هل يثمر المجهود الدولي لمساعدة مصر اقتصادياً؟
رغم الاضطرابات السياسية في المنطقة، المصحوبة أحياناً بأعمال عنف، تواصل الولايات المتحدة وائتلاف من المؤسسات المالية منح مليارات الدولارات من القروض الى مصر وبلدان عربية أخرى مجاورة، وذلك بأمل تجنيب هذه البلدان انهيارا اقتصاديا يشيع مزيدا من عدم الاستقرار.
ويرى مراقبون ان مخاطر هذا التحرك تبدت بصورة ساطعة في مصر بالاشتباكات بين مناوئي ومؤيدي الرئيس محمد مرسي الذي يتعين ان تكسب ادارته ثقة الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وجهات أخرى بتنفيذ ما التزم به مقابل دعم مالي دولي.
ويعترف دبلوماسيون ومسؤولون شاركوا في اعداد برنامج صندوق النقد الدولي بأنهم يتعاملون مع وضع لا يمكن التنبؤ بمآلاته. ورغم ان مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تتحاشى رسميا، على ما يُفترض، اقحام السياسة في تقييم القروض والمشروعات فان الأوضاع في بلدان الربيع العربي اوضاع متفجرة بصفة خاصة، كما يقول مراقبون غربيون مشيرين الى ان الانتفاضات التي شهدتها المنطقة انجبت حركات شعبية ديمقراطية لاقت ترحيب الولايات المتحدة ولكنها عززت مواقع احزاب اسلامية وأدت الى حوادث مثل الهجوم على القنصلية الاميركية في طرابلس في ايلول/ سبتمبر الماضي.
وتبقى مصر بصفة خاصة لغزا محيرا. فالرئيس مرسي يسعى الى اتخاذ موقف معتدل دوليا مع استمراره في التحالف مع جماعة الاخوان المسلمين، التي ينتسب اليها. وكان نال خلال الاسابيع الثلاثة الماضية ثناء دوليا على دوره في اتفاق التهدئة بين اسرائيل وحماس ولكنه أقلق مؤسسات الإقراض باعلانه الدستوري الذي يحصن قراراته ضد القضاء ولجوئه الى الجيش لضبط الشارع، بما في ذلك اعتقال المدنيين، قبل الاستفتاء على مسودة الدستور.
وكان صندوق النقد الدولي يأمل بالتحرك قدما هذا الاسبوع في اقرار قرض قيمته 4.8 مليار دولار، ويشكل لمصر حاجة ماسة بسبب هبوط احتياطها من العملات الاجنبية وهروب رؤوس الأموال الأجنبية من البلد. ولا يستعبد محللون الآن ان يتأخر منح هذه القرض، بعدما تراجع مرسي عن زيادة الضرائب التي كان الصندوق يتوقعها من اجل خفض العجز في ميزانية الدولة.
وتناول البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مشاكل المنطقة العربية باستفاضة في دراساتهما، بما في ذلك صادرات المنطقة غير النفطية التي تقل عما تصدره سويسرا وانعدام فرص العمل للشباب واقتصادات مغلقة وكثيرا ما تكون خاضعة لسيطرة الدولة حيث يوزع الحكام عطاياهم على حلفائهم المفضلين. وبسبب اعتماد زعماء مثل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على دعم اسعار المواد الغذائية والمحروقات للتعويض عن انسداد الآفاق الاقتصادية بوجه الفقراء والطبقات الوسطى، يتعين على حكومات هذه البلدان ان تمول دعومات لم تعد الخزينة قادرة على تحمل اعبائها وبخلافه المجازفة بإثارة ردود افعال سياسية إذا خُفضت أو أُلغيت هذه الدعومات. وهزت محاولات الحكومة لرفع الدعم عن سعر المحروقات في الاردن مؤخرا النظام الملكي المعروف باستقراره في هذا البلد ، كما يلاحظ محللون.
وكان القيام بتحرك لتوجيه المنطقة نحو سياسات اقتصادية أكثر انفتاحا موضع بحث منذ سقوط النظام الاستبدادي في تونس ومصر قبل نحو عامين والضغوط التي تعرضت لها حكومات الاردن والمغرب وغيرها من اجل التغيير.
ولكن هذا التحرك يتخذ الآن شكل ائتلاف عريض يضم الولايات المتحدة ودولا اوروبية والبنك الاوروبي للاعمار والانماء وبنك التنمية الافريقي واطرافا أخرى في محاولة هدفها التأكد من ان القادة الجدد لا يستعيضون عن النسخة القديمة من اقتصاد المحسوبية بوجوه جديدة ومحاسيب جدد.
ومن المتوقع ان يأتي قرض صندوق النقد الدولي لمصر مربوطا بشروط صارمة بينها اجراء تخفيض حاد في اموال الدعم. وتتركز جهود البنك الدولي في تونس على قضايا تتقاطع عندها السياسة مع الاقتصاد مثل حرية التنظيم والشفافية في انفاق المال العام. ويدرس البنك الدولي طلب قرض قيمته مليارا دولار قدمته مصر لدعم الادارة الاقتصادية على نحو مماثل لمجهود البنك في تونس.
ويتولى البنك الاوروبي للاعمار والانماء الذي أُنشئ بعد سقوط جدار برلين لتحفيز الانتقال الاقتصادي في اوروبا الشرقية، تمويل مشاريع تنموية لدعم الاستثمارات الصغيرة في المغرب وتمويل بناء محطة كهرباء في الاردن. ومن المتوقع ان تبلغ استثمارات البنك نحو 3 مليارات دولار سنويا في مصر والمغرب والاردن وتونس بحلول عام 2015.
ويمضي هذا المجهود قدما رغم الغموض الذي يكتنف الاتجاه الذي تسير فيه المنطقة وتفكير قياداتها. ويبقى من غير الواضح على سبيل المثال مدى التزام القادة الجدد بقضايا مثل تعليم المرأة وتمكينها في موقع العمل.
ويتضمن برنامج مرسي “النهضوي” تعهدات بزيادة مساهمة القطاع الخاص في الانتاج الاقتصادي واستدراج رؤوس الأموال الأجنبية و”تحديد دور الدولة”. ولكن محللين مصريين مثل رشاد عبدو يشكون في برنامج مرسي ويرون انه يراكم ديون صندوق النقد الدولي وغيرها من الديون الأخرى على مصر دون خطة طويلة الأمد واضحة. وقال عبدو ان البرنامج لا يوفر إلا حلولا قصيرة الأمد.
ولكن المسؤولن الاميركيين وغيرهم من المسؤولين المشاركين في المفاوضات مع حكومة مرسي يستخدمون مفردات مثل “البرغماتية” في وصف نظرة المصريين الى السياسة الاقتصادية مدركين الحاجة الى مساعدات دولية لتحقيق الاستقرار، ويبدون مستعدين عموما لتنفيذ الشروط. ويعتبر هذا تغيرا بالمقارنة مع الموقف قبل عام عندما رفض المجلس العسكري الحاكم وقتذاك مساعدة صندوق النقد الدولي.
ويتسم دعم الولايات المتحدة اكبر المساهمين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بأهمية حاسمة. وتخطط ادارة اوباما بصورة منفصلة لشطب مليار دولار من ديون مصر.
وكانت عقود من العمل الدبلوماسي ومليارات الدولارات من المساعدات الخارجية وُظفت في مجهود هدفه اقناع نظام مبارك بمكافحة الفساد وانهاء الامتيازات الاقتصادية وتوزيع العطايا على المحاسيب من اجل البقاء في السلطة، وبتحقيق الانفتاح الاقتصادي.