتبر جماعة كامان واحدة من الجماعات العرقية الرسمية في ميانمار البالغ عددها 135 وتحمل هذه الجماعات الجنسية ويصعب التمييز بينها وبين الراخين البوذيين.
وعاش أغلب مسلمي كياوكفيو في حي بيكيساكي الشرقي الذي يقع بين مجتمعات الراخين وخليج البنغال.
وبدأت العلاقات بين الطائفتين تتدهور بعد أعمال العنف التي وقعت في يونيو حزيران. وأذكى تدمير حشود غاضبة معابد بوذية في بنغلادش التي يغلب على سكانها المسلمون في اوائل اكتوبر تشرين الاول العداء.
اندلع الحريق الاول في حي بيكيساكي الشرقي ليل الثلاثاء وسريعا شبت النيران في عشرات من منازل المسلمين والراخين. وتحولت الشوارع حول المسجد الجامع بالقرية القديمة وهو أحد مسجدين بالحي الى الخط الأمامي في معارك حامية بين الطائفتين.
قاتل الراخين بالسيوف والقضبان الحديدية وخاض المسلمون المعركة بالرماح.
كان البحر من ورائهم فلم يستطع مسلمو حي بيكيساكي الفرار من حشود الراخين التي كانت ضخمة بدرجة لم تستطع معها قوات الجيش والشرطة التي تراوح عددها بين 80 و100 فرد السيطرة عليهم.
وقال اللفتنانت ميينت خين قائد مركز شرطة كياوكفيو “لم نستطع السيطرة عليهم.”
وأضاف أن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية لتفريق حشود المسلمين والراخين. وقال مصدر بقوات الأمن إن الجيش أطلق الذخيرة الحية لكن من الواضح أنه لم يطلقها على الحشود. وقال عاملون بمستشفى كياوكفيو لرويترز إنهم عالجوا إصابات بشفرات وحروق لكنهم لم يستقبلوا مصابين بأعيرة نارية.
في الصباح التالي اشتعلت النيران في بقية أجزاء بيكيساكي.
وقال ميينت هلينج وهو مسؤول محلي إن الحرارة كانت “أشد من محرقة.”
وأضاف “أحرقت سعف النخيل الذي يبلغ ارتفاعه خمسة طوابق.”
وبدأ رجال الراخين يتدفقون من القرى المجاورة. ويظهر تسجيل فيديو لم يتم نشره وسجله مصور هاو شبانا يرتدون عمامات حمراء يدخلون البلدة في قافلة من الجرارات.
وقال شهود من المسلمين والراخين إن هؤلاء ساعدوا في ترويع المسلمين الذين يعيشون في أماكن أخرى من كياوكفيو. وقال اللفتنانت بالشرطة ميينت خين إن قوات الأمن كانت تحت ضغط شديد حال دون منعهم.
وأخرج رجال يحملون سيوفا سوسو (39 عاما) وزوجها ثان توا (48 عاما) من منزل في غرب كياوكفيو. وقالت سوسو وهي تشير الى ذراعيها وساقيها “أصابوه بجروح هنا وهنا وهنا.”
وتعرفت على الكثير من مهاجميها. وقالت إنهم من الجيران. ركضت سوسو لتستنجد ببعض الجنود الذين رافقوها لإنقاذ زوجها. لكنه كان قد فارق الحياة.
ولم تستطع سوى قوتين أن تجبر المهاجمين على التوقف. كانت الأولى الجيش الوطني الذي فرق الحشود بإطلاق النيران في الهواء. اما القوة الثانية فكانت مسؤولين من الراخين البوذيين مثل ميينت هلينج.
وقال مسلمون محليون إن بعض المسؤولين انضموا الى الحشد لكن آخرين واجهوه. وفي مواجهة صيحات “اقتلوا حامي الكالار” في إشارة الى الروهينغا حاول ميينت هلينج (68 عاما) تهدئة الراخين الغاضبين امام منازل المسلمين من الكامان في حيه. وقال “لو لم نحم الكامان لدمرت منازلهم ومات الناس.”
في الصباح بدأ الجيش يجلي المسلمين بالحافلات الى مخيم للنازحين يخضع لحراسة خارج البلدة.
في حي بيكيساكي الذي كان لايزال مشتعلا لم يكن لدى المسلمين سوى مخرج وحيد هو البحر. استعدت قافلة من زوارق الصيد لمغادرة شواطئه التي تصاعدت منها النيران.
وقال عبد الله (35 عاما) وهو صياد من الروهينغا “سبح الناس الى الزوارق لكن تمت مطاردتهم وطعنهم قبل أن يصلوا اليها.”
وقالت زانابيبي (46 عاما) وهي امرأة من طائفة الكامان إنها كانت تراقب من زورق فيما انقض ثلاثة رجال من الراخين يحملون سيوفا على مراهق مسلم وأضافت “رأيتهم… مزقوا جسده الى أربعة أجزاء.”
ويزعم الراخين البوذيون أنهم شهدوا أعمالا وحشية ايضا. وقال ميينت هلينج إنه رأى مسلما على زورق مغادر يرفع رأسا مقطوعا لأحد الراخين.
وقال شهود إنه عند الظهر أبحر 80 زورقا على الأقل حمل الكثير منها 130 شخصا او اكثر الى سيتوي. وتم نقل 1700 غيرهم من المسلمين او اكثر الى معسكر يحرسه الجيش خارج كياوكفيو.
وتشير الإحصاءات الرسمية الى معركة غير متوازنة في كياكفيو. ومن بين 11 قتيلا هناك تسعة مسلمين. وكل المنازل التي احترقت تقريبا البالغ عددها 891 هي منازل مسلمين. وهدمت أربعة من خمسة مساجد في كياوكفيو.
ولم يظهر رجل أعمال كبير في كياوكفيو طلب عدم نشر اسمه تعاطفا يذكر مع جيرانه السابقين. وقال “الأغلبية لقنتهم درسا.”
ووقعت أحدث موجة عنف في كياوكتاو وهي بلدة تقع شمالي سيتوي عاصمة الولاية. وفي هذه المرحلة أطلق الجيش النار على الحشود – ولاول مرة قتل البوذيين الذين كان يتهم على مدى فترة طويلة بالانحياز لهم.
وقال اونج كياو مين (28 عاما) وهو من الراخين في تاونج بوي وأصيب برصاصة في قدمه إن الجنود فتحوا النار لمنع قرويو الراخين الذين يستقلون زورقين من الإغارة على مسلمي الروهينغا. واضاف “لا أعرف لماذا أطلق الجيش النار علينا.” وقال قرويون إن شخصين قتلا وأصيب عشرة بجروح.
وفي واقعة منفصلة في نفس اليوم قال شاهد لرويترز إن قوات الأمن أطلقت النار على مشارف راخين وكيوكتاو ما اسفر عن مقتل اثنين وإصابة أربعة بجروح.
وبدا أن إطلاق النار يوجه رسالة للحشود. فتوقف العنف في ذلك اليوم.
وأقر ضابط شرطة كبير في نايبيداو أن الشرطة أجبرت على إطلاق النار على المسلمين وعلى الراخين في إطار محاولتها قمع الحشود الضخمة.
وبلغ العدد الرسمي للقتلى في اعمال العنف في أكتوبر تشرين الأول 89 قتيلا. وقد يكون الرقم الفعلي أكبر. ولم يتضح بعد مدى القتل في قرية ين تي. وتؤكد التقارير أن عشرات المسلمين الفارين من بوكتاو غرقوا بعد أن اقتحم الراخين زوارقهم. وتم تدمير نحو 4700 منزل في 42 قرية.
وحذر الرئيس ثين سين في ذلك اليوم (الخميس) في بيان من أن “الأشخاص والمنظمات” التي كانت وراء العنف في ولاية راخين سيكشفون ويحاكمون. وقالت مصادر عسكرية لرويترز إن الحشود كانت جيدة التنظيم يقودها المحرضون الرئيسيون الذين كانوا ينتقلون من قرية لأخرى.
وفي كياوكفيو لم تعتقل الشرطة سوى سبعة حتى الآن ستة منهم كانوا يسرقون. وفي موروك-أو حيث وقعت اغلب عمليات القتل لم يعتقل سوي 14 شخصا. فالحصانة التي يبدو ان المحرضين يتمتعون بها توجه رسالة مقلقة للمسلمين في ميانمار.
وعرف ضابط المخابرات وهو على علم مباشر بالعمليات الأمنية في الولاية قادة الخلايا المشتبه بها بأنهم متطرفون من الراخين على صلة بحزب تنمية أقليات الراخين الذي تأسس لينافس في الانتخابات العامة في ميانمار عام 2010 . ولم يذكر أسماء أي مشتبه فيهم. وأضاف أن الرهبان البوذيين اشعلوا الاضطرابات بخطابتهم المناهضة للإسلام.
ونفى أو هلا سو الأمين العام لحزب تنمية أقليات الراخين أن يكون حزبه نظم أي حشود. لكنه أقر احتمال مشاركة أنصار ومسؤولين صغار و”رهبان معتدلين يتحولون إلى التطرف عندما يفكرون في المسلمين.”
وألقى او هلا سو باللوم على السلطات المحلية بسبب عدم انتباهها لشائعات بشأن عنف وشيك وعلى إسلاميين متشددين في إشعال التوترات. وأضاف أن كلمة روهينغا تنطوي على معنى “جهادي” مرتبط بالمتمردين في شمال ولاية راخين في الفترة من 1949 إلى 1961 الذين اطلقوا على انفسهم جماعة روهينغا العرقية. ويقول مؤرخون مستقلون إن المتمردين روجوا لتعبير روهينغا لكن لم تورد الكلمة إلا قليلا في المراجع منذ القرن الثامن عشر.
وحتى اليوم يقول او هلا سو إن الروهينغا يريدون “اقامة مجتمع إسلامي متمتع بالحكم الذاتي. وهم يعملون بشكل منظم على ذلك.”
ويجاهد أغلب الروهينغا لمجرد البقاء. فقد أظهر مسح أجرته جمعية العمل من أجل مكافحة الجوع الفرنسية عام 2010 أن معدل سوء التغذية بلغ 20 بالمئة أي أعلى بكثير من حد الحالة الطارئة الذي تحدده منظمة الصحة العالمية.
وجاء الكثيرون للعمل من بنغلادش في ظل الحكم البريطاني في القرن التاسع عشر- وهو ما تستند إليه الحكومة الآن في حرمانهم من حق المواطنة. واعتبر الروهينغا فعليا دون جنسية بموجب قانون المواطنة لعام 1982 الذي استبعدهم من قائمة الجماعات العرقية من السكان الأصليين. ويشير إليهم المسؤولون بالبنغال. ويجد اغلب الروهينغا صعوبة في التقدم بطلب جنسية إذ انهم لا يتحدثون اللغة البورمية ولا يتمكنون من إثبات إقامتهم لفترة طويلة في البلاد.
وساعد الرهبان الذين كانوا رمزا للديمقراطية في احتجاجات عام 2007 ضد الحكم العسكري في إشعال الغضب ضد المسلمين. فقبل أسبوع من اندلاع العنف قاد الرهبان احتجاجات على مستوى البلاد ضد خطط منظمة التعاون الإسلامي أكبر كيان إسلامي عالمي لإقامة مكتب اتصال في ولاية راخين.
وقال نيار نار (32 عاما) وهو أحد رهبان الراخين إن احتشادا ضد منظمة التعاون الإسلامي في سيتوي في 15 أكتوبر “أغضب المسلمين هنا”. ويشير الراهب وهو احد منظمي الاحتجاج للمسلمين باعتبارهم غزاة اجانب. وقال “كرهبان لدينا اخلاق وقيم… لكن إذا جاء اجانب لاحتلال ارضنا فإننا سنحمل السيوف لحمايتها.”
وفي بعض أجزاء الولاية بدت الاجواء احتفالية. وقال زاو مين او وهو بائع احذية من الراخين في بوكتاو “هذا هو أفضل وقت لأن لا يوجد مسلمون هنا.” ونحو 95 بالمئة من المسلمين وعددهم 20 الف هناك قد غادروا.
وقد يكون السلام قصير الأمد. فمحاولات الدولة الخرقاء للعزل ساعدت في تهيئة الظروف للعنف في أكتوبر. والمزيد من العزل – ومنه وضع عشرات الألوف من المسلمين في مخيمات- قد يثير المزيد من العنف. ومازال حظر التجول ساريا في أغلب أجزاء ولاية راخين.
وفي بلدة كياوفيو لم يبق سوى مسلمة واحدة في البلدة هي نجوي شين وهي عجوز مصابة بمرض عقلي. وكثيرا ما تشاهد بالقرب من السوق تجوب وسط المنازل المدمرة والمنهوبة