ما يفضله الإسرائيلي
غزة- فلسطين – فداء عيتاني
بالنسبة لدولة اسرائيل فان غزة ورطة، ومصيبة، لا يعلمون كيف بقوا فيها كل تلك الاعوام، ربما ما كان يجب ان يدخلوها اساسا في العام 1967، لا توفر لهم اي شيء، ربما اليد العاملة الكثيرة والرخيصة، ولكنها مثار مشاكل طوال الوقت، هذا الساحل الذي لا يهدأ ابناؤه ولا يرتاحون.
الا انه بالنسبة لاسرائيل فان من يمكن التعامل معه من ابناء غزة هم ابنائها، او سكانها اللاجئين الذين تك تدجينهم واستيعابهم في عملية الاحتلال والتطبيع الطويلة، والتي لا تزال تمارسها الدولة المعادية حتى اللحظة.
بالنسبة لاسرائيل فان من يسكن قطاع غزة، سواء اكان من السكان الاصليين ام من اللاجئين من اراضي العام 1948 والذين يعيشون في مخيمات تحولت الى مدن صغيرة، هؤلاء يمكن فهم ردات فعلهم سلفا، او على الاقل يسهل فهمهم اكثر من اولئك الاتين من خارج القطاع، والذين تربوا خارج الاراضي المحتلة وبعيدا عن اعين الاحتلال وفي مدارس وجامعات الخارج. اولئك يتطلبون جهدا اضافيا من دولة الاحتلال لفهمهم والتعامل معهم وتدجينهم.
وسواء اكان الحديث عن حماس او فتح او اي من التنظيمات، فالاسرائيليون لا يميزون كثيرا بين الاطراف، بل يتعاملون مع الفلسطيني في الداخل بصفته خاضعا لمعطى قدري اسمه احتلالهم لهذه الارض.
لم يكن بامكان احد غير ارييل شارون ان يتحمل الانسحاب من غزة ربما وان ينفذه، ولكن لم يكن بامكان احد غيره ايضا ان يفعل ذلك، وهكذا كان في العام 2005، وقبل ان ينسحب الجيش فكك المستعمرات، وازال الشجر، وجرف اشجار الفلسطينيين، وحول المنطقة الى ما يشبه الصحراء في الكثير من المواقع، ثم ترك الناس هناك ليتخبطوا ببعضهم.
حين كانت فتح تحكم غزة في اطار السلطة الفلسطينية كان القطاع يعيش تخبطا كبيرا، كانت فتح والسلطة تسمح لا بل توزع السلاح الفردي، ولكن كانت الحياة اكثر احتمالا من جهة اخرى، نسبة التحرر الاجتماعي اعلى، ولكن العائلات كانت تملك من السلاح ما يمكنها من فتح معارك جانبية، وهو ما كان يحصل، كان بعض السكارى يطلقون النيران احيانا لتدخل العائلات في نزاعات وعمليات ثأر لا تنتهي.
كانت فتح على طابعها المتنوع تنقل تجربة متنوعة في الحياة الى القطاع، بينما حماس لم تتمكن الا من محاولة تعميم تجربة اسلامية لم تذهب ابعد من القشرة في المجتمع الفلسطيني، بينما بقي اهل المناطق يمارسون ويعيشون حياتهم وتقاليدهم الاجتماعية كما كانت ربما من عشرات او مئات السنين دون تطوير.
يسجل لحماس تمكنها من فرض امن محلي، ونزع سلاح العائلات، وتوحيد القرار العسكري، بينما لم تفعل فتح والسلطة الوطنية الا عكس ذلك، ولكن كلاهما لم يلتفت يوما الى الطرق، او المجاري او المواصلات، او العقارات والبناء، او الكهرباء، بل ان الخدمات العامة تتراجع، واليوم فان التعليم الجامعي في اسواء مراحله، يقول احد المتخرجين انه تعلم الكثير ولكن كل علومه قديمة امام تطور العلم في خارج هذه الرقعة الجغرافية.
حين تمر بشوارع قطاع غزة يخبرك السكان ان هذا الزفت من ايام الاحتلال الاسرائيلي، تسأل ان كان من العام 2005، فيجيبون “لا انه من قبل مجيء السلطة العام 1994″. الصرف الصحي كذلك، الجسر الذي يضرب لا بد من ايجاد ممول لاعادة اعماره، وبعدها سيستغرق اعادة تأهيله اكثر من ستة اشهر، والجسور في قطاع غزة لا تتجاوز العشرين مترا.
لا تسأل ما الحكمة من هذا الاهمال، هو شأن القطاع دائما، يكفي ان احدا لا يجد مبررا تقنيا او فنيا او ماليا لاستمرار انقطاع التتيار الكهربائي، او لا احد يمكنه ان يخبرك لماذا لا يتم تزفيت الطرق.
الاهم من كل ذلك لماذا لا يتم انشاء مشاريع انتاجية في هذا القطاع بدل ان يترك الشبان عاطلين عن العمل، وهناك فئتين من العاطلين عن العمل الاولى هي تلك التي لا تجد وظائف اساسا، وجزء من هذه الفئة لا يتم توظيفها بسبب انتمائها السياسي لفتح، وهو امر تفعل مثله فتح في الضفة الغربية حيث تستثني من التوظيفات ابناء حركة حماس، والفئة الثانية من العاطلين عن العمل هم اولئك الذين كانوا موظفين لدى السلطة الوطنية الفلسطينية قبل (الانقلاب او الحسم او سمه ما شئت) في العام 2007 حين استلمت حماس زمام السلطات في غزة بعملية عسكرية واسعة.
النتيجة ان نسبة العاطلين عن العمل في القطاع مخيفة، اكثر من نصف الشبان عاطلون عن العمل، وبينما يتحدث بعض ابناء حماس عن ان لا احد يرغب في ترك بلده، يؤكد لك اخرون استعدادهم لمغادرة غزة ما ان تسنح لهم اية فرصة، بل ان شابات سمعن بفرصة للعمل في اليمن في مجال التعليم تقدمن بالمئات، وكل ذلك مقابل راتب من 500 دولار شهريا.
شاب فلسطيني من مواليد لبنان، ومن الذين عادوا مؤخرا الى غزة يتحدث بحزن عن الحياة فيها “حين اقطع حاجز رفح اعرف ان الحياة انتهت، الحياة تنتهي من حاجز رفح الى جباليا، هذه المنطقة خارج الدنيا”.
لا تحتاج غزة الى المزيد من التضامن، انها بحاجة الى شيء من الحياة، ومن دورة الاقتصاد.
ولكن ما الذي يمكن ان يريده الاسرائيليون اكثر من ذلك من غزة؟
بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة